من الجبهة.. جندي سوري يعلّم طفله كيف يكون بطلا

من الجبهة.. جندي سوري يعلّم طفله كيف يكون بطلا
الأحد ٢٩ أبريل ٢٠١٨ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

أشبه بزقزقة العصافير على حافة جبهة مشتعلة تناهى صوت طفولي من جهاز خلوي وهو يقول “بحبك” على خط تماس مع إرهابيي “داعش” في منطقة القدم جنوب دمشق حيث يخوض الجيش العربي السوري معركته الأخيرة مع الإرهابيين في محيط العاصمة.

العالم - سوريا

وحسب "سانا" يرصد جندي باهتمام شديد من خلف طلاقية ضمن أحد الأبنية في أطراف حي الماذنية الذي أحكم الجيش سيطرته الكاملة عليه امس،  أي تحرك للإرهابيين يمينه على الزناد وباليد اليسرى يمسك هاتفه الجوال.. تتعثر كلماته بأصوات طلقات رشاشات زملائه الى جواره “يا عمري.. يا قلبي.. اشتباكات.. وين بدي جيبك” يعود الصوت الطفولي مجددا .. “وينك بالجيش” يرد الجندي قبل أن يغلق هاتفه “أي.. يا الله .. باي يا عمري”.

ببساطة يجيب الجندي عن سؤال مراسلة سانا فيما اذا كان اتصاله مع طفله في لحظات القتال يشتت ذهنه عن العدو “فكري عند عدوي أمامي وقلبي على ابني”.. يبتسم بحنان “صوته يسعدني وارمي بدقة”.

يحتفظ الجنود بجوالاتهم على الجبهة ويتحدثون الى ذويهم وأحبائهم ويدونون لهم رسائل الاطمئنان ويرسلون لهم صورهم.

اعتاد الجندي رواد شلغين القتال على جبهات عدة طيلة ثماني سنوات ولم ينقطع عن الحديث إلى طفله حيدر ثلاث سنوات بشكل يومي من موقعه في ساحات المعارك ودون تحفظ يسمي له الاشياء بمسمياتها الحقيقية ويفهمه بالحدود الدنيا ماذا تعني الحرب متقصدا ذلك “أحدثه عن الظلم الذي وقع على الوطن كيف دمروا بيوتنا وخطفوا رفاقنا العساكر وذبحوهم” يتنهد دون أن يزيح عينه عن الطلاقية ثم يتابع.. “ابني يجب ان يعرف أن اباه قاتل الإرهابيين وكان وفيا لدماء الأبطال الشهداء حتى يعيش وأطفال البلد بأمان”.

يقول رواد مستعيدا بعض اللحظات الجميلة التي جمعته بطفله في إجازات متباعدة وخاطفة “عندما اصل البيت يحاول أخذ بارودتي أفهمه أنه صغير على ذلك لكن اسمح له بنزع الجعبة العسكرية وتعليقها “.. وبشيء من الاستغراب يضيف عندما أغادر المنزل لا يبكي “بيقلي بابا دير بالك عا حالك.. انا بحبك”.

في بعض مناطق القتال التي تكون فيها التغطية ضعيفة أو معدومة يخبر الأب ابنه مسبقا أنه لن يستطيع الاتصال والمعركة طويلة كما حدث في معارك ادلب وحماة “شهر ونصف الشهر لم أسمع صوته” لا يخفي الجندي الذي يتحدث بهدوء وقد تمرس على مواجهة اشرس الارهابيين ان صغيره حيدر في انقطاعات الوالد الطويلة عن البيت او عدم الاتصال يصبح مشاكسا ويسال والدته باستمرار “ليش بابا ما عم يحكي”.

يتقدم ضابط ويشير إلى رواد أن يستريح قليلا بينما جندي آخر يحل محله في رصد إرهابيي “داعش” .. على بعد خطوات من الطلاقيات الى جوار عمود اسمنتي يفترش الجندي بلباسه العسكري الأرض ويجلس بعد ان يزيح ساقا بلاستيكية “من جسم مانيكان ” ما تبقى من آثار مشغل للملبوسات في البناء الواقع في الشارع الرئيسي لحي المأذنية في منطقة القدم.

إذا حصلت على إجازة بعد التقدم على الجبهة “سأشتري لحيدر بسكويتا وبطاطا شيبس دربي بيحبها كتير .. الحمد الله عايشين” يستطرد الأب بالحديث عن صغيره.. “حيدر غال على قلبي انتظرته ووالدته ثلاث سنوات بعد زواجنا بعده جاءت مايا عمرها سنة ونصف السنة”.. يضيف: “خيطلوا بدلة عسكرية لما يلبسها يمشي ويضحك وكأنوا ما حدا قدو” أقاطعه بسؤال إن كان يتمنى يكون ابنه مستقبلا ضابطا بالجيش يجيب “أكيد .. إذا الله أعطاني عمر .. برفع راسي فيه وهو يرفع رأسه بأبيه”.

قصص الأب لطفله عن الحرب بدأت من أول “ما وعي عالدني” كما يقول عندما “ارتدي بزتي العسكرية وأهم بالخروج من المنزل يسالني وين رايح فأجيبه .. لأقاتل الإرهابيين من اجل نحمي بلدنا”.

لا يخشى الجندي رواد الشهادة وترك حيدر ومايا وحيدين فهو وان كان “يحبهما كثيرا” فإذا كتبت له الشهادة فسيكونان عندما يكبران فخورين بابيهما الشهيد وبصوت مليء بالكبرياء والعنفوان “أقول لابني إذا استشهدت لا تزعل .. فيبكي.. اشتري له شيئا يحبه ..فيسكت” يصمت قليلا “الإرهاب فرض علينا ان نحدث أطفالنا عن الحرب”.

109-2