ماذا حققت سوريا بتحرير ريف حمص الشمالي؟

ماذا حققت سوريا بتحرير ريف حمص الشمالي؟
الجمعة ١٨ مايو ٢٠١٨ - ٠٨:٢٤ بتوقيت غرينتش

تسارعت في الفترة الأخيرة عمليات تحرير المناطق التي كان يسيطر عليها الإرهابيون في سوريا، واللافت في هذه العمليات، أن هؤلاء الإرهابيين فقدوا تلك القدرة على المواجهة، والتي كانت تُميّز معاركهم وطريقة قتالهم..

العالم -  مقالات وتحليلات

وحيث بدوا وكأنهم استسلموا لمصيرهم مقتنعين أن معركتهم انتهت بمواجهة الجيش السوري، يمضي الأخير بثبات على طريق تحرير كامل الجغرافيا السورية، ومنها مؤخراً نجاحه في تحرير ريف حمص الشمالي بالكامل، فماذا حققت الدولة السورية بعد تحرير الريف الأخير؟

* جغرافيا

– بعد أن تم تحرير كامل محافظة حمص، دون التنف على الحدود مع العراق شرقاً حيث ما زال الاميركيون يحتلون قاعدة عسكرية، استعادت الدولة السورية المحافظة الأكبر مساحة في البلاد، والتي تجمع الحدود مع لبنان والحدود مع العراق، بالاضافة لكونها الرابط لأغلب المحافظات الحيوية في سوريا: دير الزور، الرقة، حلب، حماه، اللاذقية ودمشق، وبعد تحريره ريف حمص الشمالي، يكون الجيش العربي السوري قد انتزع من الارهابيين عقدة المواصلات الأكثر حيوية بين مدن حمص وحماه وحلب وطرطوس فاللاذقية.

– أصبحت الآن الطريق الدولية التي تجمع دمشق مع حلب جاهزة لأن تكون سالكة بالكامل، حيث من المنتظر إكمال بعض الإجراءات الميدانية بين خان شيخون وسراقب فحلب، والتي تعمل عليها روسيا مع تركيا كضامنة لارهابيي ومسلحي ادلب.

* ميدانيا

– بعد خسارة الارهابيين ورعاتهم نقطة الارتكاز الحيوية في الغوطة الشرقية، والتي كان مقدراً لها أن تكون نقطة الربط مع التنف شرقا، لتنفيذ أي عملية اختراق للعاصمة دمشق، ها هم اليوم (الارهابيون) بعد تحرير ريف حمص الشمالي، يخسرون نقطة الارتكاز الحيوية الاخرى، والتي كان مقدراً لها أن تكون نقطة الربط مع ادلب، للضغط باتجاه الساحل السوري أو باتجاه مدينة حمص.

– بتحريره ريف حمص الشمالي، يكون الجيش العربي السوري قد استعاد كامل المحاور التي تربط وحداته العسكرية بين العاصمة والشرق والشمال والساحل، وبالتالي يكون قد انتزع من الارهابيين اية امكانية لإعاقة أو تأخير وحداته العسكرية، والتي أصبحت جاهزة لتنفيذ أي انتشار أو انتقال دعماً للمتطلبات الميدانية لمعركتها ضد الارهاب.

– طالما كانت جبهات الجيش العربي السوري في ريف حمص الشمالي قبل تحريره، تتطلب قدرات وجهود عسكرية غير بسيطة، الامر الذي يحرر تلك القوى الان للاستفادة منها بتعزيز العديد من الجبهات الاخرى، جنوبا او شرقا او شمالا، والتي من الممكن قريبا ان تكون مسرحا لعمليات استكمال التحرير.

* استراتيجيا

– لا يمكن بعد تحرير ريف حمص الشمالي، الا أن يمتلك الجيش العربي السوري، وبالتالي الدولة السورية، نقاطا ايجابية مهمة في المفاوضات المرتقبة مع المعارضين (ما يسمى المسلحين المعتدلين)، وحيث كان هؤلاء يستغلون سيطرتهم الميدانية على عدة مواقع ومنها ريف حمص الشمالي، للضغط في عمليات التفاوض المختلفة، فقدوا الآن بعد تحرير الريف الاخير تلك النقاط.

– بعد أن أنهى الجيش العربي السوري عملية التسوية في ريف حمص الشمالي بسرعة لافتة، مقارنة مع التسويات الأخرى سابقاً، كان ذلك مؤشر واضح على أن المسلحين (ارهابيين أو معتدلين) قد اقتنعوا بعدم الجدوى من اكمال معاركهم، وهذا من ناحية سوف ينسحب حتماً على عمليات التسويات المرتقبة في مناطق أخرى، ومن ناحية ثانية، يُفقد رعاة المسلحين من الدول الغربية والاقليمية، والذين طالما راهنوا عليهم للحرب على سوريا، إمكانية استغلالهم بفعالية لتنفيذ مخططاتهم كما في السابق، وبالتالي تتثبت وتتوسع من خلال ذلك سيطرة الدولة السورية على كامل جغرافيتها أكثر فأكثر.

وأخيرا … ربما يكون لعملية تحرير ريف حمص الشمالي كما ذُكر اعلاه اكثر من اهمية ميدانية واستراتيجية، ولكن لا يبدو ان الجيش العربي السوري سيكتفي بتلك العملية، وهو طبعا ليس في صدد تخفيف اندفاعته القوية باتجاه كل المناطق والمحافظات، وحيث انه من جهة يترك باباً للتفاوض وللتسويات حفاظا على المدنيين، ومن جهة أخرى يناور مع حلفائه الروس تبعا للمعطيات الاستراتيجية والدولية الحساسة، ولكن من الواضح أنه ثابت في معركته المقدسة، ومدعوم من حلفائه في محور المقاومة، هو ماضٍ قُدمُاً حتى النهاية، لتحرير كامل الجغرافيا السورية، ولفرض سلطة وشرعية وسيادة الدولة على كامل التراب السوري.

شارل أبي نادر – عميد متقاعد/ العهد

103-2