استمرار العملية العسكرية الشاملة في سيناء..إلي أين تتجه مصر؟

استمرار العملية العسكرية الشاملة في سيناء..إلي أين تتجه مصر؟
الأربعاء ١٣ يونيو ٢٠١٨ - ٠٩:١٦ بتوقيت غرينتش

دخلت العملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش المصري في شمال سيناء لمكافحة الإرهاب في 9 فبراير/شباط الماضي، شهرها الخامس، مع محاولة الجيش تخفيف الحصار المفروض على مدينة العريش، من دون باقي مدن محافظة شمال سيناء، في وقت عادت هجمات تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش" بعد هدوء نسبي ساد المنطقة، خلال الأسابيع الماضية.

العالم - أفريقيا

وهذه العملية التي تشمل هجوما برياَ وجوياَ وبحرياَ علي كافة مدن محافظة سيناء، هي الأكبر في تاريخ محافظة شمال سيناء وأسفرت حتى الان عن مقتل اكثر من 200 من الدواعش وما يزيد على 30 جنديا، بحسب احصاءات الجيش.

ومنذ اطاح الجيش المصري الرئيس المنتخب محمد مرسي في 2013 بعد احتجاجات شعبية ضخمة، وتدهور الوضع الامني تخوض قوات الامن وخصوصا في شمال سيناء مواجهات عنيفة ضد مجموعات متطرفة، بينها الفرع المصري لتنظيم داعش الإرهابي المسؤول عن شن عدد كبير من الهجمات الدامية في البلاد.

وعلى الرغم من الأرقام الكبيرة التي احتوتها بيانات المتحدث العسكري للجيش المصري حول أعداد المسلحين القتلى والاعتقالات العشوائية التي طاولت آلاف المواطنين، والحديث عن السيطرة الأمنية على غالبية مناطق سيناء، إلا أن الهجمات الأخيرة للتنظيم كانت في مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، والتي لو صحّت البيانات، فكان من باب أولى أن تكون الأكثر أمناً من بقية المدن، لطبيعة التمركز الأمني فيها، والإغلاق الشامل لها.

وتسببت العملية العسكرية بهدم آلاف المنازل، وقتل وإصابة مئات المدنيين، عدا عن اعتقال أكثر من خمسة آلاف مواطن دون مسوغ قانوني.

واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش", الجيش المصري بتوسيع أعمال هدم المنازل والبنايات التجارية والأراضٍي الزراعية في شمال محافظة سيناء، ضمن حملته العسكرية ضد مجموعة منتمية لتنظيم داعش.

وأکدت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها في تقرير نشرته شهر مايو الماضي على موقعها الرسمي : طالت أعمال الهدم الجديدة مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وما لا يقل عن 3 آلاف بيت وبناية تجارية، فضلا عن 600 بناية تم هدمها في يناير/كانون الثاني، هي الحملة الأكبر من نوعها منذ بدأ الجيش رسميا أعمال الإخلاء في 2014.

وتجاوزت أعمال التدمير التي يُرجح أن أغلبها غير قانوني، المنطقتين العازلتين اللتين حددتهما الحكومة بمدينتي العريش ورفح. هدم الجيش أيضا عدة بيوت في العريش، في ما بدت أنها أعمال انتقامية من مشتبهين بالإرهاب ومعارضين سياسيين وأقاربهم.

قالت «سارة ليا ويتسن» مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "تحويل بيوت الناس إلى أنقاض هو جزء من نفس الخطة الأمنية المحكومة بالفشل التي ضيقت على الإمدادات الغذائية والتنقلات لإيلام سكان سيناء. يزعم الجيش المصري أنه يحمي الناس من المسلحين، لكن من المدهش الاعتقاد بأن تدمير البيوت وتشريد من سكنوا المكان مدى الحياة هي إجراءات ستجعلهم أكثر أمنا".

وكان عبد الفتاح السيسي قد قال يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 إنه يعطي الجيش ووزارة الداخلية مهلة ثلاثة أشهر لتأمين شمال سيناء، حيث قتل مئات من أفراد الجيش والشرطة في هجمات خلال السنوات الماضية.

ولم يعلن الجيش في بيان له تحقيق ذلك الهدف الذي حدده السيسي، رغم انتهاء مهلة الثلاثة أشهر. وقال البيان "تنفيذا لخطة المجابهة الشاملة في سيناء 2018, يواصل المقاتلون تنفيذ المهام المخططة لتطهير شمال ووسط سيناء ومناطق الظهير الصحراوي (في غرب البلاد) من الإرهاب".

وخلال الأسبوع الأخير من الشهر الرابع للعملية العسكرية، وبعد ثلاثة أشهر من انقضاء المهلة التي حددها الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس أركان الجيش المصري، محمد فريد حجازي، للقضاء على الإرهاب، وقع ما لا يقل عن 15 مجنداً بين قتيل وجريح في اعتداءات للتنظيم، في مدينة العريش ومحيطها، التي أُشيع أن حجازي زارها سراً في ذات الأسبوع، بينما واصل الجيش عمليات التجريف وهدم المنازل في مناطق رفح والشيخ زويد.

ورأى متابعون للشأن السيناوي أن "تنظيم ولاية سيناء أراد توجيه رسائل واضحة من الهجمات التي شنها أخيراً، من حيث المكان أنها جاءت في مدينة العريش ذات الثقل الأمني والعسكري والتي تعاني من حصار مشدد منذ بدء العملية العسكرية الشاملة، وفي رسالة التوقيت أنها جاءت بعد أسابيع من الهدوء الأمني النسبي الذي ساد غالبية مناطق سيناء وفي مقدمتها العريش، عدا عن أنها جاءت في الأسبوع الأخير من الشهر الرابع للعملية العسكرية".

في المقابل، حاولت المؤسسة العسكرية المصرية إظهار المشهد الذي أرادته، من خلال الحديث عن ضربة أمنية تعرّض لها "الإرهابيون" باستهداف مجموعة مسلحين بعد اكتشاف مخبئهم في مدينة العريش، وذلك عقب ساعات قليلة من مقتل ضابط برتبة نقيب ومجندين من قوات العمليات الخاصة التابعة للداخلية المصرية. مع ذلك، فإن أياً من المصادر المحلية في مدينة العريش أو المستشفى العام في المدينة لم تذكر أي معلومات عن حدوث اشتباكات، أو ورود إصابات، أو جثث قتلى، مما أضعف الرواية الرسمية، التي جاءت لإظهار استتباب الأمن في سيناء، خصوصا مدينة العريش، في ظل عودة هجمات تنظيم "ولاية سيناء".

كما أن المتحدث العسكري باسم الجيش المصري نشر، قبل أيام، مقطعاً مصوراً لجولة قال إنها لحجازي في مدينة العريش، في رسالة أخرى حاولت الإيحاء بأن "الوضع الأمني جيد ويسمح بزيارة الشخصية الثانية في وزارة الدفاع المصرية". في المقابل، فإن ما أضعفها هو أن الزيارة جاءت بشكل سري، إن صدقت رواية المتحدث العسكري، ولم يشعر بها المواطنون، خصوصاً القاطنين في محيط الكتيبة 101 التي ظهر الفريق حجازي فيها، بينما لم يجرِ أي جولة ميدانية على الكمائن العسكرية التابعة للجيش في مدينة العريش، كما جاء في بيان المتحدث العسكري حول الزيارة.

وفي مدينة رفح، بدأ الجيش المصري استعداداته لتجريف حي أبو حلو جنوب المدينة، الواقع على تخوم موقع كرم أبو سالم العسكري الإسرائيلي، على المثلث الرابط بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة مع سيناء. وهي المنطقة ذاتها التي شهدت عملية عسكرية واسعة قبل أسابيع عدة. ووفقاً لمصادر قبلية فإن "قوات الجيش أبلغت سكان تلك المنطقة بضرورة إخلاء حي أبو حلو خلال عيد الفطر تمهيدا لتجريفه بشكل كامل".

وحي أبو حلو المنوي هدمه واقع خارج نطاق المنطقة العازلة التي أعلن عنها الجيش قبل أربعة أعوام تقريباً، فازدادت الأسئلة حول الهدف من وراء هدمه في هذا التوقيت، قبل تأكيد مصادر قبلية أن "إسرائيل ممتعضة من الوجود السكاني قرب الموقع العسكري الأهم في جنوب قطاع غزة والمتمثل في موقع كرم أبو سالم شرق مدينة رفح الفلسطينية، والذي ادّعى جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ أسبوع، تفجير نفق للمقاومة الفلسطينية يمر من مناطق حي أبو حلو باتجاه الموقع العسكري".

كما يُعتبر حي أبو حلو آخر نقطة يمكن من خلالها نقل البضائع والأدوية من سيناء لغزة، لينضم إلى أحياء وقرى مدينة رفح التي هدمها، وبالتالي تنتهي فصول نقل البضائع من سيناء لغزة بشكل شبه تام، مما يزيد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 12 عاماً.

وتعقيباً على ذلك، يقول الباحثون في شؤون سيناء إن "عملية سيناء أصبحت فعلياً بلا موعد انتهاء، مما يعطي المجال للقوات العسكرية بأن تواصل عملية الاستنفار الأمني التي تحت غطائها تنتهك معايير حقوق الإنسان بشكل لافت، من خلال حملات المداهمة والاعتقال، والقتل خارج القانون، والتصفية من دون محاكمات، وهذه الانتهاكات ارتفعت مستوياتها في الأشهر القليلة الماضية التي بدأت فيها العملية العسكرية الشاملة، وهذه الانتهاكات قد تتصاعد مجدداً في حال وقوع أي هجمات ضد قوات الجيش والشرطة في سيناء".


215