"إدلب" تسقط من الداخل؟!

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

مُنذ سقوطها بتاريخ 28/3/2015، تحوّلت إدلب إلى خزانٍ مليشيوي للفصائل المتُطرّفة يجمعها قاسَم مُشترك مُتمثل بالتطرّف والعداء للنظام ورفض تسوياته، ويفرّقها الكثير من الخلافات والانتماءات والتبعيات، الأمر الذّي حوّل جغرافيتها الخضراء إلى جغرافيا مُتشظّية بفعل تناقُض وتناحُر أجندات الفصائل المُتحاربِة وفقاً لمشغّليها الاقليميين والدوليين.

العالم - مقالات

وإدلب ذات الموقع الاستراتيجي لم تعد مساحتها البالغة 6100كم2 قادرة على استيعاب تناقُضات الحرب السورية وتداعياتها المتدحرجة، ورغم دخولها وفقاً لأستانة (6) ضمن مناطق خفض التصعيد إلا أنها تحوّلت لمنطقة صراع مفتوح يُمكن القول عنه “صراع الكل ضد الكل”.

والسؤال المطروح حالياً ماذا بعد هذا التجميع لهذه المتناقضات التي جعلت إدلب أشبه ببرميل بارود قابل للانفجار في أية لحظة؟

إدلب – الواقع الراهن:

أضحت إدلب آخر معاقل المُعارضة المسلّحة. يُسيطر عليها كل من:

– جبهة تحرير سوريا والتي تشكّلت من تحالف حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وعددها 12 ألف

– هيئة تحرير الشام (النصرة) وعددها 19 ألف مع كتائب التركستان

– جيش إدلب الحر وعددهم 5 آلاف

– فيلق الشام (درع الفرات) وعددهم 3 آلاف، وغيرهم من بقية الفصائل الأصغر حجماً.

وهذه التشكيلات العسكرية التي تشتبك مع بعضها البعض بشكلٍ يومي مُخلّفةً المزيد من القتل والتهجير، يُضاف إليها حوالى 3.5 ملايين نسمة من المدنيين. وحوالى مليون طفل خارج التعليم. وكذلك عدد من المخيمات للنازحين إليها من مختلف مناطق الصراع السوري. إضافة إلى وجود نقاط المراقبة التركية في تل الصوان غرب بلدة أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي، وفي صوامع الصرمان في ريف معرّة النعمان، وهي نقاط مُراقبة عسكرية تركية مُحاذية للنقاط العسكرية التركية في ريف حلب الغربي والجنوبي. مُقابل سيطرة الجيش السوري على مطار أبو الظهور وبعض أرياف إدلب.

وجدير ذكره أنّ كل هذه القوى العسكرية المتطرّفة والتي تُعلن شعاراتها علناً، كما حدث مؤخّراً عندما رفع حزب التحرير الإسلامي لافتةً كُتِبَ عليها مطالبتهم بدولة الخلافة (داعش) في وضح النهار، كلُ ذلك يؤشّر إلى أنّ إدلب أصبحت بؤرة إرهابية مُتطرّفة تشكّل خطراً بعدّة اتجاهات.

إدلب – ماذا بعد؟

بناء على ما سبق وانطلاقاً من الواقع الراهن للوضع في إدلب التي أصبحت خارج سيطرة الجميع. يمكننا القول بأنّها تُشكّل خطراً ومصدر تهديد مُحتمَل للساحل السوري وللقواعد العسكرية الروسية المتواجدة فيه. وهذا حصل عندما تم الهجوم على مطار حميميم من إدلب بتاريخ 31/12/2017. بطائرات الدرونز. ومُرشّح للحدوث في حال فشل اتفاق أستانة الذي أعطى تركيا نقاط مراقبة في إدلب كمنطقة خفض تصعيد هذا من جهة. كما أن التقاتُل الدائم بين الفصائل المسلحة يشكّل خطراً على مدنيي إدلب من جهة ثانية.

بالنتيجة نستطيع قراءة مُستقبل إدلب ضمن سيناريوهين:

– سيناريو عفرين: تشير الوقائع إلى أن تركيا وروسيا هما الفاعلان الرئيسان في ملف إدلب ضمن أستانة. وقادران على نزع سلاح المليشيات وتحويل إدلب من منطقة خفض تصعيد إلى منطقة صفر تصعيد، عبر قيامهما بضرب النصرة وبقية الفصائل المتطرفة بشكل نهائي -خصوصاً أن البعض منها ينادي بالخلافة، الأمر الذي يعطي للعملية كامل الشرعية. – وتحويل بقية الفصائل ومنها قوات درع الفرات إلى قوات شرطة محلية تحفظ الأمن العام ضمن المدينة. ومن هنا أتى تصريح أردوغان بأن عملية غصن الزيتون ستستمر وصولاً إلى إدلب. لكن هذا السيناريو سيصطدم بمعارضة النظام السوري الذي أوقف الحملة العسكرية الأخيرة لتحرير إدلب.

– سيناريو الغوطة الشرقية:

صحيح أن لتركيا نقطتي مراقبة كما ذكرنا داخل إدلب. وسبع نقاط في الريف الغربي لحلب، ونقطة مؤخراً في ريف حماه الشمالي (تل الصوان في مورك) استناداً إلى أستانة، لكن مازالت الخلافات بين الضامنين الثلاثة حول نقاط انتشار القوات التركية في إدلب قائمة حتى الآن، وربما تظل عالقة ولا تُحل. ما يعني قيام الجيش السوري بالتنسيق مع حلفائه بعملية عسكرية تمتلك الشرعية الدولية والاقليمية كما جرى في الغوطة الشرقية ولكن بشكل مُعدّل لجهة تسوية ملف إدلب من دون أن تكون هُناك باصات خضراء لنقل رافضي التسوية كونهم من النصرة وبقية الفصائل المرتبطة معها والمصنّفة دولياً كتنظيمات إرهابية.

اخيراً تبقى معركة إدلب صراعاً جيوسياسياً يؤثّر على مستقبل المنطقة وعلى الوضع الداخلي التركي، وإذ تعتبرها تركيا من ضمن أمنها القومي. يسعى النظام السوري إلى السيطرة عليها وتحريرها من كافة التنظيمات المتطرّفة بما فيها الوجود التركي.

حبيب شحادة / الميادين

109-4