6/1/2011 محمود صالح عودة mahmood.audah@gmail.com

السبت ٠٨ يناير ٢٠١١ - ٠٦:٠٧ بتوقيت غرينتش

ما وراء تفجير الكنائسجريمة آثمة نكراء، هي أبسط التعابير التي يمكن أن نصف بها تفجير كنيسة "القدّيسين" في الإسكندرية.إذ تم تفجير سيارة مفخخة - على الأرجح - بقرب الكنيسة منتصف ليل رأس السنة الميلادية الجديدة، بوجود مكثّف للمحتفلين داخل الكنيسة وخارجها، ممّا أدى إلى مقتل 22 وإصابة 80 ضحيّة بحالات متفاوتة، الذين كان ضمنهم نسبة ليست قليلة من المسلمين.

ما وراء تفجير الكنائس

 

 

جريمة آثمة نكراء، هي أبسط التعابير التي يمكن أن نصف بها تفجير كنيسة "القدّيسين" في الإسكندرية.

 

إذ تم تفجير سيارة مفخخة - على الأرجح - بقرب الكنيسة منتصف ليل رأس السنة الميلادية الجديدة، بوجود مكثّف للمحتفلين داخل الكنيسة وخارجها، ممّا أدى إلى مقتل 22 وإصابة 80 ضحيّة بحالات متفاوتة، الذين كان ضمنهم نسبة ليست قليلة من المسلمين.

 

وحتى لا نوهم أنفسنا ونتغافل، فإن مصر شهدت بالآونة الأخيرة جوًّا مشحونًا بالطائفية بين المسلمين والأقباط، عمل على تغذيته أطراف من الجهتين، بعضهم مدعوم من الخارج. ولا نقصد هنا الانتقادات المبنية على الشهادات الواقعية والمنطق الصحيح، فهذا واجب وعلى الجميع تقبّله في سبيل تطوير الحوار الاجتماعي البنّاء، إنما المقصود هو الإساءات البحتة، التي لا ينبع منها إلا شرًّا. أضف إلى ذلك الاشتباكات العديدة التي تمّت بين الأقباط وقوات الأمن المصرية، التي اعتبرها البعض استهدافًا للمسيحيين وتمييزًا ضدّهم.

 

إنما لم تصل درجة هذا الجوّ المتوتّر نسبيًا إلى درجة الغليان الذي يشهده الشارع المصري إزاء الحملة البوليسية التي قامت بها أجهزة أمن النظام الحاكم لتزوير الانتخابات المصرية قبل شهر ونيّف، من إغلاق القنوات الفضائية وتهديد الصحف والإعلاميين، مرورًا بجرائم ضرب وترهيب أنصار المعارضة، حتى منع القضاة الموكّلين بالإشراف على الانتخابات من الدخول إلى غرف الاقتراع واحتجاز بعضهم، فلم تميّز قوات الأمن المصرية بين مسلم ومسيحي في قمعها للحريّات والحقوق العامّة.

 

فغضب المصريين على نظام مبارك والحزب الوطني الحاكم أكبر بكثير من التوترات الإسلامية المسيحية العابرة، وشتان ما بين هذا وذاك؛ فالتاريخ يشهد على نوعية العيش المشترك المبني على الاحترام المتبادل ووحدة المصير بين المسلمين والمسيحيين منذ أكثر من 1400 سنة.

 

تعدّدت التحليلات حول الجهة المنفّذة للعملية؛ ثمة من قال بأن الموساد الإسرائيلي وراءها نظرًا للفضيحة التي تم الكشف عنها مؤخرًا حول أحد عملائها في مصر، و"عودة" السفير الإسرائيلي من مصر إثرها، وثمة من ادّعى بأن "بصمات القاعدة واضحة" في التفجير، إلى غير ذلك من الترجيحات الأخرى.

 

من جانبه، اعتبر الرئيس المصري حسني مبارك بخطاب متلفز ألقاه بعد عملية التفجير بساعات قليلة - والغريب أن مبارك لم يظهر على الملأ طيلة فترة الانتخابات التي شهدت قمعًا وتزويرًا وإرهابًا أمنيًا غير مسبوق - بأن العملية "تحمل في طياتها دلائل تورط أصابع خارجية" (وهل نظام مبارك "داخلي"؟)، وشدّد على أن العملية إرهابية، إذ ذكر كلمة "الإرهاب" ومشتقاتها 14 مرة خلال خطابه، وهو ما ذكّرنا بخطاب جورج بوش الإبن إبّان عمليات الحادي عشر من سبتمبر، أي قبل احتلال العراق وأفغانستان وبداية عصر "الحرب على الإرهاب".

 

ذلك بأنه إضافة لمبارك، قام عضو اللجنة العامة بمجلس الشعب والمستشار القانوني لمجلس الشورى في مصر محمد الدكروري بالإشارة إلى "الإرهاب"، إذ اعتبر التفجير "أحد أهم الدوافع للإسراع في إصدار قانون "مكافحة الإرهاب" المعتزم إصداره منذ الدورة البرلمانية السابقة"، ممّا يثير تساؤلات كثيرة على استعجال النظام المصري لإصدار القرار، في ظلّ المطالب المتتالية بإلغاء "قانون الطوارئ" الذي يستخدمه الرئيس والنظام لإلغاء كل ما لا يعجبهم ولقمع الشعب المطالب بحقه وحريّته. ومن المهم الإشارة للانعكاسات السلبية والخطيرة الهائلة على العمل الإسلامي والمؤسسات الخيرية الإسلامية في العالم التي سببتها "الحرب على الإرهاب" بقيادة أمريكا والصهيونية، إضافة إلى التضييق على حريّة التعبير التي لا يرضون عنها.

 

ما أثار الحيرة من جديد - بعد تفجير كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد - هي ازدواجية المعايير في خطاب الفاتيكان بقيادة البابا بنديكت السادس عشر، الذي طالب دول العالم بالتدخل لحماية المسيحيين في الشرق، بينما لم يستغل منصبه كالرجل الأول في العالم المسيحي بدعوة العالم لحماية المسلمين في العراق وسائر البلاد التي يحتلها الغرب، حينما تفجّر مساجدهم ويقتّل أطفالهم ونساؤهم، من منطلق الإنسانية وحريّة المعتقد ليس إلا.

 

يأتي هذا التفجير في وقت لا يخفي فيه الصهاينة والأمريكان مشروعهم للفتنة في العالم العربي والإسلامي، وهو واضح في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن ولبنان والسودان، إذ يصرّح الإسرائيليون بتدخلهم في هذه الساحات بكل وضوح، ومصر ليست خارجة عن القاعدة بل هي من أبرز المستهدفين.

 

في ظل الضباب الملتف حول هوية منفّذ العملية ومخططها، لا بد من البحث عن المستفيد أو المستفيدين، الذين يصرّون على تغييب مناخ الحريّة في مصر، الذي من شأنه أن يعيد لمصر مجدها وعزّها ودورها التاريخي في العالم العربي والإسلامي، ولا يضلّ مواطنيها بمسلميهم ومسيحييهم عن قبلتهم الأولى، وهي القدس المحتلّة.