بعد سبعة أعوام من "الربيع العربي" ..كسينجر يُصحّح «العدالة الإلهيّة»في الشرق

بعد سبعة أعوام من
الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٨ - ٠٥:٠٩ بتوقيت غرينتش

هل لنا بعد مرور سبعة أعوام على ما سمي بالربيع العربي او الربيع العبري أن دق التعبير، وما شهدته دول تونس وليبيا ومصر وسوريا أن نتساءل عن نتائج تلك الثورات، هل حقا حققت استقراراً وتنمية واماناً لتلك البلدان؟

العالم - مقالات وتحليلات

هل لنا بعد مرور سبعة اعوام على الثورات الملونة بالشرق الاوسط واكثر من عشرة اعوام على مثيلتها في دول البلقان والقوقاز، ان نعرف نتائج تلك الثورات ولماذا كانت من الاساس ومن المحرك الحقيقي لها.

الان يتبادر الى ذهنكم الكلام عن مؤامرة خارجية وما الى اخره، وحقيقة الامر لم يعد أحد منا لا يعرف الدور التآمري القذر لدول كبرى في منطقتنا خلال ثورات 2011 م، ولكن السؤال الان : ماذا يريدون منا حتى الان بعد ما وصلنا اليه؟ هل التخلص من الحكام فقط؟! فلو كان ذلك صحيحاً لكان انتهى أغلب الامر في العام نفسه التي انطلقت فيه الثورات الملونة بالمنطقة العربية، وفي الحقيقة نحن نرى امواجاً جديدة على كافة سواحلنا بالمتوسط من ليبيا غربا وحتى سوريا شرقا.

فمن الواضح أن الصور والخرائط التي توصلت اليها الاقمار الصناعية الغربية لتربة صحرائنا منذ عقدين، قد رصدت ما في بطون أراضينا وصحرائنا ومياهنا وهو ما تشتهيه بطون الالات والماكينات الصناعية والمعدات العسكرية الثقيلة الغربية، الا وهو النفط والغاز واليورانيوم.

فليس صدفة أن تكون سوريا التي يتركز احتياطيها من الغاز والبترول في البادية السورية والساحل بواقع 81%، بينما يوجد بالجزيرة السورية فقــط 14%، وتصل آبارها لمرحلة النضوب بعد اربعة اعوام من الان، أن تكون البادية هي أخر نقطة يتحصن بها داعش ويتمسك بها ويرفض حتى تركها مقابل الانتقال لارض أخرى، ولم يخرج منها الا بالنار والدم.

وليس صدفة أن تكون صحراء جغبوب الليبية القريبة الملاصقة للحدود المصرية الممتلئة باليورانيوم أولى النقاط التي تتمركز فيها القوات الفرنسية، فقبل ان يدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (أحد الابناء البارين بالحكومة العالمية شأنه شأن توني بلير) الى قصر الاليزيه كي يبحث مع ضيوفه بحلف الناتو في ما سيقومون به في ليبيا، كانت مقاتلات الرافال الفرنسية دخلت اجواء ليبيا بالفعل ودمرت كامل بنيتها التحتية.

لذلك دور ساركوزي في ليبيا كان نسخة طبق الاصل عن دور توني بلير بالعراق في كل شيء، فتوني بلير تحدى حزبه وبرلمانه بل وشعبه، بعدما انطلقت مليونيات في شوارع لندن ترفض توجيه ضربة عسكرية ضد بغداد، ومع ذلك لم يستمع توني بلير لأحد سوى كولن باول وزير خارجية اميركا وقتذاك، وبعد أن انهى توني بلير المطلوب منه تجاه بغداد على أكمل وجه، انطلق صديقه كولن باول بدوره في دمشق، حينما عرض كولن باول على بشار الاسد مذكرة «شروط الابقاء» بهدف تحييد سوريا تماما عن حلفائها وعزلها عن المواجهة مع اسرائيل، الى أن جاءت حرب تموز 2006 م، كي تستبدل كونداليزا رايز (وزيرة خارجية اميركا وقتذاك) مذكرة «شروط الابقاء» بـ «شروط الرحيل» وهي التي ظهرت للعلن مع بداية الحرب في سوريا.

وليس صدفة أن يأتي دور الاكراد في العراق وسوريا بهذا الشكل، او حتى تذهب احلامهم وطموهم الى ابعد ما كانوا يحلمون، والتوجه نحو الانفصال والاستفتاء عليه، ويكون تسليحهم بهذا الحجم، وهنا اعود بالذاكرة لعام 2009 أي قبل اندلاع الثورة السورية بعامين، عندما توجه وزير الدفاع الايطالي حينها ماريو مورو الى كردستان العراق، وخلال زيارته تفقد مساحات شاسعة انشىء عليها مبان كثيرة وورش ضخمة للبناء وسط الصحراء بعيدا عن المناطق السكانية، فسأل ماريو مورو بتعجب الوفد المرافق له من الاكراد عن الهدف من انشاء تلك الابنية الكثيرة في مكان يعد بعيدا عن التجمعات السكانية، فجاءه الجواب بأنها للاجئي الحرب في سوريا.

وان كانت الثورات او الحرب بتلك الدول دون غيرها، فلماذا لم تبلغ الثورات باقي الدول بالمنطقة؟! لماذا لم تبلغ عواصف الخريف العربي باستثناء تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن بعد تدمير العراق2003، مع العلم أن جميعها دول رئاسية وليست ملكية، وأي ديموقراطية واستقرار قدمته الثورات لتلك البلدان؟!

لماذا تونس التي كانت من افضل الدول العربية على المستوى العالمي في التعليم واحدى ارقى شعوب المنطقة، ولم تجعل منها الثورة سوى مركز تخصيب التكفيريين حتى صارت المورد الاول على مستوى العالم لتنظيم داعش متقدمة على افغانســتان وباكستان، من كان يتصور ذلك؟!

وصارت تونس ترمومتر لدرجة الحرارة والتوتر بشمال افريقيا، ومختبر لامكانية تطبيق الثورات الملونة بالمنطقة، وصار الشارع التونسي بلا اي تقدم اقتصادي كان او غير اقتصادي، بل وذهبت الى ما هو اسواء مما كانت عليه بعهد زين العابدين بن علي.

لماذا ليبيا التي تملك من النفط والغاز ما تملكه دول افريقيا جمعاء، صاحبة الحضور العربي الوحيد في افريقيا، وتجلى ذلك بعد مقتل القذافي وما تركه من فراغ استغلته دول خارجية في مقدمها اسرائيل؟

لماذا مصر أكبر أمة في الشرق، والاقوى عسكريا بالمنطقة، والتي حرمت اكتشاف ما في مياهها الاقليمية بالبحرين الاحمر والمتوسط، وكبلت حركتها بسيناء حتى باتت مرتعاً للارهابين بعقود التجمد السابقة، وبرغم انها كانت اقل المتضررين من الربيع العبري، وتسابق الزمن كي تعوض ما فاتها، الا ان كل يوم يتم وضع عراقيل في طريقها كيلا تكمل مشوارها، وانظروا الى ما يدور باثيوبيا والسودان وليبيا وغزة كي تعلموا.

لماذا سوريا آخر دول المواجهة، والتي كسرت طموح الغاز والنفط لممالك الخليج (الفارسي) بعد أن اتجهت نحو استراتيجية تشبيك البحار الخمسة عام 2004 م.

لماذا اليمن الذي تدور فيه حرب في الجنوب أشرس من الشمال، فان كان الشمال بين السعودي والحوثي فقط، فالجنوب بين فرقاء اليمن بعضهم البعض، وبين اعضاء التحالف العربي بعضهم البعض ايضا، وهو الجنوب الذي به احتياطات من النفط تهدد مستقبل دول ذلك التحالف.

بالتأكيد نحن لا نتمنى الخراب الذي اصاب تلك الدول أن يصيب باقي دول المنطقة، ولكن نطرح سؤالاً هاماً، وهو : لماذا جاءت الثورات بتلك الدول دون غيرها؟! وعندما وصلت عواصف الثورة الى مملكة البحرين شاهدنا لاول مرة تدخلاً عسكرياً خارجياً لمواجهة مظاهرات داخلية في دولة اخرى، بعد ان تدخلت مقاتلات ومروحيات ودبابات ومدرعات قوات درع الجزيرة لمنع المظاهرات في المنامة، وهو الامر الذى جاء بمباركة من الولايات المتحدة وبريطانيا الذين كانوا يؤيدون أي فوضى بالدول التي نشبت بها الثورات.

وربما ما يكشف لنا السر في ذلك هو افتتاح القاعدة العسكرية البريطانية بالبحرين مؤخرا، وهي القاعدة الدائمة والاولى لها بالشرق الاوسط، وهو الافتتاح الذي جاء بعد ســاعات قليــلة من الاعلان عن اكتشاف نفطي ضخم في البحرين، أو ان دق الكلام فالاعلان عن الاكتشاف النفطي الضخم هو من تأجل لسنوات الى أن تم الانتهاء من انشاء القاعدة العسكرية البريطانية.

خلاصة القول من يتأمل حقيقة ما يحدث في الشرق الاوسط منذ غزو العراق 2003، مرورا بالثورات الملونة عام 2011 م، وصولا الى كيفية سماح الاميركي بإشعال الازمة الخليجية خلال أزمة قطر، سيدرك جيدا مغزى ما قاله هنري كسينجر ذات يوم، عندما قال: «على الولايات المتحدة الاميركية أن تصحح العدالة الالهية التى وضعت النفط والغاز بعيدا عن مناطق الصناعة والتكنولوجيا».

فادي وهيب - الديار

2-4