5/1/2011 جودت مناع Jawdat_manna@yahoo.co.uk

الأربعاء ٠٥ يناير ٢٠١١ - ٠٧:٥٦ بتوقيت غرينتش

أمن الأمة الانفجار الذي أودى بحياة أناس أبرياء وجرح آخرين أبناء مصر مسيحيين ومسلمين يطرح تساؤلا كبيرا حول توقيت ومكان وقوعه. هذه الجريمة سبقتها أخرى مماثلة وقعت أمام كنائس في العراق وراح ضحيتها العشرات ومنهم الأطفال والنساء. فالفاعل ركن السيارة أمام مسجد في وقت يحتفل في أوج احتفالات المسيحيين المصريين العرب بعيد رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد وأثناء أدائهم الصلاة في كنيسة القديسين بالإسكندرية. إن المخاطر التي تحيق بالمواطن العربي لم تعد تقتصر لكونه مسيحيا أو مسلما ولكن أيضا لأسباب أخرى منها القبلية والجهوية والعرقية والمذهبية وهو ما يكشف عن خلل كبي

أمن الأمة

الانفجار الذي أودى بحياة أناس أبرياء وجرح آخرين أبناء مصر مسيحيين ومسلمين يطرح تساؤلا كبيرا حول توقيت ومكان وقوعه.

هذه الجريمة سبقتها أخرى مماثلة وقعت أمام كنائس في العراق وراح ضحيتها العشرات ومنهم الأطفال والنساء.

فالفاعل ركن السيارة أمام مسجد في وقت يحتفل في أوج احتفالات المسيحيين المصريين العرب بعيد رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد وأثناء أدائهم الصلاة في كنيسة القديسين بالإسكندرية.

إن المخاطر التي تحيق بالمواطن العربي لم تعد تقتصر لكونه مسيحيا أو مسلما ولكن أيضا لأسباب أخرى منها القبلية والجهوية والعرقية والمذهبية وهو ما يكشف عن خلل كبير يستهدف أولا وأخيرا استقرار النظام السياسي العربي وتجزئته كما هو حاصل في اليمن والسودان والمغرب والجزائر والعراق وفلسطين وغيرها.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه هي الفئة ذاتها التي نفذت اغتيال الهلال من قبل حين قتل مصطفى العقاد في الأردن , فرج فودة ونفى نصر حامد أبو زيد باسم الدين.

إن الظروف تحتم علينا أن نذكر بإحراق غاليلو محاكم التفتيش وأن البعض صنع الرعب في كوسوفو وهم من يدمرون ويحرقون الوطنيين الفلسطينيين وسلبوا ممتلكاتهم في حيفا ويافا والقدس ويحاصرون نحو خمسة ملايين ونصف المليون خلف الجدران والبحر وفي "كنتونات" تحت شعار الدين.

من منا لا يتذكر عهدة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب التي صان بها حق الطوائف المسيحية في كنيسة القيامة في القدس المحتلة ولا زال العمل بها قائما حتى الآن.

عام 1990 نفذ كيان الفصل العنصري جريمة في مقابر المسيحيين في بيت لحم حين أمن وصول من باعوا ضميرهم ليلا خلال فرضه حظر التجول عندما حطموا الصلبان ونبشوا القبور وحطموا جماجم الموتى بعد إقناعهم أن بمستطاعهم استخدام غبار الجماجم كمادة تخدير.

لقد عشنا تجربة يجب أن يحتذى بها في العالم العربي حين أسست نخبة من أبناء فلسطين البررة ومن كل فلسطين مؤتمر التراث الإسلامي المسيحي (اللقاء) الذي ناقش قضايا تشغل بال أبناء الشعب الواحد ومعالجتها وتحليلها مما أسهم في فهم دين الآخر والوقوف عند حدود حرية العبادة دون تجاوزها احتراما للجزء المكمل لشريحة المجتمع.

المسيحيون كالمسلمين عرب وقفوا صفا واحدا في مواجهة الاحتلال والبابا شنوده في مصر كان أصدر فتوى بتحريم زيارة المقدسات المسيحية في فلسطين طالما وجد الاحتلال أسوة بما فعله العلماء المسلمين.

ويحضرني شهداء من أبناء الشعب الواحد في مصر وفلسطين اختلطت دمائهم على ثرى الأوطان في معارك السويس ومنهم جون جمال الذي تصدى لسفن الإمداد الاستعماري في الحملة ضد مصر.

خلال زيارتي لمدينة القنيطرة ذهلت أمام روع الجريمة التي أصابت المدينة خلال عدوان كيان الفصل العنصري ضد سوريا وكأنها تعرضت لزلزال رهيب لكن ما أثلج صدري مواراة جثامين الشهداء مسلمين ومسيحيين الثرى في مقبرة واحدة بالقنيطرة واختلطت شواهد الإسلام بالمسيحية فوق أضرحتهم.

لقد اجتمع رجال الدين المسلمين والمسيحيين يوم تشييع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1970في كنيسة المهد ومسجد عمر سويا الإمام إلى جانب الكاهن وصلوا كل وفقا لطقوسهم الدينية ولم نرى من يعترض على هذا الإجماع لكن آثار اللقاء عالقة في أذهان أبناء المدينة حتى اليوم.

إن الإنسانية أسمى وأكبر من الأفكار الضيقة التي تهدف إلى زعزعة الأمن القومي العربي وبث إلى مزيد من الفرقة بين أبناء الشعب الواحد في أي بلد عربي فالدين لله والوطن للجميع.

المسيحيون العرب هم جزء لا يتجزأ من تكوين المجتمع العربي الممتد من المحيط إلى الخليج ولذلك فإن المس بأمنهم هو مس بالأمن القومي العربي وبطبيعة النظام الاجتماعي الذي هو امتداد لتاريخ إنساني عريق.

لذلك فإن الجريمة التي وقعت في كنائس مصر والعراق تستدعي الوقوف عندها وعدم النأي عنها بدون إيجاد الحلول المناسبة لوأدها دون تردد أو إهمال.

ومثلما هي المنظمات الشعبية في الأوساط الإسلامية والمسيحية مطالبة بتشكيل الوفود المشتركة للتضامن مع شعب مصر فإن الجامعة العربية هي الأخرى مطالبة أكثر من أي وقت مضى كي تدعو لعقد مؤتمر خاص بأمن المسيحيين العرب.

ومن هنا فإن الهروب إلى الأمام والانسياق وراء الانقسامات والتساوق مع الأفكار الانفصالية لن يضع حدا لحالة التشرذم الاجتماعي في العالم العربي بل يغذيها ومن شأنه أن يضعف قوتها أمام أعدائها الرئيسيين وفي طليعتهم كيان الفصل العنصري في فلسطين المحتلة لذلك علينا الوقوف صفا واحدا لوأد محاولات إقحام الأمة في فتنه.

كاتب صحفي ومستشار إعلامي