4/1/2011فهمي هويدي fahmyhoweidy.blogspot.com

الثلاثاء ٠٤ يناير ٢٠١١ - ٠٨:١١ بتوقيت غرينتش

لماذا فشلنا؟ حين صدر لي منذ 25 عاما كتاب «مواطنون لا ذميون» فوجئت بالحفاوة التي استقبل بها بين أقباط مصر. وكانت فكرة الكتاب قد نشأت عندي بعد أحداث «الزاوية الحمراء» المؤسفة التي كانت من مقدمات الاشتباك بين المسلمين والأقباط. شجعني على ذلك أن بعض محتوياته نشرت كمقالات متفرقة في مجلة «العربي» الكويتية التي التحقت بها بعدما منعت من الكتابة في أواخر عهد الرئيس السادات، وأبلغني زميلي الأستاذ شفيق مرقس رحمه الله، أن بعضا من تلك المقالات كانت تعلق في كنائس القاهرة لكي يطالعها من لم يتابعها من الأقباط. موضوع الكتاب الأساسي كان يدافع عن فكرة مواطنة غير المسلمين ويعتبر

لماذا فشلنا؟

حين صدر لي منذ 25 عاما كتاب «مواطنون لا ذميون» فوجئت بالحفاوة التي استقبل بها بين أقباط مصر.

وكانت فكرة الكتاب قد نشأت عندي بعد أحداث «الزاوية الحمراء» المؤسفة التي كانت من مقدمات الاشتباك بين المسلمين والأقباط.

شجعني على ذلك أن بعض محتوياته نشرت كمقالات متفرقة في مجلة «العربي» الكويتية التي التحقت بها بعدما منعت من الكتابة في أواخر عهد الرئيس السادات، وأبلغني زميلي الأستاذ شفيق مرقس رحمه الله، أن بعضا من تلك المقالات كانت تعلق في كنائس القاهرة لكي يطالعها من لم يتابعها من الأقباط.

موضوع الكتاب الأساسي كان يدافع عن فكرة مواطنة غير المسلمين ويعتبرها جزءا من التفكير الإسلامي الأصولي، في حين أن مسألة الذمة كانت نظاما معمولا به قبل الإسلام ولا أصل له في التعاليم القرآنية.

أما المواطنة التي تحفظ للإنسان كرامته في المجتمع الذي ينتمي إليه، فتستند إلى النص القرآني الذي يقر الكرامة لكل إنسان. بصرف النظر عن دينه أو جنسه.

عارضت في الكتاب أيضا استخدام مصطلح «التسامح» كعنوان للعلاقة مع غير المسلمين، معتبرا أن ممارستهم لمواطنتهم بمثابة حق لهم، وليست تبرعا أو منحة من المسلمين، لهم أن يتطوعوا بها أو يحجبوها عنهم، الأمر الذي ينتقص من كرامتهم ويجعلهم رهينة لأهواء وحسابات الأغلبية.

مثل هذه الأفكار كانت محل حفاوة آنذاك، الأمر الذي جعلني أتصور أنني أضفت شيئا إلى إسهامات غيري من الباحثين المهجوسين بعافية الأمة وتلاحم عناصر الجماعة الوطنية فيها.

حين أستعيد هذه الخلفية الآن، أكتشف كم كنت بريئا وحسن الظن آنذاك، وكيف أن الكتابات التي سعت إلى مد الجسور وتحقيق الوفاق بين المسلمين والأقباط ذهبت أدراج الرياح وأن الغرس الذي زرعناه وقتذاك لم يطرح الثمار التي تمنيناها.

ولا أقول ذلك تأثرا بحدث التفجير الذي استهدف رواد كنيسة القديسين في الإسكندرية، ولكنى لاحظت مناخ ولغة المرارات في مشاعر وخطاب كثيرين من الدوائر المحيطة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن العالم الذي علقنا عليه الآمال قبل ربع قرن اختلف تماما، حتى صرنا الآن بإزاء مشهد آخر لم تخطر لنا قسماته على بال، أقل ما يمكن أن يقال في حقه أن شرخا حدث في العلاقات بين المسلمين والأقباط تحول بمضي الوقت إلى فجوة تزداد عمقا واتساعا حينا بعد حين.

وللأسف فإن جهود ترميم الشرخ أو ردم الفجوة حققت فشلا ذريعا، بحيث إن فكرة العيش المشترك تراجعت، وكدنا نصل إلى حالة «المساكنة»، التي يمكن أن تتطور إلى أسوأ إذا لم تتداركها العناية الإلهية، وإذا لم ينتبه الجميع إلى خطورة الآثار الناجمة عن تراكم المرارات وتكريس المفاصلة.

السؤال الذي يستحق أن نفكر فيه جيدا هو:

لماذا فشلت جهود تأسيس العيش المشترك؟

إذا استبعدنا العامل الخارجي أيا كان دوره، فعندي عدة ردود على السؤال.

أحدها أننا لم ننجح في التوصل إلى تشخيص صحيح للمشكلة، واختزلناها في بضع طلبات تتعلق ببناء الكنائس وشغل الوظائف وحصص التمثيل في المجالس المنتخبة والمناصب العليا. كأن المرارات سوف تختفي والنفوس سوف تصفو إذا تمت الاستجابة لتلك الطلبات.

هناك إجابة أخرى تقول إن سقف الطلبات يرتفع حينا بعد حين، وإن مطلب المساواة في الحقوق والواجبات لم يعد كافيا ولا مطلب التعايش بات مثيرا للحماس. وإنما استشعر أحد الطرفين أنه في مركز قوة يشجعه على أن يطلب من الطرف الآخر أن يتنازل عن بعض تكاليفه وتعاليمه. شجعته على ذلك حالة الضعف والوهن التي أصابت الدولة.

ثمة إجابة ثالثة تقول إن جسور الحوار الحقيقي لم تعد قائمة، وإن المؤسسات التي يمكن أن تنهض بهذه المهمة جرى تغييبها أو اختطافها، فصغر شأنها واختزلت في أشخاص آثروا استخدام الضغوط وممارسة لي الأذرع بديلا عن الحوار.

في إجابة رابعة إن هزال مظلة الدولة وهشاشتها دفعا البعض إلى الاحتماء بمظلة الطائفة وتعاملت المظلة الأخيرة مع الأولى باعتبارها ندا يقارعها وليس جزءا من مكونات الدولة.

الإجابة الخامسة تقول إن مناخ التعصب والحساسية أصاب الجميع، فظهرت أعراضه على الرأس والجسم عند طرف، في حين ظل الرأس محتفظا بتوازنه عند الطرف الآخر، وظهرت أعراض التعصب على الجسم لدى ذلك الطرف الآخر. وأحدث ذلك خللا في قنوات الاتصال أصبح خارجا عن السيطرة.

الإجابة السادسة تقول إن جوهر المفاصلة الحقيقية ليس بين المسلمين والأقباط ولكنه بين السلطة والمجتمع، وإن الطرفين الأخيرين إذا تصالحا فإن ذلك يمهد الطريق للمصالحة المنشودة بين المسلمين والأقباط

ــ هل لك رأي آخر؟.