نقطة واحدة قد تغير حياة رجال إلى الأبد!!

نقطة واحدة قد تغير حياة رجال إلى الأبد!!
الخميس ٠٨ مارس ٢٠١٨ - ٠٥:٣٣ بتوقيت غرينتش

يعرّف التصحيف على أنه تغييرٌ في أمكنة التنقيط، ولهذا يعتبر خطأ إملائياً، في أصله، خصوصاً أن اللغويين العرب القُدامى يطلقون مصطلح ” التصحيف ” فوراً، على كل كلمة فيها خطأ بمكان وضع النقطة.

العالم - منوعات 

من مثل ما يورده الأزهري في ” تهذيب اللغة ” عندما ينقض مقولة ” الحنّة خرقة تلبسها المرأة فتغطي رأسها” فيسمي الخطأ تصحيفاً ويصححه بقوله: ” الأصل الخبّة بالخاء ”  .

ومثلها كلمة ” الجدّاد ” بالجيم، في موضع، فيطلق عليها مصطلح التصحيف، ويصححها: ” وصوابه الحدّاد، بالحاء”, وكل خطأ بالنقل والضبط والنسبة والكتابة، دخل في التصحيف الذي جهد كثير من اللغويين العرب القدامى، لضبطه وتصويبه، لما ينطوي عليه من خطورة، لا تُغيّر وحسب في المعنى، بل يبدو أنها غيّرت حياة أشخاص، رأساً على عقب، وفي شكل جد عنيف.

وللتنقيط أهمية بالغة في تحديد المضمون، خصوصاً في حالات قد يشكل فيها المعنى، وقد ينقلب رأساً على عقب ويتسبب بمأساة.

فقد أورد الحسن بن عبد الله العسكري (293-382هـ) في مصنّفه الشهير ” أخبار المصحّفين ” أن نقطة وضعت على حرف، من طريق الخطأ، كانت نتيجتها مروّعة بحق أشخاص هم المقصودون بتلك الكلمة التي صحِّفت.

تقول بعض الروايات اللغوية، ان اميرا بعث لعامله رسالة قال له فيها (بعثت لك فلانا بن فلان فاقبله (من دون نقطة لحرف الباء)) غير ان الوالي قرأ الكلمة بـ"فاقتله" فقتله..

جزّوا لحيته بسبب تصحيف بسيط!

ويروي حمزة بن الحسن الأصفهاني (280-360هـ) في كتابه المشهور ” التنبيه على حدوث التصحيف ” حادثة ذهبت ضحية لها، لحية رجل، بسبب تصحيف، عندما كان هناك ” رجل من الموالي يلبس خزلجية” وهي كسوة.

ثم يجلس ” للنساء في الطرقات ” بمعنى يضايقهن ويترصّد لهن ويشاغلهن.

فورد كتاب إلى والي أصفهان، أن ” أشخص إليّ فلاناً وخزلجيته” أي هو وكسوته التي يتباهى بها أمام النساء. وتم تصحيف “خزلجيته” إلى “جزّ لحيته”.. فجزّوها!

وينقل كثيراً من حالات التصحيف، ويشرح أسبابه التي يبدو منها، وجود خمسة أحرف بصورة واحدة، هي الباء والتاء والثاء والياء والنون. بحسب الأصفهاني. ويقول إن “وجه الحكمة فيه أن يضع لكل حرف صورة مباينة للأخرى حتى يؤمن عليه التبديل”.

ويعرّف التصحيف بأنه قراءة “الشيء بخلاف ما أراده كاتبه وعلى غير ما اصطلح عليه في تسميته”. ويرى أنه لو سمّي التصحيف “تغييراً وتبديلاً، جازَ”. ثم يروي تاريخ ورود النقطة إلى التدوين العربي، ودورها في التصحيف.

ويذكر في السياق ذاته، أن التفريق بين الحاء والخاء والجيم، لا يتم إلا من خلال النقطة، ومثلها السين والشين والصاد والضاد، وكل ذلك من الحروف التي شهدت تصحيفاً شهيراً، بسبب الشبه في رسمها المكتوب.

صاحب أقدم قاموس في العربية وقع في التصحيف!

والتصحيف، بأنواعه، لا تقع فيه العامة، وحسب، بل يقع فيه حتى علماء #اللغة والتصنيف، وهو أمر قد يصدم البعض، فيما لو عرف أن مؤلفاً لأقدم قاموس في العربية، قد صحَّف أيضاً.

فللعسكري السالف، كتاب كبير آخر، اسمه “ما يقع فيه التصحيف والتحريف” وفيه يسرد جملة من تصحيفات كِبار اللغويين والمصنّفين. ومنهم الخليل الفراهيدي مؤلف قاموس “العين” الذي هو أقدم قواميس العربية.

فينقل بعضاً من تصحيفاته، إلا أنه يشكك بأن الخليل من وقع فيها، بل يرجّح أن من أكمل قاموسه بعد وفاته، هو من وقع في التصحيف السالف، وهم النصر بن شميل، والليث بن المظفر، وعلي بن ساسان.

كما ألمح العسكري الذي قد يكون تبجيله للفراهيدي، هو السبب وراء ترجيحه مصحفين آخرين قاموا بذلك، في “العين”.

ومن التصحيفات التي وردت في “العين” مثلاً، كلمة “القارح” ويشرحها العين: “القوسُ التي بان وترها عن مقبضها”. فيقول العسكري: “إنما هو الفارجُ بالجيم والفاء”.

ومنها في العين، يرد: “الخضبُ الحيّة” وهي حية بيضاء تكون في الجبل، فيصحح العسكري: “وإنما هو الحِضب”. وكذلك “الحبيرُ” بالحاء، يوردها العين كزبد من لغام البعير، فيصحح العسكري ما وقع فيها من تصحيف ويقول: “وإنما هو الخبير” بالخاء. وشيء “ربيد” تصحيف لـ”رثيد”. وأمثلة كثيرة أخرى.

ويشير العسكري إلى ما سمّاه “تصحيف شنيع للجاحظ” أيضاً، في تأنيث بعض الحيوانات أو تذكيرها. إلا أن مفاجأة أخرى في التصحيف، تتمثل بما قام به الأصمعي، وهو أحد أشهر الثقات في اللغة العربية وشِعرها، من مثل التصحيف في كلمات “تعنز وتعتر” و”خرابتها وخزابتها”.

عند جهينة الخبر اليقين.. تصحيف أيضاً!

إلا أن تصحيفاً شهيراً، ويتم تناقله حتى اللحظة، هو في القول الدارج: “وعند جهينة الخبر اليقين”. وينقل العسكري أن العرب تقول: “عند جفينة اليقين” موضحاً أنه اسم رجل، وأنه “لا يقال جهينة”. ثم ينقل عن ابن دريد أن “العامة تخطئ وتقول جهينة”.

مع إشارة إلى لفظ آخر للكلمة الأصلية، بعد حذف النقطة منها. ليكون القول في أصله هو: “وعند حفينة الخبرُ اليقينُ”. بحسب العسكري الذي يرجّح جفينة.

120-2