مدارس وجامعات محافظة دير الزور تنبض مجدداً بالحياة

مدارس وجامعات محافظة دير الزور تنبض مجدداً بالحياة
الأحد ٠٨ أبريل ٢٠١٨ - ٠٣:٠١ بتوقيت غرينتش

بعدما حرمهم تنظيم داعش الإرهابي من مدارسهم وجامعاتهم في محافظة دير الزور بشرق سوريا، يعود طلاب سوريون متلهفين إلى الكتب والورق والحبر ومقاعد الدراسة.

العالم - سوريا 

وفي قرية الشميطية غرب دير الزور يركض أطفال وعلى ظهورهم حقائب الدراسة الملونة في باحة واسعة أمام مبنى رملي اللون، قبل أن يصعدوا إلى قاعات الدراسة للجلوس خلف المقاعد المتراصة.

وفي إحدى غرف التدريس، يقول "محمد الراغب" بصوت خجول لوكالة فرانس برس: "عمري 13 عاماً ولا أعرف القراءة ولا الكتابة، دخل الإرهابيون إلى مناطقنا ومنعونا من الدراسة".

ويضيف الطفل الجالس على مقعد خشبي في شعبة الصف الخامس: "يجب أن أكون الآن طالباً في الصف الثامن، لكن ذلك لم يكن ممكنا"، مضيفاً "بقيت سنتين أهرب منهم (الإرهابيون) خشية التجنيد".

داخل غرفة الصف ذات الجدران الصفراء، يجلس ثلاثة أطفال على مقعد يتسع أساساً لطفلين فقط. يتصفح أحدهم كتاباً وتكتب طفلة أخرى الأرقام على دفترها الصغير.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2017 وإثر عملية عسكرية واسعة إستعاد الجيش السوري كامل مدينة دير الزور والضفة الغربية لنهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى جزئين، فيما سيطرت فصائل كردية وعربية مسلحة على الجزء الأكبر من الضفة الشرقية.

ولا يزال تنظيم داعش الإرهابي محاصراً في منطقة محدودة قرب الحدود العراقية.

وخلال ثلاث سنوات من حكمهم، فرض الإرهابيون قواعد صارمة على السكان وألغوا الدراسة وفق المنهج الحكومي فمُنع تعليم مواد الفيزياء والكيمياء وإقتصرت مدارسهم على تدريس الشريعة وحصص الحساب على الرصاص والقنابل والسلاح.

أما اليوم فيردّد التلاميذ خلف معلمتهم أحلام (39 عاماً) الأرقام من واحد إلى عشرة أمام لوح أخضر اللون رُسمت عليه فاكهة ونجوم.

وعلى غرار الأطفال، حُرمت أحلام وزملاء آخرون لها من التعليم خلال فترة سيطرة الإرهابيين على محافظة دير الزور بإستثناء أجزاء من المدينة - مركز المحافظة -.

وتقول المعلمة السمراء التي تضع حجاباً أزرق اللون: "إنقطعت عن المدرسة خمس سنوات رغم أنهم أرادوا مني في تنظيم داعش أن أعمل معهم لكنني رفضت رفضاً قاطعاً".

فضّلت أحلام البقاء في المنزل وتدريس أولادها فقط وإنتقلت إلى العمل مع زوجها في الزراعة لتأمين لقمة العيش.

وتضيف: "إعتقدت أنه لم يعد لأطفالنا أي مستقبل". أما الآن تقول أحلام: "الحمد لله، إن الأطفال يدرسون ليتعلموا على الأقل القراءة والكتابة".

وحرمت سيطرة التنظيم الإرهابي على محافظة دير الزور 200 ألف طالب من التعليم، فضلاً عن خمسة آلاف مدرس من مزاولة مهنتهم، وفق إحصائيات مديرية التربية في محافظة دير الزور.

وعاد أكثر من 45 ألف طالب إلى مدارس أرياف دير الزور، بحسب المديرية بعد إعادة إفتتاح عشرات المدارس.

إمتحانات

وفي جامعة الفرات، عمدت إدارة الجامعة إلى تسوية أوضاع ستة آلاف من طلابها وطالباتها تمكنوا أخيراً من العودة إلى كلياتهم في الجزء الواقع تحت سيطرة القوات الحكومية في مدينة دير الزور.

حاولت منى الناصر (24 عاماً) مراراً الفرار من مدينة الميادين إلى مدينة دير الزور للإلتحاق بجامعتها إلا أن محاولتها كلها باءت بالفشل.

وتقول منى: "كنت في سنة التخرّج حين سيطر الإرهابيون على المحافظة. لم يكن لدي سوى دراستي. سعيدة بعودتي اليوم وأتمنى ألا تعود تلك الأيام".

في إحدى قاعات الجامعة، حيث ترتفع فوق مدخلها صور الرئيس السوري بشار الأسد ووالده الرئيس السابق حافظ الأسد، يُجري الطلاب إمتحاناً، يقلبون الأوراق أمامهم، بدا بعضهم سارح الذهن قليلاً قبل الإجابة في حين يكتب آخرون دون توقف.

عادت أمينة (23 عاماً) إلى مقاعد جامعتها بعد فتح الطريق بين دير الزور ومدينة الرقة غرباً، معقل التنظيم الإرهابي في سوريا سابقاً.

وتقول الشابة التي ترتدي حجاباً أبيض اللون: "حوصرت في الرقة ثلاث سنوات ولم أتمكن من إكمال دراستي بعدما كنت في السنة الثانية"، مضيفة: "كانت فترة صعبة جداً، حاولت الخروج من الرقة، ولم يحصل ذلك سوى بمعجزة".

عادت أمينة إلى مقاعد الدراسة طالبة في السنة الثانية، وتضيف بعدما إنتهت من إمتحان اللغة العربية: "شعور العودة إلى الدوام جميل للغاية لأن هذا ما يحدد المستقبل في نهاية الأمر".

وإلى جانب المدارس والجامعات، تعود الحياة تدريجياً إلى مدينة دير الزور وقراها مع إزالة الأنقاض ورفع السواتر الترابية وفتح الطرقات.

وعاد الكثيرون لتفقد منازلهم في الجزء الذي كان يسيطر عليه التنظيم الإرهابي ومنهم من إختار البقاء حتى قبل وصول الخدمات الأساسية. 

وبعد ساعات شاقة لتنظيف منزلهم المتضرر، تستريح عائلة أم بلال (46 عاماً) في منتصف أحد الشوارع، يشعلون الحطب للتدفئة ويطلون على أكوام الركام أمامهم والسيارات المحترقة.

وتقول أم بلال: "غادرت منزلي منذ سبع سنوات وحوصرنا في دير الزور لثلاث سنوات"، ورغم ما لحق بمنزلها، تضيف: "الجلوس وسط الدمار جميل لأنه منزلك وملكك، لا أحد يستطيع أن يطلب منك الذهاب".

وعلى غرار أم بلال، عاد معاوية طعمة، الخمسيني الذي طغى الشيب على لحيته، إلى منزله قبل أكثر من شهرين. ويعمل ليلاً ونهاراً على إصلاحه.

ويقول: "أعود اليوم لترميمه، فهذا البيت الذي تربيت فيه كان لأهلي وأجدادي".

214

تصنيف :