على خلفية منع الدكتور محمد مرندي من الدخول إلى الجامعة الأميركية ببيروت:

الرأي الآخر بين القمعية والممنوعية وادعاء اللبرلة !

الرأي الآخر بين القمعية والممنوعية وادعاء اللبرلة !
السبت ١٠ مارس ٢٠١٨ - ٠٦:٠٠ بتوقيت غرينتش

من المعلوم أنه كان من المقرر لدى الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) استضافة ندوة تنظّمها قناة «بي بي سي» البريطانية تحت عنوان : «تأثيرات الصراع الإيراني ـــ السعودي».

العالم ـ مقالات وتحليلات

وكان من المقرر أن يكون الاستاذ الجامعي في طهران الدكتور الإيراني محمد مرندي مشاركاً في الندوة.

ولكن الأوساط العلمية والأكاديمية لاسيما الجامعية بنحو مخصوص فوجئت بقرار إدارة الجامعة الأميركية القاضي بمنع دخول البروفسور الإيراني محمد مرندي إلى الجامعة وبطلب استبداله، قبل أن يتم إصدار بيان يوم السبت الماضي يتضمن اعتذاراً عن قبول عقد الندوة ككل.

أما عن السبب في الإلغاء فقد تم ارجاعه إلى ما سمته الإدارة بالإذعان لتلك «النصيحة القانونية» التي تقول «من غير الممكن إجراء الندوة وفق برنامجها المعلن التزاماً بالقوانين الأميركية».

وقد تسأل: هل الجامعة الأميركية في لبنان أو أنها في أميركا؟

الجواب: في لبنان طبعا.

إذن لماذا تخضع إدارتها لقرارات الإدارة الأميركية؟

الجواب : الملكية أكثر من الملكية.

فمن المعلوم بحسب بعض المصادر المطلعة عن كثب على شؤون الجامعة كما ورد في جريدة الأخبار في مقال لوفيق قانصو أنه «على عكس الرئيس السابق بيتر دورمان الذي أكد دائماً أن الجامعة يجب أن تخضع للقوانين اللبنانية، فإن الرئيس الحالي للجامعة ربما يعتبر أن الجامعة ليست في بيروت».

وعلى أي فإن عنوان الندوة من جهة، وقرار انعقادها في لبنان من جهة ثانية، وتضمنها عبارة (الصراع السعودي الإيراني) من جهة ثالثة، كل هذا يتطلب أن تتمثل الندوة بسعودي وإيراني ولبناني على أقل تقدير، وهذا من جهة أصل التمثيل.

أما من جهة نوعية التمثيل فلا بد من كون كل من المشارك السعودي والإيراني ممثلا لطرف الصراع لا لبلد الصراع وهذا ما تقتضيه عبارة (الصراع).

ولكن إدارة الجامعة حسبما هو الظاهر لم تستطع تحمل حتى الرأي الآخر وعملت على منع المشارك الإيراني ابتداء وبعدها عملت على إلغاء الندوة.

إن هذا العمل الذي قامت به إدارة الجامعة الأميركية إنما ينم عن طبيعة الخلفية الفكرية والثقافية للإدارة الأميركية التي لا تطيق إعطاء أي هامش لأي مؤسسة تابعة لها حتى ولو في أمر فكري يتيح إيصال الرأي الآخر.

إن هذه القمعية والممنوعية لمجرد احتمال وصول الرأي الآخر يناقض تماما ادعاءات الليبرالية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ويكشف عن وجود خوف شديد من الرأي الآخر إلى درجة الحرص الشديد والتشديد الأكيد على عدم إتاحة أي فرصة للفكر الآخر للوصول إلى العقل البشري من خلال أي مكان تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية.

إن هناك الكثير من الشواهد التي تدل على هذه القمعية والممنوعية من قبل الإدارة الأميركية وإن عبر جامعاتها في الخارج، ولا سيما في الجامعة الأميركية، ومن هذه الشواهد كما ورد في جريدة الأخبار في مقال وفيق قانصو :

- بعضهم لم يجدّد لهم في مناصبهم الأكاديمية بسبب معارضتهم لـ«الربيع العربي» أو بسبب نشر تصريحات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

- هناك مضايقات يتعرض لها على وجه الخصوص نادي «السنديانة الحمراء» (الحزب الشيوعي).

- هناك مضايقات يتعرض لها «الثقافي الجنوبي».

- تمت بطريقة أو أخرى عملية إلغاء تعيين لجنة جامعيّة مستقلّة للأميركي من أصل فلسطيني ستيفن سلايطة رئيساً لـ«مركز الدراسات والأبحاث الأميركيّة» نزولاً عند ضغوط أميركية بسبب اتهامه بـ«العداء للسامية»، على خلفية تغريدات له ضد الاحتلال الاسرائيلي.

إن ما تقدم هو بعض من شواهد القمعية والممنوعية للرأي الآخر رغم ادعاءات اللبرلة والحريات وحوار الحضارات، بل رغم الشعارات التي ترفعها نفس الجامعة الأميركية في لبنان حول التلاقح الفكري، والحوار الحضاري، وتقبل التنوعات الفكرية وغيرها!

 فأين كل ذلك من منع الأكاديمي الإيراني الذي يحمل الجنسية الأميركية، والذي كان يعمل أستاذاً محاضراً في «الأميركية» عام 2012؟!

وما عدا مما بدا مع العلم بان جملة من الأكاديميين الإيرانيين لا يُمنعون من زيارة الجامعات الأميركية في الولايات المتحدة نفسها؟!

وكيف ذلك وهناك أكاديميون إيرانيون أجروا أبحاثاً في الجامعة الأميركية في بيروت الصيف الماضي وحصلوا على بطاقات تخوّلهم دخول حرمها؟!

فالمسالة إذن في عدم تحمل الرأي الآخر ولو كان كلمة!

فلماذا رفع كل هذه الشعارات؟ ولماذا كل هذا التباهي بمقولات من قبيل الحرية؟

إذا كنتم لا تطيقون ولا تتحملون مجرد رأي آخر لأكاديمي في ندوة جامعية فكيف ستطيقون وتتحملون تحرر الشعوب من نير عبوديتكم؟

وها أنتم تحلبون البقرة الخليجية حتى آخر قطرة بعدما حلبتم دماء الشعوب العربية والإسلامية على طريقة ذاك الحاكم الذي قال لوزيره: إن لم تحلب المال فاحلب الدم؟!!

ما الفارق بينكم وبين أكثر الحكومات بدائية إن كنتم لا تتحملون حتى كلمة؟

إذا كنتم لا تتحملون كلمة فمن الطبيعي عدم تحمل هذه الجامعة إعطاء إذن لقناة «الميادين نت» للتصوير في حرمها، وإجراء مقابلات مع بعض طلابها حول التطبيع مع إسرائيل كما ورد في مقال جريدة الأخبار لوفيق قانصو.

ومن الطبيعي على هذا وبحسب مقال قانصو تغريم وزارة العدل الأميركية الجامعة العام الماضي 700 ألف دولار لـ«تعاملها مع مؤسسات مرتبطة بحزب الله»، على خلفية دورات تدريبية نفذتها الجامعة، وشارك فيها عاملون في إذاعة «النور» وقناة «المنار»، إضافة إلى ربط الموقع الإلكتروني للجامعة بمؤسسة «جهاد البناء» المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية؟!

البعض قد يقلل من خطورة هذا الحدث لكونه محصوراً بمجرد ندوة جانبية جزئية في جامعة فرعية في بلد صغير كلبنان، ولكن هذا التقليل من شأن هذه الحدث ليس بمحله، فلأنه حدث على مستوى ندوة، وبجامعة فرعية، وببلد صغير؛ فٱنه يستحق الوقوف عنده ملياً وبكل اهتمام، وذلك لان قمع الرأي الآخر بمجرد ندوة، وبجامعة فرعية، وببلد صغير يكشف عن أن الإدارة الأميركية التي لا تطيق الرأي الآخر ولا تتحمله على هذا الصعيد الجزئي وتمنعه بواسطة نفوذها فإنها بالتأكيد لن تطيق ذلك ولن تتحمل ذلك إذا ما أراد أحد ما إبداء الرأي الآخر على الصعيد الكلي أو على صعيد شعب ما أو على صعيد بلد ما أكبر! وبالتأكيد ستستعمل نفوذها للقمع والمنع!

وهنا أين الشعارات؟ أين الحريات؟ أين الليبرالية؟ اين الديقمراطية؟ أين حق التعبير؟ أين كل العناوين البراقة التي طالما تغنت بها الإدارة الأميركية وتتغنى؟

لقد كذبتها كل هذه القمعيات الممارسة بحق الشعوب وبحق الحريات حتى ولو على صعيد ندوة بجامعة في لبنان؟!

لا غرو بأن الصهيونية حاضرة بكل قوة وبالخصوص هنا في لبنان، وكرمى لعيون الصهيونية لن تتوانى الإدارة الأميركية من خلال جامعتها أن تفعل كل شيء حتى لو تطلب الأمر منع دخول اللون الأصفر لمجرد أنه لون أصفر!

ولا غرو أيضاً بأن هنا في لبنان من يذهب بعيداً بعيداً في الأمركة أكثر من الأمركة!

* توفيق حسن علوية

104