روسيا تسعد السوريين من جديد.. عاصفة سوخوي تبدد الرمال

روسيا تسعد السوريين من جديد.. عاصفة سوخوي تبدد الرمال
الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٨ - ٠٨:٤٧ بتوقيت غرينتش

غبي وساذج من يعتقد انه يمكن فصل السياسة عن اي شيء .. قد يقول البعض بشعار فصل الدين عن الدولة .. ولكن السياسة شيء مرتبط بكل شيء ولايمكن فصله ولافصمه مهما حاولنا ..

العالم - مقالات وتحليلات

الربيع العربي مثال فاقع على ان السياسة تمسك بالدين من عنقه حتى انها اخذت المسلمين في عرفة وأصعدتهم للدعاء على “النظام السوري المجرم” وروسيا والصين وايران رغم ان النبي يهان في امريكا وليس في روسيا ولا في الصين ولا في ايران طبعا .. بل يهان في الغرب ويوصم بالإرهاب ويصور في مجلات الكاريكاتير كإرهابي .. ورغم ان السعوديين منعوا يوما الحجاج الإيرانيين من مظاهرات البراءة التي كانوا يقومون بها في الحج للتبرؤ من امريكا و"اسرائيل" ..

قالت السعودية يومها ان تسييس الحج ليس من الدين .. وأرسلت فرق المخابرات والحرس الوطني وقتلت مئات المتظاهرين الإيرانيين في قلب مكة ومنعت منذ ذلك اليوم اي نشاط ديني في الحج طالما انه ضد امريكا و"اسرائيل" ..

وعندما أرادت تسييس الحج نسيت ماقالته للايرانيين عن أن الحج موسم للعبادة فقط وليس للدنيا فيه شيء .. ثم سمحت بالصعود الى عرفات والدعاء والتبرؤ من النظام السوري ونصف الكرة الارضية وخاصة روسيا والصين والدعاء عليهم جميعا بالهلاك .. يومها غير الاسلام رأيه وفتواه .. وصار النبي يتدخل في السياسة وفي سلة أوبك وأسعار الغاز وقرارات الجامعة العربية والناتو ..

كل شيء في حياتنا تمسك بتلابيبه السياسة .. وتراقبه السياسة .. حتى ضميرنا تطل عليه السياسة في الخفاء .. وحتى في العشق والحب والموسيقا .. ولكن مشاعرنا السياسية تظهر بشكل واضح في كرة القدم .. ففي عواطفنا ومشاعرنا الرياضية نلخص مواقفنا السياسية .. وربما كان أكبر مشعر ومسبار على المزاج السياسي وحركته في كل العالم هو في مباريات كرة القدم .. وتستطيع ان تعرف الموقف السياسي لأي شخص في العالم من الفريق الذي يؤيده وخاصة في كأس العالم .. فكل اوروبة الغربية لن تؤيد شعوبها ايران وروسيا ومصر والمغرب في كرة القدم .. ولكن ستجد مسلمين متطرفين يؤيدون اي فريق “كافر” ضد ايران وضد روسيا وستجد منهم مصريين يريدون خسارة فريقهم لأنه يمثل فريق “الانقلابيين” كما يزعمون .. وهكذا .. ولكنك لن تجد اجماعا عالميا ومزاجا شعبيا كونيا يكاد يكون مطلقا على الإرتياح لخسارة فريق كما هو بالنسبة لفريق السعودية الذي يمثل في نظر كثيرين محمد بن سلمان .. قاتل الاطفال في اليمن وصديق نتنياهو وترامب وصانع القاعدة و"داعش" وجذر التطرف ..

ونحن لسنا مختلفين طبعا عن البشر وتعكس عواطفنا الكروية كل الأحداث التي مررنا بها .. وتعكس انتماءنا او رفضنا لسياسات الدول .. فنحن لا نحب سياسة امريكا والغرب ولن ننسى ما فعله بنا هذا الغرب لذلك فإننا في مباراة تضم فريقا غربيا مع أي فريق لدولة حليفة سنؤيد حلفاءنا كما لو كنا على خط النار وليس على خطوط المرمى والجزاء .. وفي أول مباراة في كأس العالم اجتمع أمامنا وتنازل فريقان يمثلان لنا كسوريين اقصى التناقضات .. اعداؤنا وأصدقاؤنا .. وكنا ننظر الى المباراة بين السعودية وروسيا وكأنها مباراة بين الشر الأقصى والخير الاقصى ..

في زمن القومية العربية كنا ننصر اخواننا العرب ظالمين او مظلومين .. وكنا بلا ارادة سنشجع الفريق السعودي ونهتف له وندعو له ونقضم اظافرنا قلقا امام كل هدف روسي .. ولكن اليوم سقطت المشاعر القومية وكان من أسقطها هم السعوديون انفسهم .. وهاهم اليوم يقطفون موسم الكراهية .. ويجنون مازرعت ايديهم بعد تدمير الشعور القومي لصالح الشعور المذهبي .. لأننا مهما كنا قوميين فان الفريق السعودي لا يمثل بنظرنا الا السياسة السعودية والأسرة المالكة .. ونراه نموذجا وسفيرا للشر والكراهية .. فيما كنا نرى كل لاعب روسي وكأنه طائرة سوخوي 35 تقصف الإرهابيين الذين جلبتهم السعودية بأموالها وفتاواها لقتل الشعب السوري ونسفه ..

وقد حضرت هذه المباراة مع مجموعة من الأصدقاء من أطياف مختلفة وكنت أتابع انفعالاتهم ولم أتفاجا بكم السعادة والسرور وهم يرون تحطيم واذلال اللاعبين السعوديين وكأنهم يرون محمد بن سلمان يتمرغ أنفه في الوحل وتبتل لحيته بالطين .. ولكن مافاجأني هو حجم الكراهية التي يكنها بعض السوريين للسعودية .. وكان كل هدف روسي يحول الجلسة الى احتفال وكرنفال .. وسرور لا يوصف .. فالمباراة كشفت أمامي حجم الألم والوجع الذي تسببت به السعودية للسوريين .. وكيف خسرت الشعب السوري خسارة لا يمكن ان تعوضها بعد اليوم .. وعرفت اليوم كم خرجت السعودية من سوريا وكم انزرعت روسيا في الضمير السوري .. فالسعودية لم تخرج من الغوطة فقط بل خرجت من زمن 100 سنة كاملة كانت السعودية موجودة فيها في مشاعر السوريين بشكل أو بآخر على اساس انها بلد الأرض المقدسة .. وبلد مكة .. والأرض التي فيها كل الضمير الاسلامي والاحداث التي نتعلمها صغارا عن بدر وأحد وغار حراء والمشاعر والصحابة والخلفاء .. ولكن ياللهول كل هذا انتهى وصار الشعب السوري لا يرى في السعودية ايا من هؤلاء .. بل يرى انها مصدر للشر والكراهية والبغضاء والجريمة والقتل والفتنة والمؤامرة الطويلة التي بدأت بفلسطين وانتهت بالربيع العربي المشؤوم الذي ابتلع عدة شعوب عربية وشردها .. السعودية في الملعب كانت هي المحيسني وابن عثيمين والسديس والعريفي .. والبغدادي والجولاني .. والسكاكين والذبح .. والانتحاريين .. والتطبيع مع نتنياهو .. أمام فريق من طائرات السوخوي ..

العبارات التي سمعتها كلما تم تسجيل هدف روسي كانت مليئة بالسخرية والتشفي والانتقام من السعودية .. البعض يسخر من منتجات بول البعير .. والبعض يقول ان اللاعبين السعوديين كانوا مشغولين بالرضاعة في روسيا تنفيذا لفتوى ارضاع الكبير .. وبعضهم يسخر ويقول انهم ينتظرون الملائكة التي سيؤيدهم الله بها من السماء وتنزل الى الملعب لابقاء الكرة مع السعوديين .. ولكن الملائكة نائمة في حمص .. وامام كل هدف روسي يقوم الحضور ويصفقون وكأنه هدف سوري أو كأنه صاروخ سوري يسقط طائرة اف 16 .. وسمعت من البعض في الهدف الخامس عبارة: انها عاصفة سوخوي تضرب السعودية.. رجال بوتين سحقوا تلك الحشرات .. أنصاف الحشرات .. فيما علق البعض ساخرا: غدا بن سلمان سيضرب موسكو بعاصفة الحزم انتقاما .. ويرد آخر .. هذه أعراض مابعد الحلب لأن ترامب حلبهم ولم يبق فيهم طاقة ليلعبوا .. فيضحك الجميع ليسمعوا صوتا يقول بعد قهقهة طويلة: لو كان بن سلمان يدري لدفع لبوتين 500 مليار دولار وليس لترامب واشترى هدفا واحدا به لتبييض وجه المملكة .. ويقاطعه آخر قائلا: التبييض كان على عزمي بشارة .. لكن عزمي محاصر الآن ..

طبعا غني عن القول ان بعض المؤمنين والمتطرفين كانوا مصدومين من اذلال فريق الايمان والاسلام .. وكانوا يدعون له بالفوز .. ولكن انا على ثقة ان كل الكرة الأرضية التي تابعت المباراة كانت لا تحمل مشاعر ودية للفريق السعودي وكانت تتشفى من اذلاله حتى وان كان من عدو للبعض .. فكل اوروبة تكره الدولة الوهابية السعودية وكل امريكا الشمالية والجنوبية .. ولا يكن الاحترام لهذه الدولة الصينيون ولا الهنود .. ولاشك ان نسبة من يكرهون هذه الدولة في العالم العربي تفوق كل تصور بسبب مكرها وايذائها للجميع .. وبسبب استعمالها لثروتها بطريقة فاحشة لإذلال كل العرب والمسلمين والمستضعفين .. فكل العرب عانوا ويعانون من نظام العبودية والرق في دول الخليج (الفارسي) عموما ..

انا على يقين ان كل بيت عربي ومسلم كان سعيدا بعاصفة السوخوي الروسية .. انها لمفارقة كبيرة ان يكره كل العرب والمسلمين .. هذه المملكة .. التي فيها أقدس مالديهم وأحب مالديهم .. وصارت الارض المكروهة .. بسبب عائلة مكروهة ..

شكرا لروسيا مرتين .. مرة على عاصفة السوخوي في سوريا .. ومرة على عاصفة السوخوي في الملعب .. شكرا لأنها أدخلت السعادة على قلوب شعوب كثيرة .. ولو رمزيا ..

  • نارام سرجون – شام تايمز

208-2