ليلة القبض على التوماهوك.. عندما أمطرت السماء السورية أشلاء دول عظمى!

ليلة القبض على التوماهوك.. عندما أمطرت السماء السورية أشلاء دول عظمى!
الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٨ - ٠٣:٤٦ بتوقيت غرينتش

لو قلت لكم قبل عقد أو اثنين أو ثلاثة، أن دولة من دول العالم الثالث تعرضت لعدوان أميركي بريطاني فرنسي مشترك بصواريخ “ذكية” بعيدة المدى و من جميع القواعد و السفن التابعة لهم في المنطقة، ثم أردفت قائلاً أن الدفاعات الجوية لذلك البلد ” الصغير” تمكنت من إسقاط معظم تلك الصواريخ أو حرفها عن مسارها، فهل كنتم ستصدقون؟ لا أظن ذلك!.

العالم - مقالات وتحليلات

لن أخوض في خلفيات العدوان و أسبابه و أهدافه فهي واضحة لكل ذي عقل، و لن أضيع وقتي و وقتكم في محاولة إقناع المرجفين المشككين و الخونة و العملاء بأننا لا نسعى للتقليل من معاني هذا العدوان أو حجمه أو تأثيره، و لن أصرف سعرة حرارية واحدة في سبيل تبرير ما سيرشقوننا به من اتهامات و استفزاز عن ( الرد في الوقت و المكان المناسبين ) .

لماذا؟ لأن كل خبير عسكري موضوعي على سطح هذا الكوكب يعلم ( أو سيعلم قريباً جداً ) أن ما جرى فجر يوم الجمعة 14/4/2018 هو حدثٌ استثنائي بكل المعايير، حدث سيغير العقائد القتالية و مقررات الأكاديميات العسكرية حول العالم، و السبب ببساطة شديدة هو ( الدفاع الجوي السوري )!.

 

كيف؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أولاً أن نتحلى بأقصى درجات الموضوعية و النظر إلى ما حصل بعين مجردة من كل شيء سوى العلم و المنطق المجرد:

يدرك كل مختص في الشأن العسكري و الاستراتيجي أن حرب عاصفة الصحراء التي شنها تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة عام 1991 تحت شعار ( تحرير الكويت ) شكل الإعلان الحقيقي عن ولادة نظام عالمي جديد و ليس انهيار جدار برلين، و أن تلك الحرب لم تكن في حقيقة الأمر سوى فرصة غاية في الأهمية كي تستعرض أميركا تفوق آلتها الحربية بأجيال و مراحل على منظومات السلاح الشرقي التي بدت حينها أمام صواريخ الكروز ( التوماهوك ) و باقي الأسلحة ذات الدقة المبضعية كألعاب أطفال و أهداف مشلولة لا حول لها ولا قوة أمام ( ذكاء ) الأسلحة الأميركية و قدراتها التدميرية المهولة.

و منذ ذلك الحين، و بعد هذا الاستعراض للقوة الأمريكية الغاشمة على العراق و غياب أية قوة حقيقية منافسة لها، تبنت أميركا استراتيجية تدمير العدو من بعيد و من خارج مدى ما يمتلكه هذا العدو من منظومات دفاعية أو هجومية دون منحه أية فرصة للدفاع عن نفسه حتى، ثم يبقى لها الخيار إن كانت تريد غزو ذلك البلد بعد أن تكون قد قلمت أظافره و نزعت أنيابه كما حصل للعراق عام 2003 أو الاكتفاء بتدمير قدراته العسكرية باستخدام الصواريخ بعيدة المدى و الطائرات الشبحية و الدرونات و إرغامه على الرضوخ كما حصل مع صربيا في تسعينيات القرن المنصرم.

و بدأت صنوف القوات المسلحة الأمريكية ( لتلحق بها باقي المنظومة الغربية ) بالاعتماد الكلي على هذه الأسلحة الحديثة و عليه فإن العقيدة القتالية الأمريكية بشكل خاص و الغربية عموماً مبنية كلياً على قدرات تلك الأسلحة و ما تتيحه للقادة العسكريين من قدرة على تنفيذ المهام المطلوبة منهم دون الحاجة لتعريض حياة الجنود ( أو الطيارين ) الأمريكيين للخطر، كل ذلك على خلفية أن أميركا لن تسمح بتكرار ما تعرضت له من خسائر فادحة في فييتنام، و هو أيضاً ما دفعها لسحب معظم قواتها من العراق بعد احتلاله.

انطلاقاً من هذه المقدمة بات بوسعنا الحديث عما جرى في سوريا و لكن من منظور عسكري بحت بعيداً عن الوعاء السياسي و الظرف المرافق..

تقول الوقائع أن قوات جوية و سفن بحرية تابعة لأمريكا و فرنسا و بريطانيا قامت جميعها و في وقت واحد بإطلاق عشرات الصواريخ الجوالة بعيدة المدى من طرازات توماهوك الأمريكي، و ستورم شادو/سكالب البريطاني الفرنسي، و هي أحدث ما تمتلكه تلك القوى العظمى في هذا المضمار مستهدفة عشرات المواقع القواعد العسكرية و المؤسسات البحثية التابعة لدولة صغيرة من دول العالم الثالث تخوض منذ سبع سنوات حرباً طاحنة ضد إرهاب مدعوم دولياً .

و تقول الوقائع أيضاً أن الدفاعات الجوية لذلك البلد تمكنت من إسقاط و ( تغيير مسار ) معظم تلك الصواريخ و حرفها عن أهدافها المراد تدميرها!!.

إن لم يثر هذا دهشة أي خبير عسكري، فاعلموا يا أعزائي على الفور أن هذا الشخص ليس بخبير ولا عسكري ولا يمت بصلة للأمور العسكرية لا من قريب ولا بعيد، أو أن تحيزه و تحزبه قد طغى بشكل كلي على موضوعيته المفترضة!.

لأننا نتحدث هنا عن مواجهة ما بين ثلاث دول عظمى و دولة صغيرة هي في الأصل مثخنة بجراح الإرهاب!

و أي خبير عسكري يمتلك الحد الأدنى من الموضوعية لا بد أن يصل إلى استنتاج صادم على ضوء ما جرى في السماء السورية، و هو أن امتلاك أي بلد لمنظومات روسية حديثة للدفاع الجوي ( من على شاكلة البانتسير-اس1 و البوك و البيتشورا-2ام ) تشغلها أطقم حسنة التدريب كاف لكي يحيد ذلك البلد السلاح ( التقليدي ) الأهم في ترسانة الولايات المتحدة و حلفائها، و في أفضل الأحوال ستمسي الولايات المتحدة مجبرة على استخدام أعداد أكبر بكثير مما كانت تعتقد من تلك الأسلحة إذا ما أرادت تحقيق الهدف المطلوب، و في أسوئها ستصبح مضطرة لتغيير عقيدتها القتالية سالفة الذكر و ستكون مجبرة على الزج بالعنصر البشري مباشرة بما يعنيه ذلك من آثار خطرة كانت أساساً الدافع الرئيس وراء تطوير الأسلحة الذكية و الصواريخ الجوالة بعيدة المدى!.

و هذا بحد ذاته إنجاز غير مسبوق و منعطف حاسم في مفهوم الحرب الحديثة و العقائد القتالية ما يعني تغيراً دراماتيكياً في موازين القوى و قواعد السياسة التي تبنى في نهاية المطاف على مقدار ما تمتلكه الدول من قوة عسكرية و إمكانيات دفاعية/هجومية.

من شاهد الكيفية التي كانت تصطاد فيها منظومات الدفاع الجوي السورية صواريخ العدوان الثلاثي، و أنا من هؤلاء، سيظن لوهلة أنه يشاهد لعبة كومبيوتر أو بلاي ستيشن لولا أصوات الانفجارات المرافقة لما كان يحدث، ولا يمكن له إلا أن يصاب بالذهول و الدهشة من قدرات تلك الأنظمة الدفاعية و كفاءة مشغليها!.

يضاف إلى ما سبق عامل لا يقل أهمية وراء ما حصل إلى جانب الدفاع الجوي، و هو قدرات معدات التشويش الالكتروني العالية و التي كان لها دور رئيس في حرف عدد كبير من صواريخ العدوان عن أهدافها كما أكدت العديد من المصادر الميدانية المتطابقة، و هذا بحد ذاته أيضاً يشكل تحولاً جذرياً عندما يتعلق الأمر بإمكانية مواجهة من يمكن اعتباره ( أقوى قوة ) على وجه الأرض و أكثرها تطوراً تكنولوجياً لا بل القوة الأكثر اعتماداً على التفوق التكنولوجي و الالكتروني، و إذ بمنظومات التشويش السورية-الروسية تحول الصواريخ ( الذكية ) إلى صواريخ ضريرة عاجزة بحاجة لمن يمسك يدها كي لا تضل الطريق، و بالطبع لن يتبرع أحد لهذا العمل ( الخيري ) سوى منظومات التشويش ذاتها و التي قادت الصواريخ البلهاء إلى حيث لم يحتسب مطلقوها!.

الآن أعود لموقعي كمواطن سوري لأقول:

شكراً ترامب، لأنك أثبت وجهة نظرنا القائلة بأنكم لم تعودوا القوة الأعظم في العالم، و أنه بوسع أية دولة في هذا العالم مهما كانت صغيرة و محدودة الموارد و الإمكانيات أن تتمسك بالمبادئ و القيم و الحقوق، بشرط أن تمتلك تلك الدولة ما يكفي من الشرف و الكرامة و العنفوان.

سيسجل التاريخ أن شرفاء سوريا قد أسقطوا في عام واحد طائرات "إسرائيل" و صواريخ أمريكا و بريطانيا و فرنسا مجتمعين، و هو ما لم تفعله أية دولة أخرى على مر العصور، لكن السوريين نجحوا بإسقاط ما هو أهم بكثير، إنه النظام العالمي أحادي القطب المبني على شريعة الغاب و حق القوة ومعه أشلاء هيبة و جبروت ثلاث دول عظمى مجتمعة!.

ألم نقل أن سوريا ستغير شكل العالم برمته؟

و للحديث تتمة..

"باسم الشيحاوي - شام تايمز

2-4