8/1/2011 فهمي هويدي fahmyhoweidy.blogspot.com

السبت ٠٨ يناير ٢٠١١ - ٠٦:٣٣ بتوقيت غرينتش

نهاية الإصلاح السياسيتحتاج إلى تفسير ظاهرة اختفاء الحديث عن الإصلاح السياسي في مصر سواء في الخطاب الرسمي أو الخطاب الآخر المعبر عنه في الصحف القومية.ذلك أن التركيز صار منهجا الآن صوب الإصلاح الاقتصادي فقط، بين قائل إننا مقبلون على مرحلته الثانية وقائل إننا على أبواب المرحلة الثالثة، وكأننا حققنا «إنجازات» في هذه وتلك. ومن ثم سننتقل في العام الجديد إلى مرحلة أكثر تقدما.

نهاية الإصلاح السياسي

 

 

تحتاج إلى تفسير ظاهرة اختفاء الحديث عن الإصلاح السياسي في مصر سواء في الخطاب الرسمي أو الخطاب الآخر المعبر عنه في الصحف القومية.

 

ذلك أن التركيز صار منهجا الآن صوب الإصلاح الاقتصادي فقط، بين قائل إننا مقبلون على مرحلته الثانية وقائل إننا على أبواب المرحلة الثالثة، وكأننا حققنا «إنجازات» في هذه وتلك. ومن ثم سننتقل في العام الجديد إلى مرحلة أكثر تقدما.

 

وفي هذا الصدد يغرقنا المتحدثون عن «الإنجاز» في بحر من الأرقام التي لا نعرف مدى صحتها. حتى راحوا يستدلون على التقدم الذي تحقق بزيادة الكميات المشتراة من مكيفات الهواء ومشتركي الإنترنت، وزيادة أعداد الحاجزين للمساكن في المنتجعات والمدن الجديدة.... إلخ. ناسين أن المعيار الحقيقي للإصلاح الاقتصادي يقاس بمقدار انعكاس «إنجازاته» على الطبقات الفقيرة، التي تسكن في الخرائب والمقابر، ولا تقاس بحظوظ الذين يتطلعون إلى مساكن أفضل في المدن الجديدة أو الذين يرغبون في الالتحاق بالمصايف التي تتسابق الصحف في الإعلان عنها.

 

لا يشك أحد في أن القادرين تحسنت أحوالهم، وبعض أصحاب الملايين انتقلوا إلى شرائح أعلى، وأصبحوا يتحدثون عن المليارات، لكني أزعم أن ذلك مما لا يستهدفه جوهر الإصلاح الاقتصادي، ناهيك عن أنه مما يمكن الاستشهاد به في إثبات فشل خطة الإصلاح، أو التدليل على أن ما جرى كان أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح.

مع ذلك فإن الذي يحتاج إلى تفسير حقا هو تواتر الإشارات إلى الإصلاح الاقتصادي في خطابات المسؤولين وكتابات مثقفي السلطة. مع التجاهل التام للإصلاح السياسي واستحقاقاته.

 

صحيح أن رجال الأعمال أصبحوا الآن ركنا مهما في بنيان النظام القائم في مصر، وأننا تجاوزنا مرحلة تحالف قوى الشعب العامل، وصرنا في ظل تحالف السلطة وذراعها الأمنية مع رجال الأعمال، إلا أن ذلك لا يلغي حقنا في التساؤل عن أملنا في الإصلاح السياسي، خصوصا أنهم حققوا مآربهم في الإصلاح الاقتصادي، وفرحوا بما أوتوا، لكن حظنا من الإصلاح السياسي لا يزال مسكوتا عليه.

 

هذا التجاهل يطرح السؤال التالي:

هل هو تعبير عن الاكتفاء أم أنه راجع إلى الحياء؟

 

أعني هل اعتبر أولو الأمر أن الإصلاح السياسي قد تحقق بالتعديلات الدستورية التي تمت خلال عامي 2005 و2007، وبمقتضاها تم ترتيب أمر انتخابات رئيس الجمهورية وإغلاق الأبواب في وجه مشاركة الإخوان في الحياة السياسية وتوسيع نطاق القضاء العسكري وإلغاء إشراف القضاء على الانتخابات... إلى آخر تلك التعديلات التي أسهمت فيما أسميته «تقفيل مصر» لصالح القائمين على السلطة الآن.

إذا كانت تلك التعديلات التي أريد بها تأييد النظام وقطع الطريق على المعارضين هي غاية المراد من الإصلاح الذي أرادوه، فإنهم بذلك يكونون على حق إذا اعتبروا أن الإصلاح حققه لهم التمكين المنشود، ومن ثم فلا حاجة لهم إلى مزيد منه ــ وهو ما عنيته بالتعبير عن الاكتفاء،

 

أما الاحتمال الآخر الذي يتمثل في الحياء، فإنني أوردته من باب حسن الظن وتخيل أن الذين أشرفوا على الانتخابات الأخيرة، بعد الذي شابها من تزوير وتسويد للأوراق وبلطجة، أدركوا أن الفضيحة ذاع أمرها، وعورة النظام انكشفت بصورة أساءت إليه كثيرا.

ولذلك فإنهم استحوا من مواصلة اللعبة وآثروا أن يلتزموا الصمت، حتى ينسى الناس ما جرى، ومن ثم يصبح بمقدورهم أن يظهروا مرة أخرى أمام الملأ وتواتيهم جرأة مواصلة الحديث عن الإصلاح السياسي.

 

لست أميل إلى هذا الرأي الأخير، ولا أخفي شعورا بأن الأمل في تحقيق الإصلاح الذي نتطلع إليه لم يعد قائما. بل أذهب إلى أننا أصبحنا نسيء الظن بأي إصلاح يصدر عن إخواننا هؤلاء. بعد التجارب المرة التي مررنا بها، بعد الإصلاح سابق الذكر (سيئ الذكر إن شئت الدقة) الذي عانينا منه وقاسينا الكثير من مرارته.

 

إن الذين يزورون الانتخابات لم يكن عصيا عليهم أن يزوروا الإصلاح السياسي، لكني أزعم أن هذه البضاعة المغشوشة لم تعد تنطلي على أحد. لأن أي إصلاح من ذاك القبيل يفقد معناه إذا لم يؤد إلى رفع سقف الحريات وضمان حق الناس في المشاركة والمساءلة وتداول السلطة. وكل دعوة للإصلاح تصب خارج هذه الدائرة تصبح فرقعة تلفزيونية يريد بها الاستمرار في تزييف الحياة السياسية، والتستر على الاستبداد لضمان استمراره تحت عناوين أخرى.

 

لست قلقا على الكف عن الحديث عن الإصلاح السياسي، بل أزعم أن هذا السكوت هو لحظة الصدق الوحيدة في المشهد السياسي، لأننا اقتنعنا بأن أي كلام لن يختلف في شيء عن سابقه، حيث الصمت أفضل كثيرا من الكلام الزائف. والأول تعبير عن الحقيقة، أما الثاني، فهو تسويق للوهم.