الحريري "بقّ البحصة"... وشظاياها تطال التحالفات المفترضة!

الحريري
السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨ - ٠٨:٢١ بتوقيت غرينتش

في الشكل كما في المضمون، لم تمرّ الذكرى السنوية الثالثة عشرة لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ مرور الكرام، بعدما نجح رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في تحويلها إلى "مهرجانٍ انتخابيّ"، بكلّ ما للكلمة من معنى، على الرغم من تأجيل إعلان تحالفاته وترشيحاته، التي كان واضحًا أنّها لم تجهز بعد.

العالم - مقالات

وإذا كان الحريري حرص على التأكيد مرارًا وتكرارًا في خطابه بالمناسبة على ثابتة "استحالة" تحالفه مع "​حزب الله​" في ​الانتخابات النيابية​ المقبلة، فإنّه رسم في المقابل معالم اشتباكٍ سياسيّ جديد مع حلفائه السابقين، أو "من كانوا في عداد الأصدقاء"، على حدّ وصفه، وهو ما وضعه كثيرون بمصاف "البحصة" التي كان الحريري توعّد بـ"بقّها"، والتي سيكون لها بطبيعة الحال ارتداداتها على الاستحقاق الانتخابيّ، والتحالفات المفترضة...

رسائل "انتخابيّة"

لا شكّ أنّ احتفال "​14 شباط​" اكتسب هذا العام أهمية مضاعفة، خصوصًا أنّه يأتي عشيّة استحقاقٍ انتخابيّ يعتبره الكثير من القادة السياسيين مفصليًا ومصيريًا، ويعوّل عليه آخرون لرسم معادلاتٍ جديدة، بعدما شهدت الخريطة السياسية للبلاد تحوّلاتٍ جذريّة منذ آخر انتخابات شهدها لبنان في العام 2009، أي قبل تسع سنواتٍ. وعلى الرغم من أنّ "تيّار المستقبل"، شأنه شأن معظم القوى السياسية، لم يكمل جهوزيّته للانتخابات النيابية على بعد أقلّ من شهرين ونصف من موعدها المفترض، الأمر الذي حال دون إطلاق ماكينته الانتخابية وإعلان مرشحيه وتحالفاته، إلا أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري عرف كيف يوظّف المناسبة لتوجيه أكثر من "رسالة" ذات طابع انتخابيّ، للأصدقاء والخصوم في آنٍ.

وفي حين كان واضحًا حرص الحريري على تكريس معادلة "لا تحالف مع حزب الله" في خطابه، مع تشديده على أنّ المواجهة السياسية والانتخابيّة الحقيقية ستكون تلك التي ستجمع "​تيار المستقبل​" و"حزب الله"، فإنّ هذا الأمر، الذي رأى فيه كثيرون "تأكيدًا للمؤكّد"، وُضِع في خانة "شدّ العصب"، لا أكثر ولا أقلّ، خصوصًا في ضوء "المزايدات" الكثيرة التي بدأ الرجل يصطدم بها من كلّ حدبٍ وصوبٍ، والتي يتوقَّع أن ترتفع حدّتها في المرحلة المقبلة، علمًا أنّ كلام الحريري لم يضع حدًا لكلّ ما يُقال على هذا الصعيد، بل ذهب الكثيرون لحدّ القول إنّ الرجل، حتى لو لم يتحالف مع "الحزب" في الانتخابات، فإنّه سيضع يده بيده بعد الانتخابات مباشرةً، تمامًا كما يفعل اليوم في الحكومة، خلف ستار "ربط النزاع" تارةً أو "تنفيس الاحتقان" تارةً أخرى.

وأبعد من ثابتة "المواجهة" هذه، والتي لا يتردّد البعض في القول إنّها تعكس "تفاهمًا تحت الطاولة" بين الجانبين، كونها تخدم كليهما في الاستحقاق المنتظر، حمل الاحتفال رسائل "انتخابيّة" أخرى، لعلّ أبرزها كلام الحريري عن غياب "المال الانتخابيّ"، معطوفًا على "عرض العضلات"، من خلال الحشد الشعبيّ "المستقبليّ" الذي حضر الاحتفال، في سابقةٍ من نوعها، منذ تكريس ظاهرة إحياء ذكرى الرابع عشر من شباط في قاعة "البيال" المغلقة، وهو ما فسّره كثيرون بوصفه "رسالة" أراد التيار "الأزرق" إيصالها لكلّ من يعنيه الأمر، بأنّه جاهزٌ للانتخابات، ولو اضطر لخوضها وحيدًا، وأنّ كلّ ما حُكي عن استفادته من الأزمة التي تعرّض لها بعد استقالته شعبيًا لم يكن حبرًا على ورق، بل حقيقة وواقع.

"بحصة" وأكثر!

وعلى وقع كلّ هذه الرسائل "الانتخابية" الدسمة، كما قرأها المتابعون، تبقى "الرسالة" الأقسى تلك التي وجّهها رئيس الحكومة لمن "كانوا في عداد الأصدقاء"، كما وصفهم، متّهمًا إيّاهم بتسطير التقارير ضدّه للداخل والخارج، في إشارةٍ مبطنةٍ شديدة الوضوح إلى حلفائه السابقين في قوى الرابع عشر من آذار، ضاعف من قيمتها ما وُصِف بـ"الخطأ البروتوكولي" الذي دفع العديد من هؤلاء "الحلفاء" إلى الانسحاب من قاعة الاحتفال، لأنّهم لم يجدوا مكانًا لهم يليق بهم، وهو خطأ لم يقلّل من شأنه "الاعتذار المتأخّر" عنه، بذريعة أنّه ليس متعمّدًا.

ولأنّ الحريري كان قد توعّد في السابق بـ"بقّ البحصة"، قبل أن يتراجع عن ذلك نتيجة ما قيل إنّها ضغوطٌ تعرّض لها من الأقربين والأبعدين، اعتبر كثيرون أنّ ما قاله الرجل يرتقي لمصاف هذه "البحصة"، خصوصًا أنّ أسهمها طالت الكثيرين، لو نأى بعضهم بنفسه، كـ"​القوات اللبنانية​"، عن تردّداتها. وإذا كانت الاتصالات بين "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" على سبيل المثال مستمرّة للوصول إلى تفاهمٍ انتخابيّ شامل، وليس على "القطعة"، كما تصرّ "القوات"، فإنّ كثيرين يعتقدون أنّ كلام الحريري لم ينزل بردًا وسلامًا على ​معراب​، التي وجّهت أصلاً رسالة "امتعاض" على طريقتها، بعدم حضور رئيس الحزب ​سمير جعجع​ وعقيلته النائب ​ستريدا جعجع​ الاحتفال كما اعتادا أن يفعلا طيلة السنوات السابقة.

وفي سياقٍ متّصلٍ بذلك، كان لافتًا أيضًا حرص الحريري على إعلان خوضه الاستحقاق الانتخابيّ المقبل في كلّ لبنان، بمرشّحين من كلّ الطوائف، تكريسًا لمقولة أنّ "تيار المستقبل" هو تيارٌ عابرٌ للطوائف، الأمر الذي دفع كثيرين أيضًا للتساؤل عن تردّدات مثل هذا الإعلان على التحالفات، فهل يمكن للحريري مثلاً أن يخوض الانتخابات بمرشحين دروز ومسيحيّين مثلاً، حتى لو تحالف مع "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" و"​التيار الوطني الحر​"، أم أنّ الأمر يصبّ فقط في خانة نيّة "المستقبل" خوض المعركة بمرشحين شيعة في مواجهة "الثنائي الشيعي" بما يشدّ العصب الانتخابيّ أكثر وأكثر، خصوصًا بالنسبة لبيئة "المستقبل" الحاضنة؟!

"زيّ ما هيّي"...

في وقتٍ سجّل رئيس الحكومة سعد الحريري "انتصارًا" لشعاره الشهير "زيّ ما هيّي"، الذي كان الكثيرون ينتقدونه عليه، فإذا بالقانون الانتخابيّ الجديد القائم على النسبيّة مع الصوت التفضيليّ يكرّسه أمرًا واقعًا وملزمًا، كان الرجل حريصًا على دحض مقولة إنّ "تيار المستقبل" سيكون الخاسر الأكبر وربما الوحيد في الانتخابات النيابية المقبلة، تمامًا كما حرص على الإيحاء بأنّه يخوض الانتخابات من دون مال ولا من يحزنون.

"رسائل" كثيرة حرص الرجل على إيصالها، لم تبدّد القناعة الراسخة بأنّه ليس جاهزًا بعد للاستحقاق المفصليّ، استحقاقٌ يبدو أنّ الرجل، شأنه شأن معظم القوى السياسية، يضمر فيه ما لا يعلنه، ليس بفعل تعقيدات القانون الجديد التي لا تسمح بالتكهّن بنتائجه المتوقعة، ولكن بفعل تعقيدات التحالفات التي لا يبدو أنها سترسو على برّ في القريب العاجل...

حسين عاصي / النشرة

109-1