لماذا اختار ليبرمان مَسؤولا سابقا في "الموساد" مبعوثاً إلى الدول العربية؟

لماذا اختار ليبرمان مَسؤولا سابقا في
الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٨ - ٠٤:٤٥ بتوقيت غرينتش

من غرائِب هذا الزمان، وما أكثَرها هذهِ الأيّام، أن يُعيِّن إفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي مَسؤولاً سابِقًا في جِهاز “الموساد” مَبعوثًا خاصًّا إلى العالم العَربي، وسَتكون أبرز مَهامِه المُعلَنة “التَّعاطي مَع الأزمة الإنسانيّة في قِطاع غزة والجُهود لتَجميد الدَّعم المالي العَربي والدولي لتَمويل مَشاريع كَهرباء ومِياه للقِطاع″، حَسب ما ذكرته القَناة العاشِرة الإسرائيليّة اليوم (الجُمعة).

العالم - فلسطين

نَجْزم بأن ليبرمان الذي أعطَى الأوامِر لقُواتِه بقَتل 33 شابا فِلسطينيا تَظاهَروا سِلميا على حُدود القِطاع مع أراضيهم المُحتلّة، لا يُعير أي اهتمام للقِطاع وأهْلِه الذي يُحاصِرهُم، ويَمنَع عنهم الطَّعام والدواء، ويَقصِفْهُم يَوميا بطائِراتِه الحَربيّة، وأنّ المُهمِّة الأبْرز لمَندوبِه الجِنرال أريك بن حاييم، هي “التَّنسيق أمنيًّا” مع دول عربيّة، وخليجيّة على وجه الخُصوص، وكيفية مُواجَهة حَركات المُقاومة الفِلسطينية (حماس) و”حزب الله” في لبنان، وربّما جَماعات عراقية مدعومة من إيران.

إسرائيل باتَت الضِّلع الأهَم في مِحور “الاعتدال العربي” الذي سيَسطَع نَجمه في الأيّام القليلة المُقبِلة، أي بَعد 12 أيّار (مايو)، حَيث من المُقرر أن يُعلِن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه  من الاتّفاق النَّووي الإيراني، ويَبدأ في تَفعيل هذا المِحور مُباشرة لتَشديد الخِناق على إيران اقتصاديا وأمنيًّا، وربّما مُواجَهتها عَسكريًّا وأمنيًّا وزَعزَعة استقرارها داخِليًّا.

قبل أُسبوع اتّصل الرئيس الأمريكي بَعدد من القادة الخَليجيين، وعلى رأسِهم الملك السُّعودي سلمان بن عبد العزيز، وولي عَهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وطالَبَهُم خِلالها بإنهاء الأزمة الخليجيّة، وإعادة الوحدة إلى مجلس التَّعاون للتَّفرغ لمُواجَهة إيران ونُفوذها المُتسارع في المِنطَقة.

لا نعتقد أن ليبرمان مُمكن أن يُقدم على هذه الخُطوة، ويُعين مَسؤولاً أمنيًّا كان يعمل في جِهاز “الموساد”، ليكون مَبعوثه الخاص دون أن يكون قد استمزج العَواصِم المُستَهدفة، وحَصَل على مُبارَكتِها، وفتح مَطاراتِها، وأبواب مَقراتِها الأمنية له، أي المَبعوث الإسرائيلي، وقُبول مَشاريع “التَّنسيق الأمني” التي سيَحمِلها في جُعبَتِه.

الدول العربية، والخليجية مِنها بالذات، تَرتكِب خَطأ كبيرا إذا ما كَثَّفت عمليّة تَطبيع علاقاتِها مع تل أبيب وحُكومَتها العُنصرية، واشترت خَدماتِها الأمنيّة المَغشوشَة التي تَبيَّن لدول عديدة، آسيويّة وأفريقيّة وأوروبيّة، أنّها دون العاديّة، وثَبُتَ فَشَلها في مُحاربة “الإرهاب”.

جِهاز “الموساد” الإسرائيلي كان ذراعا أمنيًّا مَرهوب الجانِب عندما كان مُعظَم القادَة الأمنيين العرب “لا يَفكُّون الخَط”، واحتلّوا مناصِبَهم بِحُكم القَرابة والمَحسوبيّة، والعَلاقات الأُسريّة، وليس بسبب الكَفاءة، والمَقدرة، ولكن الآن تَغيّرت الصُّورة، وبات مُعظَم المَسؤولين الأمنيّين والعَسكريين العَرب يَحمِلون درجات عِلميّة من أعلى الأكادِيميّات الأمريكيّة والبِريطانيّة، مِثل “وست بونيت” و”سانت هيرست”، ونَظيرتها في فرنسا والهِند وألمانيا، وأن العَقليّة العَسكريّة والأمنيّة الجَبَّارة لـ”حزب الله” اللبناني، وإمكانِيّاتِه الصَّاروخيّة المُتقَدمة باتَت تُشَكِّل كابُوسًا للقادة العَسكريين والأمنيّين.

لا يُشرف العرب أن يُقدموا أموالاً لمُواجَهة الأزمة الإنسانيّة في قِطاع غزة عَبر مَبعوث ليبرمان المُلطَّخة يَديه، ويَدي مَبعوثِه بِدِماء الشُّهداء الأبْرِياء في الضِّفّة والقِطاع وجنوب لبنان، سَواء الذين سَقطوا قبل أيّام أثناء مَسيرات العَودة، أو أثناء العُدوان الإسرائيليّة الثَّلاث الأخيرة على القِطاع.

دولة الاحتلال الإسرائيلي تتخبّط، وتَعيش حالة من الرعب والهَلع بعد بِدء التَّغيير في قَواعِد اللُّعبة السِّياسيّة والعَسكريّة والأمنيّة في غَير صالِحِها، وما إسقاط 5 من 8 صَواريخ أطلَقتها على قاعِدة “التيفور” الجَويّة السُّوريّة قُرب حِمص، ومن الأجواء اللُّبنانيّة، وإسقاط الدفاعات الجَويّة السُّوريّة طائِرة “إف 16” الأمريكيّة الصُّنع، إلا بعض الأدلّة في هذا الخُصوص.

الدول العَربيّة التي ستَستقبِل مَبعوث ليبرمان وتُنَسِّق أمنيًّا معه، وتَضُخ أموالاً عبر قَناتِه، وتُوجِّه إهانة لهؤلاء الشُّهداء ودمائِهم الزكيّة، وللأُمّتين العَربيّة والإسلاميّة أيضا، وستَندم نَدما شَديدا في المُستقبَل المَنظور، لأن التَّطبيع مع دولة الاحتلال سَيكون مُكْلِفا، بل مُكْلِفا جِدا.. والأيّام بيننا.

رأي اليوم

102-7