2/1/2011 فهمي هويدي fahmyhoweidy.blogspot.com

الأحد ٠٢ يناير ٢٠١١ - ٠٥:٤٧ بتوقيت غرينتش

غسل مجلس الشعبفي الصحف القومية المصرية جهد ملحوظ لغسل مجلس الشعب وتبييضه، لا يختلف كثيرا عن عمليات غسل الأموال وتبييضها. عن طريق محاولة إيداعها في البنوك لإكسابها الشرعية وتنظيفها من مصادرها غير المشروعة التي تتراوح بين السرقة والاحتيال والاتجار في المخدرات.ذلك أنه بعد تزوير الانتخابات واللعب في الدوائر. مما شوه كثيرا صورة مجلس الشعب الذي تم اختطافه لصالح الحزب الوطني الحاكم. فإن المهمة التالية كانت البحث في كيفية تحسين صورته لكي يبلعه الناس، ويقتنعوا بأنه مجلس حقيقي ومحترم شأنه شأن المجالس النيابية المتعارف عليها.

غسل مجلس الشعب

في الصحف القومية المصرية جهد ملحوظ لغسل مجلس الشعب وتبييضه، لا يختلف كثيرا عن عمليات غسل الأموال وتبييضها. عن طريق محاولة إيداعها في البنوك لإكسابها الشرعية وتنظيفها من مصادرها غير المشروعة التي تتراوح بين السرقة والاحتيال والاتجار في المخدرات.

ذلك أنه بعد تزوير الانتخابات واللعب في الدوائر. مما شوه كثيرا صورة مجلس الشعب الذي تم اختطافه لصالح الحزب الوطني الحاكم. فإن المهمة التالية كانت البحث في كيفية تحسين صورته لكي يبلعه الناس، ويقتنعوا بأنه مجلس حقيقي ومحترم شأنه شأن المجالس النيابية المتعارف عليها.

 

لا أستبعد أن يكون الذين أداروا العملية قد عقدوا اجتماعا بعدما تحقق مرادهم وأعلنت النتائج على النحو المرسوم. إذ اطمأنوا إلى تمام انفراد الحزب الوطني بالمجلس، وإقصاء كل الذين رفعوا أصواتهم وشاغبوا في المجلس السابق، واستبدالهم بنماذج مدجنة تجيد تنفيذ التعليمات.

وحينئذ طرح عليهم السؤال التالي:

بعد تجريد المجلس من الصوت العالي، وتطهيره من المعارضة، وبعدما استراح الحزب والحكومة من الصداع والإحراجات التي سببته لها، كيف يمكن إنقاذ سمعة المجلس من ناحية، وكيف يمكن تسخين جلساته لكي يصدق الناس أنه يختلف عما توقعوه أو تصوروه؟

 

حينئذ انبرى كبيرهم قائلا،

لا تقلقوا على سمعة المجلس، فأمامنا خمس سنوات نستطيع أن نعالج فيها التشوهات التي لحقت به.

ولا تنسوا أنه «سيد قراره» وأن الطعون التي تقدم فيه يمكن احتواؤها. ورئاسة المجلس لديها خبرة كافية في لفلفة هذه الأمور وتقفيل ملفاتها. ثم إن لدينا تفاهما مع بعض القضاة لاتخاذ اللازم في وقت الحاجة. ولأن الشق القانوني مقدور عليه، فإن الأداء خلال السنوات الخمس القادمة هو المعول عليه.

 

وإذا كانت العناصر المعارضة قد غابت عن المجلس، فلماذا لا يقوم الحزب الوطني بهذا الدور. صحيح إنه حزب الحكومة كما أنها حكومة الحزب، ولكن ذلك لا يمنع من أن يتولى بعض الأعضاء المضمونين مهمة المعارضة، لإضفاء الحيوية المطلوبة على الجلسات. وتلك هي الوسيلة الأنجح في تحسين الصورة. ولا غضاضة في ذلك لأن الجميع عند التصويت سيكونون ملتزمين بتعليمات الحزب.

 

رغم أن هذا الذي قلته من وحى الخيال، إلا أنني دهشت حين قرأت الصحف القومية التي صدرت بعد بدء الدورة البرلمانية، وكدت اقتنع بأن ذلك ما حدث فعلا. فقد عقد مجلس الشعب أولى جلساته يوم الثلاثاء الماضي 28 ديسمبر

. وكانت الجلسة عادية للغاية، أبرز ما فيها أن أحد الأعضاء، السيد زكريا عزمي وجه انتقادا لسياسة وزير الصحة فى بعض الأمور. ولكن جريدة الأهرام خرجت بعنوان رئيسي «مانشيت» في اليوم التالي مباشرة يقول:

أول مواجهة ساخنة بين نواب الشعب والحكومة.

وفي الخبر المنشور تحت العنوان أن نواب الشعب (لاحظ التعميم الذي لم يذكر أنهم نواب الحزب) وجهوا في أول مواجهة بين المجلس الجديد والحكومة «انتقادات عنيفة» لوزير الصحة... الخ.

 

جريدة «روزاليوسف» رفعت سقف التسخين عاليا فذكرت على صفحتها الأولى أنه:

من أول جلسة «معارضة الوطني» تلهب مجلس الشعب.

وأشارت في الخبر إلى أن «معارضة الحزب الوطني» ألهبت جلسات مجلس الشعب خلال مناقشة 44 طلب إحاطة و9 أسئلة حول مشكلات العلاج على نفقة الدولة والخدمات الصحية، منها 42 طلب إحاطة قدمها نواب الوطني.

 

إذا دققت في الكلام ستكتشف أن الجريدة ابتدعت مصطلح «معارضة الوطني»، بما يوحى بأن الحزب الوطني «حماه الله» أصبح يقوم بالدورين معا، فهو يحكم ويعارض في نفس الوقت.

ثم إنها نفخت في الجلسة وزايدت على وصف ما جرى بأنه «انتقادات عنيفة»، كما ذكرت الأهرام، قائلة إن الجلسة كانت «ملتهبة»، لمجرد أن أحد الأعضاء انتقد وزير الصحة.

(ماذا يمكن أن يحدث لو أنه انتقد رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية).

 

إذا لاحظت أيضا الإشارة إلى أن نواب الوطني قدموا 42 من 44 طلب إحاطة إلى رئيس المجلس، فربما أقنعك ذلك بأن الحزب الوطني «اكتسح» المعارضة، تماما كما اكتسح الانتخابات.

 

أما ما كان طريفا حقا فهو العنوان الذي احتل قلب الصفحة الأولى لجريدة «المصري اليوم» في أعقاب الجلسة الثانية، وذكرت فيه إن زكريا عزمي يتزعم المعارضة في البرلمان. وهو عنوان واسع حبتين، لأنه السيد عزمي رغم أنه نائب محترم، إلا أنه في النهاية رئيس ديوان رئيس الجمهورية.

وإذا صح العنوان المذكور فإنه يعنى أن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب الحاكم الذي يعين رئيس الحكومة، أما زعيم المعارضة فهو رئيس ديوان رئيس الجمهورية!

 

لقد تواضعت أهدافنا، بحيث لم تعد تعترض على تبييض وغسل مجلس الشعب وتجميل وجهه، وإنما صرنا نسأل

ألا يوجد خبراء يستطيعون أداء المهمة بأسلوب أكثر ذكاء وحيل أفضل إتقانا؟.

.......................................