الانتخابات النيابية اللبنانية وقانونها الذي خلط الاوراق

الانتخابات النيابية اللبنانية وقانونها الذي خلط الاوراق
الأحد ٠٦ مايو ٢٠١٨ - ١٢:٣٨ بتوقيت غرينتش

أهم ما يميز هذه الدورة من الانتخابات التشريعية في لبنان والتي تتواصل فيها عمليات التصويت منذ السابعة صباحا بالتوقيت المحلي، هو القانون الذي على أساسه تتم العملية الانتخابية والذي أقر على إساس النظام النسبي، على عكس الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي شهدها لبنان وكانت تتم على أساس النظام الأكثري.

 

العالم ـ مقالات وتحليلات

أثار هذا القانون الكثير من الجدل على الساحة السياسية وانقسمت حياله الآراء بين مؤيد ومعارض، وذلك لجهة أن البعض وجد فيه فرصة لإمكانية حضوره تحت قبة البرلمان بعد طول غياب ومشقة، فيما اعتبرته تيارات سياسية تقليدية منفذاً قد يحد من حضورها البرلماني بعد طول تمدد.

وأيا تكن الآراء المختلفة حيال هذا القانون، فإن هناك مايشبه الاجماع على أن القانون قد اعاد الحياة بعد تسع سنوات عجاف إلى العملية التنافسية في المشهد الانتخابي، ولعل هذا مايفسر نسبة التسجيل المرتفعة في اعداد المرشحين بالمقارنة مع الدورات السابقة، لكن التسجيل حصرا لايضمن الانتقال إلى جنة السلطة، فقانون الانتخاب قد وضع ايضا ضوابط اخرى ارخت بظلالها على العملية الانتخابية، ومنها ضرورة انضواء المتنافسين ضمن قوائم انتخابية لاتقل عن الثلاثة مرشحين، وهذا ما تعذر تحقيقه لدى عدد لا باس به من المرشحين ما استدعى انسحابهم على عجل، ونظرا لطبيعة المعركة والقيود الانتخابية التي اشترطت التنافس على الحاصل الانتخابي بين القوائم مع امتلاك حق الاقتراع بصوت تفضيلي لمرشح واحد ضمن القائمة الانتخابية التي يصوت لها المقترع، وهذه العملية وان لم تهضمها بشكل جيد معظم شرائح المقترعين لناحية احتساب الاصواب ونسبتها، الا انها فوضت امرها إلى ماكيناتها الانتخابية التي استنفرت كل طاقاتها للوقوف على الموضوع وحفظ اصوات المقترعين، ولكن الاكيد أن الصيغة من التنافس على الحاصل الانتخابي مدعوما بالصوت التفضيلي هو الذي خلط الاوراق بين الاحزاب والتيارات اللبنانية لجهة التحالفات، فسجل تقارب بين احزاب لطالما جمعها تاريخ من العداء والحروب، فيما ابتعدت اخرى كانت حتى الامس القريب تجمعها اتفاقات وتحالفات تاريخية، وذلك أن القانون الجديد قد فتح شهية الجميع على الحصول على اكبر قدر ممكن من مقاعد المجلس النيابي، وهنا يسجل صمود ثنائيي المقاومة (حزب الله وحركة امل) وعلى مختلف محاور الدوائر الانتخابية امام عواصف خلط الاوراق في التحالفات الانتخابية.

 

المقاومة ابرز الحاضرين في المشهد الانتخابي

شكلت المقاومة لما حققته من انجازات على مستوى مقارعة العدويين الاسرائيلي والتكفيري مادة دسمة في سجالات الاجواء التجييشية التي رافقت العملية التحضيرية للانتخابات، وقد انبرى البعض ممن شكل له القانون النسبي بارقة امل للوصول إلى الندوة البرلمانية، مدعوما بتحريض من دوائر اقليمية لطالما ناصبت العداء للمقاومة، إلى التصويب على هذه المقاومة وسلاحها، وفيما كانت بعض المواقف مادة للتندر كحال احدى المرشحات التي اشتهرت كمذيعة تهوى النفخ والبوتوكس على احدى الشاشات اللبنانية، أن تعلن هذه المرشحة المسكينة أن الهدف من وصولها إلى الندوة البرلمانية هو نزع سلاح المقاومة، وهو الامر الذي عجزت عنه العديد من الحروب التي شنها احد اعتى جيوش المنطقة والمتمثل بجيش الاحتلال الاسرائيلي. فيما كانت بعض المواقف الاخرى مستغربة، مثل تلك الصادرة عن وزير الداخلية المؤتمن على حسن اجراء الاستحقاق الانتخابي، والذي وجه اهانة إلى منافسيه في احدى دوائر بيروت الانتخابية واصفا اياهم بالاوباش، وبلغ به المقام أن وصل وبتأثير من الاملاءات الخارجية التي ينتمي اليها تياره الازرق (المستقبل) والمحسوب على السعودية، إلى أن يهدد بانه لن يكون في اي حكومة مستقبلية لا تضع سلاح المقاومة تحت امرة الجيش اللبناني، وفيما يرى المراقبون أن هكذا تصريحات تدخل ضمن (عدّة الشغل) الانتخابية لشدّ العصب الطائفي الذي ينتفخ عادة في لبنان امام كل استحقاق انتخابي، وحاله حال التدخل السافر الذي سبقته اليه السعودية والامارات عبر زيارة القائم بالاعمال السعودي والسفير الاماراتي إلى منطقة بعلبك الهرمل احدى معاقل حزب الله الرئيسية ومحل انعقاد نطفة الحزب المقاوم كما صرح الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حيث قام المندوبان السعودي والاماراتي بحملة تحريض ضد المقاومة وسلاحها عبر جولتهما التي انحصرت في مناطق ذات لون طائفي ينتمي إلى المذهب السني، وكل ذلك جرى تحت مرأى ومسمع الحكومة اللبنانية التي لم تحرك ساكنا حيال هذا التدخل الخارجي السافر، وهنا وللامانة وامام هذا المشهد الذي اعتاده اللبنانيون حيال هذه التدخلات الخارجية امام اي استحقاق داخلي، لم يسجل اي نشاط او تصريح لاي من الدول الداعمة لخط المقاومة في لبنان ، حيث لم ترصد وسائل الاعلام المحلية اي تصريح للسفير الايراني مثلا او السفير السوري في لبنان طيلة فترة العملية الانتخابية، وهذا ما يؤكد التزام هؤلاء الحلفاء بالقوانين والضوابط المرعية الاجراء بين الدول.

وعلى اي حال فان المراقبين يعتبرون بان هذا الاستهداف للمقاومة ما هوالا دلالة على اهمية دورها في المنطقة والانجازات التي حققتها على مدى السنوات الماضية، وليس من شأن كل حملات التحريض سوى أن ترتد سلبا على مطلقيها، وترفع من رصيدالمقاومة لدى جمهورها الذي تهافت على صناديق الاقتراع ولسان حاله يقول أن المقاومة التي قدمت الدماء للحفاظ على هذا الكيان السياسي امام تهديدات العدوين الاسرائيلي والتكفيري، فان اقل الواجب امامها أن نقدم لها الصوت الانتخابي الذي لايساوي شيئا امام عظمة دماء الشهداء وتضحيات الجرحى وعذابات الاسرى، وهذا كله ضمن التصريح الواضح الذي يشهده اي متابع للشان الليناني، فضلا عن التلميح الذي يقر به معظم الشعب اللبناني وهو انه لولا هذه المقاومة لما كان هناك انتخابات اصلا في لبنان.

* محمد باقر الموسوي