فلسطين المحتلة... إرهــاب بــلا عـقــاب

فلسطين المحتلة... إرهــاب بــلا عـقــاب
الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

الحقيقة المؤلمة التي تفرض نفسها على المشهد الفلسطيني الدامي هي: أن العدو الصهيوني يمارس إرهاب الدولة، بأبشع وأقذر صفاته بلا عقاب، ورغم أن هذه الحقيقة المؤلمة ليست بجديدة، أو طارئة على المشهد الفلسطيني، بل هي تتزامن  ونشأة  وإقامة هذا الكيان الغاصب على التراب الفلسطيني.

العالم - مقالات وتحليلات

إلا أنها في هذه المرحلة الخطيرة، أصبحت أكثر وضوحاً، وأكثر صلفاً ووقاحة، لا بل أكثر تصميماً على استباحة الدم الفلسطيني وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وأكثر تصميماً على انتهاك القوانين والشرائع والمواثيق الدولية.

وبوضع النقاط على الحروف... فالعدو ومنذ 30 آذار، إذ انطلقت مسيرات العودة، وحتى اليوم، وعلى مدى ستة أسابيع من الغضب الفلسطيني النبيل، قتل 52 فلسطينياً، ارتقوا شهداء إلى جنات الخلد، وأصيب أكثر من سبعة آلاف، إما بفعل استنشاق الغاز السام، أو بفعل الرصاص الحي القاتل، الذي يفتت العظام، ويؤدي إلى بتر الأطراف.. وهذا ما حدث للعديد من الأطفال والشباب.

المفارقة المؤلمة في هذا الشأن هي: إنه رغم همجية العدو وفاشيته التي يباهي بها.. فها هو وزير حربه... حارس الماخور أفيغدور ليبرمان، يهدد ويتوعد بقتل كل فلسطيني يقترب من السياج الحدودي، فإن ما يسمى بالمجتمع الدولي وعلى رأسه الدول الكبرى، لم تحرك ساكناً، وكأن ما تشاهده وفي بث حي هو أفلام للتسلية، من صنع الخيال، وليس واقعاً يجسد الصراع بين الحق والباطل، بين شعب أعزل حكم عليه بالموت، يتظاهر سلميا مطالبا بالعودة الى وطنه الذي طرد منه، وبين عصابات مسلحة بأحدث الأسلحة، تحترف القتل والتدمير.

ندعو هذه الدول، لا بل كل أحرار العالم أن يدققوا النظر في هذا المشهد، كما يرتسم كل جمعة في غلاف قطاع غزة وعلى امتداد "80 كم" ويمعنوا النظر.. ليجدوا في الصورة الأولى: عشرات الآلاف من المتظاهرين لا يحملون إلا الحجارة والمقاليع، ويشعلون النار في إطارات الكاوتشوك، ويرفعون العلم الفلسطيني، ويطيرون طائرات ورقية مشتعلة، تصدح حناجرهم بهتاف واحد لا غير، نعم للعودة، لا بديل عن فلسطين... فهي وطننا ووطن آبائنا وأجدادنا، فليرحل الصهاينة الغزاة، فتردد الصدى صحراء النقب وهضاب السبع وسهول فلسطين وجبالها وبحرها وأهلها المرابطون، وحجارة القرى التي دمرتها عصابات الهاغاناة وشتيرن والأرغون وليحي.

وفي الوجه الآخر للصورة سيرى العالم، الحقد اليهودي بأبشع صوره، سيرى الإرهاب الفاشي، يمارسه ما يسمى بجيش العدو، وقد تمترس خلف التلال والكثبان الرملية، واحتمى  بأبراج الميركافاه، يطلق قنابل الغاز السام القاتل، والرصاص المتفجر وكلاهما أسلحة محرمة دولياً، تخطف نعمة الحياة من الشاب أو الطفل الفلسطيني، فيصبح مقعداً، بعد بتر ساقه، أو كلاً الساقين.. عالة على ذويه..

ونسأل.. ونتساءل؟ أين هي الدول التي تدعي الحرص على حقوق الإنسان، وحق الشعوب في تقرير مصيرها؟
أين هي أميركا والدول الغربية، ومن لف لفهما، والتي لا تخجل من ترديد الكذب، وتدبيج الافتراءات؟
لماذا لا تطالب "إسرائيل" حليفتها وصديقتها بالتوقف عن الإرهاب، وقتل المتظاهرين الفلسطينيين؟
لماذا لا تطالبها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها قرار التقسيم رقم 181، وقرار العودة رقم 194. الكفيلان بإطفاء النيران.
ألم يوقع موشيه شاريت وزير خارجية العدو على الالتزام بتنفيذ القرارين.. عشية قبول كيان العدو في الأمم المتحدة.؟ فلماذا لم يلتزم بتنفيذ القرار؟
لماذا ترفض هذه الدول تشكيل لجان للتحقيق في المذابح التي اقترفتها ولا تزال تقترفها ربيبتها وصنيعتها وحليفتها "إسرائيل"، في كل فلسطين وفي قطاع غزة بالتحديد؟
ولماذا لا تبادر باتخاذ قرار بحماية الشعب الفلسطيني، وتشكيل قوات أممية ونشرها في الضفة والقطاع، لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل من الإرهاب الصهيوني.

وللتذكير فقط... لقد طالبت أميركا والدول الغربية، أكثر من مرة بالتدخل في شؤون دول عربية، وإرسال قوات أممية لحماية الأقليات في سوريا والعراق والسودان ومصر ولبنان...إلخ.

لقد حولت أميركا وحلفاؤها حقوق الإنسان إلى أيدلوجيا، إلى حصان طروادة، تمهيداً للتدخل في شؤون الدول المناوئة للسياسة الأميركية.

إن الموقف الأميركي والغربي الداعم للاحتلال والمتواطئ مع العدو الصهيوني، هو الذي أغرى العدو الصهيوني بممارسة الإرهاب، والإمعان في اقتراف الجرائم والمذابح والمحارق، واستباحة دماء المتظاهرين في غلاف غزة.. وفي القدس وكل الأرض الفلسطينية والعربية..

أميركا هي من جعلت العدو الصهيوني فوق القانون، بعد أن حمته "بالفيتو" من العقوبات الدولية. وها هو ترمب بقراراته العدوانية الظالمة، ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإهداء القدس العربية الفلسطينية عاصمة دولة فلسطين، إلى الاحتلال الصهيوني.. يدفع العدو إلى رفع وتيرة الإرهاب والعدوان..

شعبنا الفلسطيني وصل إلى هذه الحقائق مبكراً، وأيقن من تجربته النضالية وعمرها "100" أن الحق بلا قوة  يبقى ضعيفاً، ولا بد من قوة لحماية هذا الحق واسترجاعه، ومن هنا قرر الصمود والمقاومة والانغراس في الأرض، والاعتماد على نفسه، قبل أن يطلق  شاعره العظيم صيحته المشهورة "يا وحدنا".. مستلهماً تجارب الشعوب المناضلة.. التجربة الفيتنامية والجزائرية والصينية ..الخ.. كسبيل وحيد لاقتلاع الاحتلال وتحرير الأرض كل الأرض، وإقامة الدولة وتحقيق حق العودة..

وها هو يبدأ رحلة العودة من غزة... وسيعود حتماً... ما دامت إرادة الحياة... إرادة المقاومة والاستشهاد باقية، تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل...
طال الزمن أم قصر... ومن يعش ير.    

رشيد حسن
صحيفة الدستور الأردنية