الرئيس الأسد يعيد "الشرقية" إلى واجهة الحدث السوري

الرئيس الأسد يعيد
السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٨ - ٠٦:٤٩ بتوقيت غرينتش

تنتشر «قوات سورية الديمقراطية» في مساحة واسعة تمتد من مناطق غرب الفرات بريف حلب الشرقي وصولاً إلى الحدود مع العراق في محافظتي الحسكة ودير الزور، وتمتلك هذه القوات خطوط تماس مباشرة مع الجيش السوري في مناطق ريف دير الزور الشمالي، وريف الرقة الجنوبي الغربي، وشهدت هذه الخطوط عدة مرات اشتباكات بين الجيش وقوات «قسد» المدعومة من قوات الاحتلال متعددة الجنسيات، إلا أن خارطة السيطرة لم تتبدل نتيجة لذلك.

العالم - سوريا

«قسد»… بين الضعف والقوة

تعتبر قوات «قسد» تحالفا اندماجيا من مجموعة من التنظيمات غير المتجانسة على المستوى الإيديولوجي، فـ «الوحدات الكردية» التي تشكل العمود الفقري لـ «قسد» تحمل إيديولوجيا سياسية ذات طابع انفصالي، فيما فصائل كـ «لواء ثوار الرقة – مجلس دير الزور العسكري» المكونة من مقاتلين ينحدرون من أصول عشائرية تحمل إيدلوجيا إخوانية، وهذه الفصائل كانت تصنف على أنها جزء من مما يسمى «الجيش الحر»، كما إن تنظيم كـ «جيش الصناديد» المكون من مقاتلين ينحدرون من عشيرة «شمر»، لا يمتلك أي توجه سياسي واضح، الأمر الذي يضعه في خانة «التنظيمات المنفعية»، بمعنى أنه يقاتل بحثا عن تحقيق مصالح مالية غالبا.

ولا يُعد فصيل «قوات النخبة» التابع لـ «تيار الغد» الذي يقوده الرئيس الأسبق لـ «الائتلاف المعارض» المدعو «أحمد الجربا»، جزء من «قسد» على الرغم من تقاسمهما جبهات القتال المفترض ضد «داعش» في الرقة والحسكة ودير الزور، وتقول مصادر كردية مستقلة لـ «الأيام»، أن «النخبة» التي تعد أحد الأذرع السعودية العسكرية في الداخل السوري، تعتبر منافسا لـ «قسد» في ملف تلقي الدعم السياسي والعسكري من «التحالف» الذي تقوده أمريكا، كما يعد «تيار الجربا» من أكثر المنافسين السياسيين لـ «قسد» في حال طبقت «الفدرلة» في الشمال السوري بفعل الأمر الواقع.

كل ما تقدم يعدّ من نقاط الضعف التي قد تؤدي إلى انهيار «قسد» في حال فقدت العنصر الأساسي لقوتها المتمثل بالوجود الأجنبي في سورية، وخاصة الوجود الأمريكي الذي يضمن انضباط مكونات «قسد» في الأعمال العسكرية، وبالنظر إلى الصدامات المسلحة التي حدثت بين مكونات «قسد» أكثر من مرة في الرقة والتي كان آخرها اشتباك «الآسايش» الكردية مع فصيل «لواء ثوار الرقة»، مؤشرا على احتمال اشتعال حروب المصالح في صفوف «قسد» في حال انسحبت القوات الأجنبية من الداخل السوري.

مصدر كردي معارض لـ «قسد»، أكد أن الوجود الأمريكي في الأراضي السورية مرتبط بالمنفعة النفطية التي يمكن أن يحققها هذا الوجود لـ «واشنطن»، مؤكداً أن التمويل الأمريكي المزعوم لـ «قسد» مجرد فقاعات إعلامية تطلق من قبل «قسد» للتغطية على سرقة النفط والغاز التي تدر مليارات الليرات يومياً، إلا أن الغالبية العظمى من عائدات تجارة المواد النفطية والمحاصيل الزراعية وسرقة الآثار، تعود لـ «واشنطن» من خلال دفع «قسد» لتكاليف السلاح الأمريكي الذي تحصل عليه بشكل مستمر، وإذا ما تمت تسوية سياسية تفضي إلى خروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية فإن «قسد» ستكون قد وضعت في مهب الريح السورية، وتكون أيضا مهددة بحروب داخلية قد تنتهي بانتهاء وجودها.

فشل ما يسمى «الإدارة الذاتية» بفرض قانون التجنيد الإجباري على سكان المناطق الشرقية، أدى لحدوث صدامات في مناطق متعددة من ريف الحسكة الشمالي، وخروج مظاهرات ليلية بشكل يومي في مدينة الرقة للمطالبة بخروج قوات «قسد» من المدينة، الأمر الذي أجبر ما يسمى الشرطة الكردية «الآسايش» على استخدام القوة المفرطة، والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، الأمر الذي يعكس ما يسميه بعض المتابعين للمشهد الميداني بـ «فوبيا العشائر» لدى «قسد»، فالأخيرة تخشى أي تحرك عشائري واسع المجال ضد وجودها في المحافظات الشرقية، خاصة وأن الوجود العشائري هو الطاغي على المشهد الديموغرافي في هذه المحافظات، على الرغم من الإحصاءات المغلوطة التي تصدرها «الإدارة الذاتية» أو بعض وسائل الإعلام الداعمة لها.

لهاث سعودي – تركي

تقول معلومات حصلت عليها «الأيام» من مصادر متعددة، إن الحكومة السعودية دخلت على خط تسليح «قسد»، فيما يبدو أنه محاولة من الرياض للبقاء في حسابات الميدان السوري بعد أن تمكن النظام التركي من جذب الفصائل المسلحة الخارجة من «الغوطة الشرقية» إلى مناطق وجوده، وحوّلها إلى جزء من الفصائل التي يسيطر عليها والتي يمكن أن تحارب «قسد» في مراحل قادمة من عمر الحرب المفروضة على سورية.

الظهور السعودي بدأ في تشرين الأول من العام الماضي من خلال زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى مناطق الرقة بحجة المساهمة في إعادة الإعمار، وخلال الشهر الماضي بدأت الرياض بإرسال مساعدات (غير عسكرية لـ «قسد») في إطار مشاركتها في المشروع الأمريكي لإعمار الرقة، بما يطمس معالم جرائم الحرب التي ارتكبها الطيران الأمريكي قبل احتلال الرقة في أيلول من العام الماضي أيضا.

ولضرورة صهر مكونات «قسد» وبقية التنظيمات التي تعمل لصالح «واشنطن» مع عناصر تنظيم «داعش» في بوتقة واحدة، تؤكد مصادر متعددة أن السعودية تعمل بشكل مكثف، على تقديم الدعم المالي لتشكيل ما تسميه الإدارة الأمريكية بـ «قوة حرس الحدود»، التي تريدها بقوام 30 ألف مقاتل لنشرها في الأراضي المحاذية للحدود، مع كل من العراق وتركيا في المناطق النفطية. وكان تشكيل «مجلس دير الزور العسكري» بالمال السعودي قبل نحو عام ونصف من الآن مقدمة غير مباشرة لانخراط السعوديين في مشروع أمريكا بـ»الشرقية». ويحضر التنافس السعودي التركي من بين الأسباب الرئيسة في تقديم الدعم المالي الكبير من قبل «الرياض».

بالمقابل تروّج الحكومة التركية عبر وسائل إعلامها عن التوصل لتوافق ما بين أنقرة وواشنطن، حول إدارة مدينة «منبج» من قبل قوات «أمريكية – تركية»، الأمر الذي قد يكون في مقابل ضرب الدور التركي، في ضمان مخرجات أستانا فيما يخص مناطق خفض التوتر، ولا يعد الأمر بالنسبة لواشنطن أكثر من لعب بالأوراق الميدانية الممكنة لتعطيل أو لتأخير سيطرة الجيش السوري على كامل الأراضي السورية.

وإن كانت «تسوية منبج» بين واشنطن وأنقرة أمراً واقعاً، فإن معارضين لـ «قسد» من كرد الشمال أجمعوا على اعتقادهم بأن، خيار التفاوض مع دمشق سيكون الأكثر حضوراً في حسابات غالبية مكونات «قسد» من غير الكرد، وإن لم تستجب القوى الكردية لمثل هذا الخيار فإن «قسد» ستتجه نحو التفكك بشكل حتمي، الأمر الذي قد يشعل نار حرب ميليشياوية في مناطق الشرق.

في السياق ذاته، يقول أحد الإعلاميين المقربين من «قسد» في حديثه لـ «الأيام»، إن التسوية محتملة الحدوث بين «أمريكا» و «تركيا» حول مدينة منبج، كانت سبباً لحدوث أكثر من اجتماع بين قيادات من «قسد» وممثلي التحالف الأمريكي في مدينة «عين العرب» ومدينة «منبج» نفسها، دون أن تسفر هذه الاجتماعات عن تشكل يقين واضح لدى «قسد»، حول نوايا واشنطن خلال المرحلة القادمة فيما يخص مناطق «غرب الفرات»، وفي حال تطبيق هذه «التسوية» سيكون على القوى الكردية الاقتناع بعدم جدوى التعويل على واشنطن قياسا على تجربتي «عفرين» ومن قبلها ما حدث في إقليم شمال العراق «كردستان»، إثر صدور نتائج الاستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم حول الانفصال.

وعلى الرغم من أن واشنطن وباريس لم تسحبا أي مقاتل من منطقة «عون الدادات» الواقعة إلى الشمال من «منبج»، فإن المواقف الميدانية لا تطمئن قيادات «قسد». وإذا ما تمت التسوية فإن خيار طرق القوى السياسية الكردية لباب التفاوض مع دمشق لحماية مناطق «غرب الفرات» أمر محتمل جداً، وقد يكون هذا الاتفاق بداية لجملة من الاتفاقيات في المناطق الواقعة «شرق الفرات»، خاصةً وأن الجلوس إلى طاولة التفاوض لم يعد مستحيلاً بعد الجلسات التفاوضية التي جرت حول مدينة «عفرين» قبل سقوطها بيد الاحتلال التركي. العائق الأكبر في وجه مثل هذه المفاوضات قد يأتي من الإدارة الأمريكية التي قد توظف قيادات «حزب العمال الكردستاني» لتعطيل نتائج التفاوض كما حدث في مدينة عفرين.

خطوط تماس مع الجيش السوري

تُظهر خارطة الميدان السوري وجود خطوط تماس مباشر على المستوى البرّي بين الجيش السوري و»قسد» في مناطق شرق حلب، وجنوب الرقة، وشمال دير الزور، في حين أن نهر الفرات امتداد لحد الفصل ما بين انتشار الجيش وقوات سورية الديمقراطية في مساحات واسعة.

وكانت خطوط التماس في الرقة ودير الزور قد شهدت اشتباكات ما بين الجيش السوري و"قسد"، من دون إحداث أي تغير في خارطة السيطرة، علماً أن الفصائل المدعومة من واشنطن هي من كانت تبدأ، إذ كانت السياسة العسكرية لـ «دمشق» تعمد إلى التهدئة في الجبهات التي يمكن تهدئتها لصالح تحرير أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية من تنظيم «داعش» في الشرقية، ومن بقية الفصائل المسلحة في بقية المحافظات.

يقول مصدر ميداني لـ «الأيام»، إن حديث الرئيس بشار الأسد الأخير عن احتمال اشتعال مواجهة عسكرية مع «قسد»، لن يكون صعباً، فعلى المستوى العسكري وفّر تحرير مناطق دمشق وريفها وحمص ومساحات واسعة من حماه وإدلب، عدداً وعتاداً يكفي لفتح حسابات المنطقة الشرقية عسكرياً في حال فشل خيار التفاوض الذي طرحه الرئيس الأسد أولاً، وبحسب المصدر نفسه فإن احتمال توجه «واشنطن» نحو فتح معركة مباشرة مع الجيش السوري لحماية «قسد» غير محتمل، لأن أمريكا لن تذهب إلى فتح مواجهة دولية في الأراضي السورية من أجل حماية التنظيمات المسلحة ولو كانت المصالح النفطية تقتضي ذلك.

وعن طول خط الجبهة مع «قسد»، يقول المصدر إن مثل هذه الحالة يجعل خيارات المعركة متعددة، وبفعل مخاوف الفصائل التي تتحرك بإمرة واشنطن من جبهة الحدود الشمالية التي تحتك فيها مع الجيش التركي، ستكون «قسد» مجبورة على تقسيم دفاعاتها على ثلاث جبهات طويلة، وهي لا تمتلك القدرة العددية لفتح مثل هذه المعارك، الأمر الذي يرجح منطقياً سقوط خيار القتال من يد «قسد»، وتوجهها إلى التفاوض، قياسا على تجربة المعركة الخاسرة في مدينة «عفرين» وريف حلب الشمالي الغربي بعد أن تمسكت بـ «وهم الدعم الأمريكي» في مثل هذه المعركة، قبل أن تنسحب إلى مناطق غرب الفرات.

احتمالات بدء المعركة مرهونة بتفاصيل التفاوض الذي قد تسعى إليه دمشق خلال المرحلة القادمة، لكن الخاصرة التي تعد الأكثر حساسية في حسابات التماس المباشر بين الجيش السوري و»قسد» على المستوى العسكري، تقع في ريف دير الزور الشمالي، حيث يمتلك الجيش جيباً واسعا شرق الفرات يتألف من مجموعة من القرى الواقعة بالقرب من الحقول النفطية التي تنتشر فيها قوات الاحتلال الأمريكي والفرنسي، الأمر الذي يرجح أن تبدأ المعركة من هذا الجيب إذا ما فشلت المفاوضات، كما أن الوجود السوري في محيط مدينة «الطبقة» التي تحتلها «قسد» بريف الرقة الجنوبي الغربي، من الاحتمالات القريبة لبدء المعركة. وفي كلا الجبهتين، تظهر حقول النفط ومصادر الطاقة سبباً أساسياً بالنسبة لواشنطن لتعطيل أي مسار تفاوضي.

الأسد: الحوار أو القتال

يرى الكاتب السوري الدكتور «عقيل محفوض»، أن الدولة السورية وعلى رأسها الرئيس الأسد تُقدّم خيار التفاوض على الخيار العسكري في أي من الجبهات السورية، وباتت على يقين أن مرحلة المعارك الكبرى قد انتهى، وإن كان من ضرورة لعمل عسكري يسبق أي مصالحة في أي منطقة، فهو لتشكيل الضغط الميداني الذي يفضي لفرض شروط الدولة السورية على الخصوم الميدانيين، ومن خلفهم الأطراف المشغلة. وكلام الرئيس الأسد حول احتمال التفاوض مع «قسد» مبني على أساس فهم دمشق لوجود أوراق قوة ماتزال بيدها في المنطقة الشرقية وعلى رأسها العشائر، التي إن توفرت لها الظروف المناسبة ستتحول إلى قوة ميدانية إلى جانب الجيش، كما أن الدولة السورية تعي تماماً أن الفصائل المشكلة من أبناء العشائر ضمن صفوف «قسد» قد تنقلب لصالح الدولة السورية في حال بدأت عملية التفاوض.

وفيما يخص احتمال عسكرة ملف المنطقة الشرقية، يرى «محفوض» خلال حديثه لـ «الأيام»، أن الدولة السورية لم تطرح خيار قتال «قسد» على أساس أنها مشكلة مع مقاتلين كرد، بل على أساس تحول هذه القوات إلى قوة برّية تعمل لصالح «واشنطن» في الأراضي المحتلة، وبالتالي فالحديث هنا عن قتال قوة احتلال وعلى هذا الأساس لم يربط الرئيس الأسد مسألة قتال «قسد» إن رفضت التفاوض بخروج الأمريكيين، بل أكّد على احتمال فتح هذه الجبهة حتى مع وجود قوات الاحتلال الأمريكي.

كلام الرئيس الأسد حول مناطق انتشار «قسد» يقطع الطريق على التقارير الإعلامية التي تحدثت كثيراً عن وجود صفقة سياسية بين واشنطن وموسكو، حول اقتسام مناطق النفوذ في الأراضي السورية، وفي مقابل التهديدات الأمريكية للدولة السورية في مناسبات متعددة، يأتي حديث الأسد عن معركة بوجود القوات الأمريكية أو عدمه، فيما يبدو أنه قرار من «دمشق» برفع سقف المواجهة مع واشنطن على المستوى العسكري. وما بين خياري التفاوض أو القتال مع الدولة السورية، يكون الرئيس الأسد قد وضع «قسد» أمام خيارات مصيرية، قد تغير شكل الحرب المفروضة على سورية بشكل جذري، فإما انتهاء الحرب، أو انتقالها لمستوى جديد.

محمود عبد اللطيف – الأيام

102-10