مظاهرات تونس ..اكبر تحد لابن علي

السبت ٠١ يناير ٢٠١١ - ٠٢:٤٤ بتوقيت غرينتش

هزت المظاهرات المكثفة التي شهدتها وتشهدها تونس هذه الأيام، النظام التونسي هزا شديدا، وكشفته أمام الجماهير التونسية، وجعلته يعيش أسوأ أيامه.وجاء في تقرير نشره موقع الحوار نت امس الجمعة: ان نظام الرئيس التونسي واحد من أشد الأنظمة العربية قمعًا لمواطنيه ومصادرة لحقوقهم السياسية والإعلامية، وسوابقه في هذا المضمار كثيرة ومتعددة.واوضح: "انه ربما كانت حساسية الرئيس زين الدين بن علي من الحريات السياسية ومن النقد ومن مطالبة النقابات والجمعيات والأحزاب بالحريات بجميع أنواعها مرجعها إلى أنه رجل أمن بالأساس، حيث كان وزيرًا للداخلية، كما أنه لا يعترف بالحركات الاحتجاجية الاجتماعية ولا بح

هزت المظاهرات المكثفة التي شهدتها وتشهدها تونس هذه الأيام، النظام التونسي هزا شديدا، وكشفته أمام الجماهير التونسية، وجعلته يعيش أسوأ أيامه.

وجاء في تقرير نشره موقع الحوار نت امس الجمعة: ان نظام الرئيس التونسي واحد من أشد الأنظمة العربية قمعًا لمواطنيه ومصادرة لحقوقهم السياسية والإعلامية، وسوابقه في هذا المضمار كثيرة ومتعددة.

واوضح: "انه ربما كانت حساسية الرئيس زين الدين بن علي من الحريات السياسية ومن النقد ومن مطالبة النقابات والجمعيات والأحزاب بالحريات بجميع أنواعها مرجعها إلى أنه رجل أمن بالأساس، حيث كان وزيرًا للداخلية، كما أنه لا يعترف بالحركات الاحتجاجية الاجتماعية ولا بحركة الشارع.. والحل عنده هو القمع، وهذا ما يفسر طريقة وصوله للحكم، حيث لم يستخدم أية طريقة سياسية في ذلك، إنما انقلب على الرئيس بورقيبة الذي عينه ووثق فيه وجعله وزيرًا فخرج عليه وعزله وحدد إقامته".

وتابع التقرير "رغم المضمون الاجتماعي للحركة الاحتجاجية الأخيرة في تونس، إلا إنها كانت تعبيرًا عن حالة من الغليان الشعبي ضد مظاهر الفساد الذي انتشر في أعلى السلطة، والناتج عن انعدام الرقابة على الأجهزة التنفيذية، بالإضافة إلى تفشي الرشوة والمحسوبية، وعدم نجاعة الخطط والبرامج الحكومية، والتفاوت الكبير في برامج التنمية بين المناطق التونسية المختلفة".

وصرح : "إذا كان نظام الرئيس ابن علي قد ركز على التطوير الاجتماعي والاقتصادي كبديل وكمتنفس للشعب التونسي عن المطالبة بالتغيير والإصلاح السياسي والانتخابات النزيهة وتداول السلطة، واستبدل بكل ذلك القبضة الأمنية، فإن الفشل في عدم تطوير الاقتصاد التونسي بشكل يوفر فرص العمل للشباب جعل الشارع التونسي ناقما على حاليه؛ السياسي والاجتماعي، ولم يعد الحل الاجتماعي دافعًا للتونسيين عن الانصراف عن العمل السياسي والشأن العام".

وراى التقرير: ان الاحتجاجات جاءت لتؤكد أن الفشل الاقتصادي والاجتماعي ناتج عن فشل وديكتاتورية سياسية، وأثبتت الاحتجاجات أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لا معنى لها بدون إصلاحات سياسية. فالفساد السياسي مناخ موات لخدمة طبقة واحدة هي طبقة السياسيين والمحاسيب، بينما يتحول باقي الشعب إلى فقراء متفرجين، وربما كانت هذه الهبّة الشعبية هي مدخل الشعب التونسي للتحرر من الخوف ومن قبضة النظام القمعي.

واضاف التقرير :"وكانت الأوضاع تتأزم تدريجيًا، وكان الاحتقان يتم داخليًا دون أن يكون له مظاهر مجتمعية مؤثرة، إلى أن قام الشاب الجامعي محمد بوعزيزي بإحراق نفسه في السادس عشر من ديسمبر بمدينة سيدي بوزيد وأمام مقر الولاية كما كان الحادث مأساويًا، ويعبر عن حالة كبيرة من اليأس سيطرت على هذا الشاب بعد أن سدت في وجهه كل السبل، فقد حارب ظروف أسرته الفقيرة حتى يحصل على شهادته الجامعية التي ظن أنها ستغير حاله وحال أسرته، لكن خاب ظنه فتحول إلى بائع متجول لإعالة أفراد عائلته الثمانية مستعينًا بعربة والده التي تركها بعد موته، ولكن كما هي عادة النظام السياسي القمعي وأجهزته الفاسدة المتغطرسة، بدلاً من أن يراعوا حال هؤلاء الفقراء الذين أفقرتهم سياسات النظام وفساده قامت البلدية بمصادرة بضاعته وإهانته، وحينما أراد أن يقابل المحافظ لم يستطع. هنا دب اليأس في نفس الشاب الجامعي، فسكب البنزين على ملابسه، وأشعل النار في نفسه، قبل أن يتم نقله للمستشفى".

وكذلك جاء في تقرير ان "رد فعل الشاب التونسي زلزل المواطنين في منطقة سيدي بوزيد، وهم الذين يعاني كثير من شبابهم ما يعانيه هذا الشاب، فتجمعوا رافعين شعارات تطالب بتوفير العمل والنهوض بمدينتهم ومنطقتهم، لكن النظام القمعي يرفض بشكل مطلق التظاهر والاحتجاج بأي شكل من أشكاله، حتى لو كان بشكل سلمي عفوي، وحتى لو لم يكن له أي دوافع سياسية، وقد أدى تدخل قوى الأمن للرد على المظاهرات والاحتجاجات إلى مزيد من استفزاز الناس اليائسين والمحبطين، فأوجد ذلك مناخًا مواتيًا لنمو وتصاعد واستمرار الأحداث".

ولأن مدينة سيدي بوزيد تشهد اعتصامًا لحاملي الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل، فقد مثّل ذلك رافدًا لحركة الاحتجاجات الاجتماعية التي تواصلت واكتسبت زخمها بعد انتحار شاب آخر من نفس المنطقة هو حسين فالحي (25 عامًا) في الثاني والعشرين من ديسمبر إثر تسلق عمود كهربائي احتجاجًا على ما يمر به من بطالة وظروف بائسة.

ومثلت حالة الانتحار وقودًا إضافيًا لحركة الاحتجاجات التي أخذت في الانتشار والخروج خارج سيدي بوزيد إلى باقي مناطق الولاية مثل المكناسي وجلمة والرقاب وسيدي علي بن عون والمزونة وبئر الحفي وسوق الجديد، وفي كثير من المظاهرات كانت قوات الأمن تنفذ تعليمات النظام المرعوب من حركة الاحتجاجات في الشارع فتحاول جاهدة منع المظاهرات ويحدث الاحتكاك والتراشق بينها وبين المتظاهرين.

وبعد انتحار الشاب حسين فالحي صعقًا بالكهرباء، جاء الحادث الأكثر تأثيرًا في حركة التظاهر والاحتجاج، ففي الرابع والعشرين من ديسمبر يسقط الشاب محمد بشير العماري (24 عامًا) وأحد خريجي الجامعة العاطلين بمدينة منزل بوزيان، قتيلاً برصاص قوات الأمن، في جريمة جديدة للنظام التونسي الذي لم يستطع تحمل احتجاج الشباب الأعزل فتعامل معهم بالرصاص الحي، مما أعطى زخمًا كبيرًا للمظاهرات والاحتجاجات التي أفرزت قياداتها الذاتية وأثبتت للجميع أنها حركة عفوية لم تخطط لها أية جهة سياسية أو نقابية أو حزبية، وهو ما أوقع النظام في أزمة كبيرة.

وتابع التقرير : "تصور رموز النظام التونسي أن الأمر هيِّن، وأن العصا الأمنية الغليظة والباطشة ستنهي الأمر، إلا أن سقوط القتلى وخاصة مع انتحار شاب رابع عاطل عن العمل غرقًا ببئر بمنطقة القوادرية الريفية التابعة لمحافظة سيدي بوزيد للظروف نفسها، ومع دخول العشرات من عناصر قوات الأمن ومن المواطنين لتلقي العلاج في مستشفى سيدي بوزيد إثر المواجهات الدامية، هنا أدرك النظام أن سياسة المعالجة الأمنية لن تجدي، كما أن التقليل من أهمية ما حدث وإصدار البيانات الكاذبة لن يجدي هو الآخر، فاضطرت الدولة إلى الاعتراف بالمشكلة، وإلى نصف الكذب بدلاً من الكذب الكامل، فصدرت الأوامر إلى قوات الأمن بتجنُّب الدخول في مواجهات مع النقابيين الذين يتجمعون في وقفات احتجاجية، وسمحت لهم بالتجمع والتظاهر، لأنه تأكد لها أن الحل الأمني سيعمل على تصعيد الأمور وليس على حلها".

والخبراء يؤكدون أن البطالة في سيدي بوزيد مرجعها إلى أن الولاية تفتقر للحد الأدنى من البنية التحتية والهياكل الاقتصادية، وأن برامج وخطط التنمية المعتمدة في المنطقة أعطت الأولوية للقطاع الخاص وأعفت الدولة من دورها التنموي ومن مسئوليتها، وهو ما نتج عنه عدم وجود قاعدة اقتصادية تضمن توفير فرص عمل مناسب وخاصة لحاملي الشهادات الجامعية، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في هذه المنطقة بما يفوق النسبة العاملة للبطالة في تونس. لكن الحكومة أبت أن تعترف بالحقيقة، وراوغت، وادعت أن جهودها أسهمت في تخفيض نسبة البطالة، والتحكم فيها بما لا يتجاوز المعدل الوطني العام.

وبحسب التقرير فقد أوعزت الدولة في البداية إلى أجهزة إعلامها بتجاهل الأحداث أو تزويرها، وتقديم روايات كاذبة عن "القلة المندسّة"، لكن مع تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات ومع استخدام قادة الاحتجاجات لوسائل الإعلام الإليكتروني عبر مواقع الفايسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، وهي المواقع التي لعبت مع أجهزة الهاتف النقالة دورًا حاسمًا في نقل الأحداث بالصوت والصورة بشكل شبه فوري، ومع الاتصال بالفضائيات العربية والأجنبية، ومع قطع الطريق على بيانات الدولة الكاذبة، بدأ النظام يدرك أنه في مأزق، ولا بد من التعامل معه بأسلوب واقعي، وليس بأسلوب البيانات الكاذبة، هنا بدأ إعلام الدولة يتحدث عن المشكلة بأسلوب واقعي، يحدد أبعادها ويستمع إلى آراء الخبراء، حتى وإن كان الاعتراف منقوصًا أو مشوهًا لكنه على أي حال أفضل من التجاهل أو الكذب والاختلاق.

وأوفدت الحكومة وزير التنمية والتعاون الخارجي إلى منطقة الاحتجاجات، حيث أعلن عن تخصيص 15 مليون دينار تونسي لمشروعات عاجلة بولاية سيدي بوزيد من أجل توفير فرص عمل سريعة، وكان الوزير منطقيًا بقوله: إن مطالب الشباب بحق الشغل مشروعة، لكن ذلك لا يبرر استعمال العنف في الاحتجاجات، ودعا إلى الحوار مع جميع الأطراف الاجتماعية لإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة.

وإذا كان الوزير قد تحدث عن أن الحكومة وضعت برنامجًا بقيمة خمسة مليارات دولار لتحقيق التنمية الشاملة في جميع جهات البلاد, إلا أن الخبراء يرون أن هذه الميزانية لا تكفي لتحقيق التنمية في جميع المناطق بتونس، وطالبوا بتخصيص موارد أكثر، والاهتمام بكل مناطق البلاد، وإقرار الشفافية لإنجاح مسار التنمية. وحذر الخبراء في محافظة سيدي بوزيد من أن عدم تدارك السلطة للوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم بالمحافظة من خلال حلول جذرية قد يؤدي إلى عصيان مدني يمتد إلى محافظات مهمشة أخرى، وشككوا في إجراءات الحكومة, واتهموها بمحاولة الالتفاف على الحركة الاحتجاجية، وأكد هؤلاء الخبراء أن الحل يتمثل في الحق في التنمية، وفي العمل، والتوزيع العادل للثروة، والقضاء على الفساد الذي ينخر أجهزة الدولة، وفي فتح السلطة لباب الحوار مع ممثلي المجتمع المدني، وعدم لجوئها للحل الأمني.

أخطر ما في احتجاجات سيدي بوزيد أنها ليست الأولى التي تندلع خلال العام الحالي (2010)؛ فخلال شهر أغسطس الماضي، حدثت مواجهات لا تقل حدة بمنطقة بنقردان الواقعة على الحدود التونسية الليبية. ومن 5 يناير إلى منتصف يونيو 2008 عاشت منطقة الحوض المنجمي (جنوب غربي تونس) حالة احتجاج استمرت عدة أشهر. كما حدثت احتجاجات محدودة في مناطق أخرى مثل فريانة والصخيرة وجبنيانة، وهو ما يؤكد أن المناطق المهمشة تزداد اتساعًا بما يؤكد فشل برامج الدولة الاقتصادية والاجتماعية.

ربما كانت ظاهرة بطالة خريجي التعليم العالي في تونس إحدى مظاهر الأزمة وليس كل الأزمة، فالأزمة كبيرة ومعقدة، والمشكلة الأكبر هي تطوير الاقتصاد التونسي ككل، وجذب الاستثمارات إليه، وتحمل الدولة لمسئوليتها في إقامة مشروعات توفر فرص عمل كبيرة، بالإضافة إلى الحلول السياسية التي تعالج إحساسًا عميقًا لدى فئات عريضة من الشباب بانسداد الآفاق وعدم تمتع المواطنين بحيّز كافٍ من الحرية للتعبير عن آرائهم، والمشاركة الفعلية في الحياة العامة لوطنهم.