دبلوماسية مصر في حوض النيل والشرق الأوسط

السبت ٠١ يناير ٢٠١١ - ٠٨:٤٢ بتوقيت غرينتش

تميزت الدبلوماسية المصرية بالعمل ضمن محورين، لجهة تعزيز حماية الأمن القومي المصري، الأول المحور السوداني لجهة ارتباطه بملف مياه النيل، والثاني المحور الشرق أوسطي لجهة ارتباطه بمخاطر الصراع العربي الإسرائيلي: فما هي طبيعة الدبلوماسية الوقائية المصرية خلال الفترة القادمة على خلفية المعطيات الجديدة وتداعياتها على مستقبل الدور المصري في المنطقة؟* مسرح الدبلوماسية الوقائية المصرية: توصيف المعلومات الجاريةخارطة حوض النيل

تميزت الدبلوماسية المصرية بالعمل ضمن محورين، لجهة تعزيز حماية الأمن القومي المصري، الأول المحور السوداني لجهة ارتباطه بملف مياه النيل، والثاني المحور الشرق أوسطي لجهة ارتباطه بمخاطر الصراع العربي الإسرائيلي: فما هي طبيعة الدبلوماسية الوقائية المصرية خلال الفترة القادمة على خلفية المعطيات الجديدة وتداعياتها على مستقبل الدور المصري في المنطقة؟

 

* مسرح الدبلوماسية الوقائية المصرية: توصيف المعلومات الجاريةخارطة حوض النيل

على أساس الاعتبارات الوقائية، كان من المفترض أن تكون الدبلوماسية المصرية الأكثر اهتماماً لجهة القيام بجملة من الترتيبات، ويمكن الإشارة إلى ذلك ضمن التساؤلات الآتية:

 

• رصد التطورات الجارية في منطقة وادي النيل ومنطقة شرق المتوسط، فهل رصدت الدبلوماسية المصرية احتمالات انفصال جنوب السودان، واحتمالات أن تقرر حكومة نتنياهو التخلي عن بنود عملية سلام الشرق الأوسط، وسعي المحكمة الدولية إلى تزوير الحقائق وبناء الملفات المفبركة ضد رموز المقاومة اللبنانية؟

 

• التدخل لاحتواء المشاكل قبل استفحالها. وفي هذا الخصوص تشير المعطيات المثبتة إلى أن القاهرة لم تسعَ مطلقاً لجهة التدخل من أجل احتواء أزمة الملف السوداني أو أزمة الملف الفلسطيني أو أزمة الملف اللبناني، وكانت دائمة السعي لجهة حث الأطراف على القبول بالأمر الواقع الأميركي-الإسرائيلي.

 

• إطلاق الأنشطة التي تسعى لمواجهة جذور المشاكل: وفي هذا الخصوص لم تسعَ القاهرة إلى تعزيز أي حوار أو تفاهم يتصدى لمعالجة جذور المشاكل العالقة في محاور الدبلوماسية الوقائية المصرية، وبدلاً عن ذلك ظلت الدبلوماسية المصرية تتعامل مع المعطيات الجارية لجهة دفعها من أجل الصراع ضد الطرف الآخر، فقد ظلت القاهرة تدعم حركة التمرد الانفصالي الجنوبية، وتعادي نظام الخرطوم الوحدوي، وفي نفس الوقت ظلت أكثر اهتماماً بدعم حركة فتح ومعاداة حركة حماس الفلسطينية، ثم دعم قوى 14 آذار اللبنانية ومعاداة قوى المقاومة اللبنانية.

 

• اعتماد استخدام آليات الإنذار المبكر لجهة الكشف عن المخاطر قبل وقوعها، وفي هذا الخصوص فقد ظلت الدوائر الدبلوماسية المصرية أكثر تأكيداً لجهة عملها بالخلفيات والتعذر بأنها قد تفاجأت بما حدث، علماً بأن كل المؤشرات والمعطيات الجارية توضح وتكشف بشفافية وصراحة عن ما سوف يحدث غداً وبعد غد في منطقة وادي النيل ومنطقة الشرق الأوسط.

 

• الإدراك الترابطي لجهة الصلة بين المخاطر الدولية والمخاطر الإقليمية والمخاطر الداخلية، وفي هذا الخصوص برغم من أنه من المعروف بوضوح تام أن قيام القوات الإسرائيلية باستهداف الفلسطينيين سوف تؤدي إلى إثارة غضب الرأي العام المصري، وبدلاً من السعي لردع العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين سعت السلطات المصرية لجهة ردع المصريين الغاضبين.

 

الآن سوف ينفصل جنوب السودان، وسوف تصبح دول حوض النيل الأخرى أكثر تصلباً لجهة فرض مواقفها حول طريقة توزيع حصص مياه النيل، والآن أيضاً أصبح قطاع غزة الفلسطيني أكثر تعرضوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ووزير المخابرات العامة المصرية عمر سليماناً لاحتمالات شن القوات الإسرائيلية لعدوان جديد، ودخلت السلطة الفلسطينية في مأزق الحلقة التفاوضية المغلقة، وأصبح قرار المحكمة الدولية على وشك أن يصدر بما يمكن أن يؤدي إلى إشعال لبنان سياسياً وعسكرياً، فما الذي سوف تسعى الدبلوماسية المصرية لجهة القيام به ضمن جهودها الوقائية، ليس لدعم السودان والفلسطينيين ولبنان وحسب، وإنما لدعم وحماية أمن مصر نفسها إذا أخذنا في الاعتبار المثل السائد القائل:"أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".

 

* مقاربة الدبلوماسية المصرية: بين الخيار العربي والخيار الأميركي؟

توجد أمام الدبلوماسية –أي دبلوماسية- ثلاثة خيارات: إما القيام بدور الطرف الأول أو الطرف الثاني في علاقات التعاون أو علاقات الصراع أو القيام بدور الطرف الثالث الذي يسعى لجهة القيام بثلاثة أدوار: الدعم السلبي، الدعم الإيجابي، الوقوف على الحياد.

 

وتأسيساً على ذلك، فقد سعت الدبلوماسية المصرية خلال الفترة التي أعقبت اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية لجهة القيام بدور الطرف الثالث وفقاً لمعطيات سيناريو الطرف الثالث الإيجابي الذي يسعى إلى تحقيق تسوية الخلافات وحل الصراع وصولاً إلى تحقيق السلام، وبالمقابل فقد ظلت أميركا ومن ورائها إسرائيل إلى الضغط على القاهرة بشتى الوسائل من أجل توجيه جهود الدبلوماسية المصرية بما يجعل الدبلوماسية المصرية أمام خيارين لا ثالث لهما:

 

- خيار الدعم السلبي الذي يسعى لإضعاف خصوم إسرائيل في المنطقة، ويبدو ذلك واضحاً من خلال موقف الدبلوماسية المصرية إزاء الملف اللبناني وأزمة الملف الفلسطيني. أما بالنسبة للملف السوداني فحدِّث ولا حرج: إن أول من سعى في منتصف تسعينات القرن الماضي للمطالبة أمام مجلس الأمن الدولي والحكومة الأميركية لجهة إصدار قرار فرض العقوبات على السودان هو الحكومة المصرية، وتحديداً وزير الخارجية آنذاك عمرو موسى الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية.

 

- خيار الواقف على الحياد، وهو الخيار الذي أصبح مفروضاً على الدبلوماسية المصرية إضافة إلى أنه بمرور الزمن وتزايد الضغوط لم يعد خياراً حيادياً متوازناً، وفي الوقت الذي كانت تقوم فيه القوات الإسرائيلية تقوم بتنفيذ عملية الرصاص المسكوب ضد سكان قطاع غزة، لجأت القاهرة ليس إلى إغلاق منفذ معبر رفح وحسب، وإنما إلى عدم اعتراض إحدى الشركات المصرية لجهة القيام بتزويد القوات الإسرائيلية باحتياجاتها من الأكل والشرب.

 

لسنا في معرض توجيه الانتقادات ضد الدبلوماسية المصرية، وإنما نحن بصدد الحديث عن ضرورة الإصلاح الشامل لهياكل وقيم وتفاعلات هذه الدبلوماسية الفائقة الأهمية بالنسبة للبلدان العربية وعموم منطقة الشرق الأوسط، وبكلمات أخرى، لحماية الدبلوماسية المصرية من مخاطر الانكشاف الكامل، طالما أنه سوف لن يكون انكشافاً ضاراً بالبلدان العربية وحسب، وإنما بمكانة ووزن مصر نفسها، بدليل أن مصر التي كانت قوية بالأمس، أصبحت اليوم ضعيفة بفضل هذه الدبلوماسية.

*الجمل