هل تلعب السعودية بذكاء حقا أم أن هناك من يحرك خيوط اللعبة؟!

هل تلعب السعودية بذكاء حقا أم أن هناك من يحرك خيوط اللعبة؟!
الأربعاء ٢٨ فبراير ٢٠١٨ - ٠٧:٠٦ بتوقيت غرينتش

هناك عمليتان انتخابيتان تجريان خلال الفترة المقبلة في بلدين عربيين هما الأكثر غلياناً من الناحية السياسية والاقليمية، فهما تشهدان تركيبة سكانية ودينية وعقائدية وعرقية وقومية مختلفة ومتعددة وكذلك فيهما مصالح لقوى اقليمية ودولية مختلفة.

 

 

العراق ولبنان يمكن اعتبارهما جبهتين متشابهتين من ناحية التقسيمة السكانية والعقدية والاقليمية فهما تضمان ضمن حدودهما مجموعات مختلفة من الاديان والمذاهب والقوميات والتوجهات سواء السياسية منها أو الفكرية وكذلك تشهدان صراعات سياسية مختلفة في داخل الحكومة وتوجهات التيارات السياسية وانتمائاتها مع اطراف اقليمية؛ ولو وضعنا كل هذه الامور موقتاً جانباً واخذنا التحركات السعودية الأخيرة في هذين البلدين سوف نجد أن هناك مساعي حثيثة من قبل الجانب السعودي للتأثير على مجريات الاحداث السياسية في هذين البلدين من خلال التدخل السريع وارسال الوفود والشخصيات واجراء المناورات السياسية وتقديم المعونات والمساعدات والوعود برؤوس أموال ومنح مالية كبيرة ومغرية للعديد من الأطراف والتيارات السياسية المتنافسة في العملية الانتخابية.

الملف للنظر أن السعودية ومن خلال هذه العملية تحاول أن تفرض شروطها على العملية السياسية التي تجري في هذين البلدين فهي من جهة تجبر الحريري على تقديم استقالته حينما قامت باحتجازه في السعودية واجرت سيناريو فرض واقعاً في لبنان بأن يتم التعامل مع المسألة بشكل يجعل الحريري يعود إلى المعترك السياسي وفق ظروف فرضها الواقع السياسي بحيث وقع شرط (النأي بالنفس) كحل للعودة وعاد الحريري وكأن هذا الامر كان رغماً على انف السعودية ولكن في واقع الحال أن السعودية كانت تسعى لهذا الأمر بحيث تجعل لبنان أو بالأحرى هدفها أن تجعل حزب الله مقيداً في حالة نشوب حرب أو صراع في المنطقة أو من الافضل ان نقول على الحدود اللبنانية بحيث لا يمكن للبنان أو حزب الله أن يتدخل في هذا الصراع حتى لو كان فيه مصالح اقليمية أو أنه ربما يؤثر على مستقبل لبنان.

وهنا ضربت السعودية عصفورين بحجرها الذي أطلقته فهي من جهة فرضت لاعبها (الحريري) كأمر واقع وبموافقة جميع الأطراف ومن جهة ثانية حددت لبنان لتلعب وفق شروطها التي تفرضها هي، وكذلك يمكن الاشارة إلى الزيارة الأخيرة للموفد السعودي نزار العلولا الذي نزل لبنان يوم الأحد لينقل إلى الجانب اللبناني شروط السعودية لتقديمها المعونات المالية ودعمها للبنان في عملية النهوض والتطور، وحرصها على معرفة مدى الالتزام اللبناني بـ “النأي بالنفس” عن الصراعات العربية – العربية، وما تحقق على هذا الصعيد من سوريا إلى اليمن، بعد عودة الرئيس الحريري عن استقالته.

وترى أن من حقها أن تستكشف، وأن تسأل عن كيفية استخدام الدعم المالي الذي يمكن أن تمنحه للبنان خلال مؤتمرات الدعم، سواء أكان الدعم للجيش والأجهزة الأمنية أم للنازحين السوريين أم للاقتصاد الوطني. وأن تسأل تبعا عن مصير ما منحته سابقاً في مؤتمرات مشابهة، وهل صحيح أن كل ذلك – كبقية المنح والهبات – غرق في مزاريب الهدر والفساد، وأين هي الاصلاحات التي يتم الحديث عنها قبيل كل مؤتمر للدعم أو لقاء للمانحين، فيما لم ينفذ منها شيء بالرغم من أهميتها للوضعين المالي والاقتصادي للبنان. ومن حق المملكة أيضاً – بعد حصولها على الأجوبة – أن تقرر خطوتها التالية، دعماً أو تريثاً بانتظار تحقق الاصلاحات الموعودة.

وما يصح على المسألة الاقتصادية، يسري حكماً على المسألة السياسية لناحية مدى التزام لبنان سياسة النأي بالنفس، خصوصاً وأن هذا البند كان الرافعة التي بنيت عليها عودة الرئيس الحريري عن استقالته، والتزام لبنان بهذا البند الحساس والمركزي بالنسبة للسعودية، لا يعني تماهياً مع مصالحه الوطنية والعربية فحسب، بل تراه الرياض ضرورة لأمنها القومي.

نفس هذا السيناريو تحاول السعودية أن تطبقه في العراق أيضاً من ناحية أنها وخلال الأيام الأخيرة وبوتيرة متسارعة قامت بارسال الوفود والبعثات السياسية والاقتصادية والامنية والاعلامية إلى العراق لتشكيل مؤتمرات وندوات مع السياسيين والرئاسات ومختلف الوزارات لتفرض نفسها على الجانب العراقي بأي شكل من الاشكال وخصوصاً وأن العراق مقبل على انتخابات حساسة جداً ترى السعودية أن من مصلحتها أن تلعب في الشارع العراقي بشكل تتمكن فيه من فرض اجندتها ولاعبيها السياسيين الذين تجدهم أكثر خدمة لها خلال الفترة السياسية المقبلة للعراق.

ولكن يا ترى هل أن المجتمع العراق وسياسيي العراق والاطراف المتنافسة في الانتخابات المقبلة هم من نفس الشريحة ونفس الطبقة الموجودة في لبنان بحيث تتمكن السعودية من فرض أجندتها عليهم وتطبيق سياساتها من خلالهم؟! وهل أن مستقبل العراق السياسي والاقتصادي سوف يكون رهناً بالمساعدات والاموال التي سوف تتوعد السعودية بتقديمها للعراق وخصوصاً وأنه يمر بمازق اقتصادي حاد؟! وكذلك حالة عدم الاستقرار السياسي وخصوصاً في الآونة الاخيرة في صفوف الحكومة الشيعية بل وحتى بين أطراف المكون السني الذي كانت ولا زالت السعودي تبني عليه آمالاً عريضة، هل ستكون الأرضية متاحة لتتمكن السعودية من ازاحة منافسيها وخصوصاً التهديد الذي تحسه من ايران؟

بنظرة بسيطة للشارع العراقي وما يحمله من خلفية فكرية حول السعودية وما قامت به من جرائم ضد العراق ودعمها للارهاب الذي دمر العراق ومساعدتها في خلق داعش وتمويله وارسالها للانتحاريين الذين اهلكوا الحرث والنسل في العراق، سوف نصل إلى نتيجة وهي أن الشارع العراق لن يتقبل الوجود السعودي بأي شكل من الأشكال لا سياسياً ولا اقتصادياً لانه لمس عياناً بأن السعودية لا تملك مصداقية مع الشعب العراقي نهائياً فهي تحمل غصن الزيتون بيد وباليد الاخرى تحمل خنجرها المسموم لتغرزه في قلب العراق في أي فرصة تسنح لها.

يبقى الأمر فقط بيد السياسيين في أن يقبلوا هذه الشراكة والتقارب ويتعاملوا معه بحنكة ودراية واستقلالية ويسيروا بالبلد إلى بر الأمان أو أن يتحامقوا ويسلموا البلد بيد السعودية ويستسلموا لها ولما تمليه عليهم من خلال ابتزازهم سياسياً واقتصادياً وفكرياً؛ أو أن يرفضوا هذه الهيمنة بكل شجاعة ويعيدوا العراق إلى مجده المعهود وكرامته التي لا تعرف الخضوع والخنوع والانحناء تحت الضغط.

تبقى الأيام المقبلة هي التي سوف تكشف لنا عن ما يخبئه المستقبل في هذا التقارب الذي يحمل بين طياته العديد والعديد من علامات الاستفهام.

علي البدراوي/الوعي نيوز