جمعية حقوقية سعودية تطالب بإقالة ومحاكمة وزير الداخلية

السبت ٠٨ يناير ٢٠١١ - ٠٦:٤٨ بتوقيت غرينتش

طالبت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية بإقالة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز أولاً ومحاكمته ثانياً.وذكرت الجمعية في بيان نقلته اليوم السبت معظم المواقع السعودية ومن ضمنها موقع "حوار وتجديد" الجمعة ان الوزير والمتورطين معه قاموا بانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تصل إلى جرائم ضد الإنسانية ، وهي سبب أساس في ظاهرة الإرهاب العالمي, ودعت الجمعية الى محاكمة المتورطين في هذه الانتهاكات من ضباط مباحث ومحققين وسجانين وقضاة.وجاء في نص البيان الصادر عن الجمعية ما يلي:

طالبت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية بإقالة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز أولاً ومحاكمته ثانياً.

 

وذكرت الجمعية في بيان نقلته اليوم السبت معظم المواقع السعودية ومن ضمنها موقع "حوار وتجديد" الجمعة ان الوزير والمتورطين معه قاموا بانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، تصل إلى جرائم ضد الإنسانية ، وهي سبب أساس في ظاهرة الإرهاب العالمي, ودعت الجمعية الى محاكمة المتورطين في هذه الانتهاكات من ضباط مباحث ومحققين وسجانين وقضاة.

 

وجاء في نص البيان الصادر عن الجمعية ما يلي:

 

التاريخ: الثلاثاء 29 محرم 1432 هـ، الموافق 4 يناير 2011م.

 

الحمد لله رب العالمين الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب لإقامة العدل كما قال تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط" (الحديد:25) وصلى الله على نبينا محمد القائل: "لتنقضن عرى الاسلام عروة عروة فأولهن نقضاًَ الحكم وآخرهن نقضاَ الصلاة" (رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم) وعلى آله وصحبه الذين لم يفرقوا بين العروتين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين أما بعد:

 

خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود

 

في البداية يسر جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية أن تقدم لكم الشكر على ما تبذلونه من جهود في رفعة ورقي بلادنا ومعكم إخوانكم الذين عاضدوكم في مسيرة الاصلاح السياسي ولاسيما ولي العهد، فهذا العهد هو عهد الإصلاح والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان، واتخاذ خطوات إصلاحية وإنشاء مؤسسات وجمعيات تخدم هذا الهدف الوطني النبيل.

 

وتعد الجمعيات الاهلية (كهذه الجمعية) رافدا مهما يخدم المصلحة الوطنية العليا، وبتكاثر هذه الجمعيات تستحق يا خادم الحرمين بجدارة لقب "الملك الإصلاحي" الذي أضحت تردده الصحافة العالمية، ويشهد بذلك المتابعون والباحثون الدوليون المهتمون في الشؤون السعودية، والذين يمتدحون توجهاتكم ومعاضيدكم يا خادم الحرمين ويصفونكم بأنكم "ذوي عقليات إصلاحية"، ودعمت الحريات العامة ووسعت مساحة التعبير.

 

ونستميحك عذرا يا خادم الحرمين أن نخاطبك بكل صراحة وصدق بعيدا عن المجاملات التي تتكرر كثيرا في بعض وسائل إعلامنا المحلية، وكيل المديح الذي يقوم به بعض الموظفين في وزارات ودواوين الحكومة، حتى أولئك المثقفين الذين يحتلون وظائف قيادية في الدولة، فالظروف التي تمر ببلادنا الآن لا تسمح بالسكوت، فضلا عن المجاملة وكيل المديح.

 

لقد وعى الناس بحقوقهم في هذا البلد منذ زمن بعيد وطالبوا بها, وتكاثرت مطالبتهم منذ قرابة العقدين من الزمان، ومنذ ذلك التاريخ لم يتغير شيء حقيقي في هيكلة الدولة، حيث ظلت فئة قليلة من المستبدين تسيطر على أجهزة الدولة، وتقمع المواطنين بشكل وحشي، وتتعمد تهميشهم، وتتجاهل مشاكل الوطن التي تتفاقم دون تقديم حلول تذكر.

 

وعندما ازداد وعي المواطنين من خلال الثورة الإعلامية والثقافية التي اجتاحت العالم، ازدادت وتيرة القمع وانتهاك الحقوق، وصاحب ذلك ازدياد في نسبة الحرمان والفقر والقهر، فلج الناس مدافعين عن حقوقهم ومحتسبين لرفع الظلم الواقع عليهم، ومطالبين بالالتزام بأهم شروط البيعة الشرعية على الكتاب والسنة: العدل والشورى وقوامة الأمة على الحاكم. إلا أن وزارة الداخلية أصرت على سلب الناس هذا الحق الشرعي الثابت لهم بمقتضى البيعة الشرعية.

 

لقد ضاقت وزارة الداخلية ذرعاً بكل من أراد أن يمارس دوره الشرعي الواجب عليه في القرآن الكريم وصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الامر بالمعروفات السياسية والنهي عن المنكرات السياسية كالظلم و هدر المال العام والاستبداد, حتى لو كان مجرد كتابة مقال في صحيفة، أو نشر رأي في مدونة على الانترنت، أو نبس ببنت شفة في محفل أو قناة تلفزيونية، فساقت الشباب والشيوخ إلى غياهب السجون، وصادرت حقوقهم التي كفلها الاسلام بقوامة الأمة على الحاكم قبل اربعة عشر قرنا وأقرتها الأنظمة والعهود الدولية التي وقعت وصادقت عليها الحكومة.

 

وعمدت وزارة الداخلية إلى الأساليب المنكرة في قمع الشعب وترويعه، فالاعتقالات التعسفية وسوء معاملة المعتقلين والمحاكمات السرية أهم أسلحة الأنظمة المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان.

 

ساعد وزارة الداخلية في تحقيق هذه المهمة سيطرتها على مفاصل الدولة بشكل عام، وتحكمها في الأجهزة القضائية بشكل خاص، فرئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام تابع لوزير الداخلية، والمباحث العامة تجاوزت حدودها الشرعية والنظامية حيث لاتزال تمارس الاعتقال والتحقيق خارج سلطة القانون، والسجون لا تخضع لرقابة وتفتيش القضاء فضلا عن اطلاع مؤسسات حقوق الإنسان، كما أن القضاء غير مستقل عنها فصار عرضة لتدخلات وزارة الداخلية الفادحة والمخلة بالعدالة.

 

 

هذا الوضع السيئ جعل القمع والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان هي الأساس في تعامل سلطات الدولة مع المواطنين والمقيمين، وتسبب في فقدان الناس الثقة في الأجهزة العدلية التي فشلت في رفع الظلم والوقوف في وجه وزارة الداخلية التي ظلت تنتهك حقوق الإنسان بشكل ممنهج، وفي ظل انسداد الأفق انقلبت مهمة السجون من التعويق إلى التضييق الذي جعلها محاضن لتفريخ العنف والتمرد والتوتر، وازداد المجتمع انخناقا، وتفاقمت المشكلات، وخرج جيل مضطرب متوتر محتقن ليس على أجهزة القمع فحسب، بل أيضا على المجتمع الذي فشل في إنصافه ورفع الظلم عنه.

 

وبذلك تبنت وزارة الداخلية نموذج "الدولة البوليسية" الذي يتحكم في مفاصل الدولة، مثل المناصب القيادية في الجامعات، والصحافة والإعلام، والتعليم والمساجد، بل إن جهاز (المباحث السياسية) أصبحت له اليد الطولى في القمع والاعتقال التعسفي، والسجن الانفرادي الطويل، والتعذيب الوحشي-الجسدي والنفسي- لأجل انتزاع اعترافات عبر الإكراه يسارع القضاء في التصديق عليها.

 

ومن ثم اصدار الاحكام القاسية على الناس بالسجن مددا طويلة والجلد بالآلاف، والحط من كرامة الناس، وكسر شكيمة المحتسبين ومنكري المنكرات السياسية من أساتذة جامعيين ومثقفين ومهتمين بالشأن العام القلقين على حاضر ومستقبل هذا البلد.

 

لقد توهمت وزارة الداخلية أنها نجحت في استئصال الإرهاب والتطرف من خلال استخدام الحلول العسكرية والبوليسية، فازدادت الاعتقالات والتعذيب كلما ازدادت تعاظما وسيطرة وتضييقا، زاد التوتر و التمرد, والوزارة غير مدركة أن سياسة القمع ومصادرة الحريات وسد منافذ التعبير السلمي التي تنتهجها سبب أساسي، ليس في أحداث العنف المحلية فحسب، بل في ظاهرة الإرهاب العالمي.

 

والبرهان على ذلك أن أكثر المنخرطين في العنف العالمي من الجزيرة العربية, بل هم سعوديون, ونموذج ذلك أن أكثر الذين اشتركوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر سعوديون (15 سعوديا من أصل 19 شخصا).

 

إن هذا نتاج غياب العدالة أولاً, و قمع حركة المجتمع المدني السلمي ثانياً, وفظائع التعذيب في السجون ثالثاً, ومن نماذج ذلك تعذيب الشباب الذين عادوا من أفغانستان في الثمانينات حيث استقبلتهم بالاعتقال والسجون والتعذيب فكانت النتيجة كارثية.

 

إن ثلاثية الاستبداد التي تعتمد عليها وزارة الداخلية وهي: القمع والظلم والفساد أدت إلى تكوين الاستياء العام وانتشاره وتراكمه، ووزارة الداخلية غير مدركة أن العنف على خطورته ليس إلا أحد إفرازات الاستياء العام، التي منها فساد الأخلاق والمخدرات والسرقات، وشيوع الرشوة والأمراض الجسدية والنفسية والانتحار.

 

وتجاهلت وزارة الداخلية سنن الله الكونية التي نبهنا إليها الله في القرآن الكريم وذكرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم وأكدتها حقائق علم الاجتماع السياسي, وهو أن الظلم مهما صاحبه من قوة العضلات يقوض الأمن ويسقط الدول والحضارات، ولتجاهلها هذه الحقائق اقتصرت على الحل البوليسي والقمع المنظم-السري والعلني-الذي صب الزيت على النار، وسقى حشائش العنف والتطرف التي أنتجها الظلم بدلا من أن يقتلعها.

 

سياسات وزارة الداخلية هي المنتج الأساسي للعنف والتطرف المحلي والعالمي، للأسباب التالية:

 

1. أن وزير الداخلية رفض المطالبات المتكررة(منذ بضعة عشر عاما) من الحريصين على تطبيق الشريعة الاسلامية من دعاة حقوق الانسان الشرعية- بتقصي الحقائق، وكلما خاطبوه بذلك ازداد تماديا في القمع والاعتقال والسجن للشعب عموماً وللمطالبين بشروط البيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص.

 

2. أسهمت هيمنة وزارة الداخلية على المؤسسة القضائية في الإخلالات المنهجية القادحة بشرعية القضاء واستقلاله عبر عشرات الأساليب (عددتها جمعيات حقوق الانسان في بياناتها ) .

 

3. أن وزارة الداخلية لها النصيب الأكبر في قتل كرامة الأمة وإذلالها عبر عشرات الأساليب القمعية لترويض الناس، قبل الاعتقالات والسجن من أبرزها المنع من السفر تعسفيا دون حكم القضاء (أشار إليها دعاة حقوق الانسان في بياناتهم).

 

4. أنها جعلت الاعتقال التعسفي هو الأصل وفوق ذلك حولت السجون عبر عشرات فنون التعذيب والتضييق والرعب إلى محاضن لإنتاج العنف والتمرد والكآبة والجنون فصارت معتقلات التعذيب والاعتقال التعسفي هي المزود الرئيس لحركات العنف بالأتباع والمناصرين.

 

5. أن سياسة وزارة الداخلية هي أكبر مسهم في حماية نمط الحكم البوليسي العشائري، الذي ينتهك حقوق الإنسان السياسية.

 

6. أن العنف والتطرف الذي تنتجه وزارة الداخلية هو أحد مخرجات الإخلال بالبيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم(العقد الاجتماعي) فالعنف هو واحد من عشرات أعراض الداء ومضاعفاته، وليس هو جوهر الداء.

 

7. إن وزير الداخلية حين جرد القضاء من استقلاله، ضغط على القضاء وأصر على المحاكمات السرية لكي لا يعرف الرأي العام محليا وعربيا وعالميا أن سياسة وزارته هي أهم أسباب العنف والتطرف, فتوسع القضاء في انتهاكات حقوق الانسان السياسية, وبالغ في استخدام قاعدة التعزير إلى درجة الإعدام على أمور لا تستحق (في الشريعة) سجنا طويلا فضلا عن الإعدام, ومن أمثلة ذلك قتل الناشط السياسي عبد لله الحضيف.

 

8. أن وزير الداخلية من أجل إبعاد التهمة عنه وتغطية العنف والتطرف الذي تولده وترعاه وزارته استمر في تلفيق تهم دعم وتمويل الإرهاب وتهم قلب نظام الحكم على كل الحقوقيين والإصلاحيين والمحتسبين ودعاة حقوق الإنسان والديموقراطية، من مشايخ وعلماء وأكاديميين وطلبة علم وغيرهم، بل وسم من طالبوه بوجوب التزامه بـ(البيعة الشرعية: الدستور) على الكتاب والسنة بقوله لهم: أنتم الوجه الآخر للإرهاب, وأبرز نموذج لذلك سجناء جدة (الرشودي والقرني والشميري والهاشمي وسيف الدين الشريف آل غالب ورفاقهم), وما ذلك إلا استثمار لحملة الحرب العالمية على الإرهاب، لتصفية المعارضة السلمية ودعاة الحقوق السياسية وتضليل الرأي العام المحلي والعالمي.

 

9. إن سياسات وزارة الداخلية عملت على القضاء على جميع مظاهر المجتمع المدني عبر عشرات الوسائل.

 

10. كما عملت الوزارة على إنتاج ونشر خطاب ديني محرف, وثقافة شرعية محرفة, تخل بالمواطنة والتعددية والتسامح, التي أمر الله عز وجل بها وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على زرعها في المجتمع المسلم, كما عملت وزارة الداخلية على ان تذكي التعصب والتقوقع والتطرف, الذي نهى الله عز وجل عنه وذمه النبي صلى الله عليه وسلم.

 

11. أن وزارة الداخلية وأدت مفهوم الدولة الإسلامية المدنية المبنية على الحوار والاختلاف, وفق النهج الشرعي الوارد في الكتاب والسنة وحولتها إلى (دولة بوليسية), والدولة البوليسية منتج طبيعي للعنف والتطرف وذلك عن طريق بطشها بتيارات الاحتجاج السلمي وحركة المجتمع المدني مما أنتج الاحتقان وذلك أعظم أسباب العنف على الإطلاق.

 

12. يضاف إلى ذلك استشراء النهب و السلب و الوقوف في وجه أي إصلاح سياسي, حيث وصلت الانتهاكات الى مستوى ارتكاب (جرائم ضد الإنسانية).

 

أولا: تطالب الجمعية بإقالة وزير الداخلية:

 

وأنتم يا خادم الحرمين الشريفين –اليوم-تحملون علاج الداء، وأنتم الملاذ الأخير -بعد الله عز وجل - لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق، والناس يرجون أن يبدأ على يديكم الإصلاح المنهجي الذي يعالج الفساد. ولا يخفى عليكم أن عدل ساعة خير من عبادة سنة. من أجل ذلك نتقدم إليكم باتهامات محددة لوزير الداخلية، وأنتم تتحملون التبعة أمام الله وأمام الشعب وأمام الأجيال الحاضرة والقادمة.

 

وفي ضوء هذه التهم المعروضة على نظركم, نطالبكم بإقالة وزير الداخلية, وتجريده من كافة مناصبه، ورفع الحصانة عنه ليمثل أمام لجنة تحقيق تنظر في التهم الموجه له.

 

أنتم يا خادم الحرمين الشريفين مسئولون أمام الله وأمام الشعب منذ توليكم المسؤولية عن كل فقير يبيت جائعا، وعن كل مسكين لايجد مأوى، وعن كل أسرة تتسول، لأن وزير الداخلية قطع رزق عائلها بالسجن والفصل وفبركة التهم، ومسئول عن كل ما يحدث في البلاد والعباد. ومسئول يا خادم الحرمين عن جرائم الذين يأكلون أموال الفقراء والضعاف والمعوزين، ومسئول عن أعمال كل الذين يعذبون الفقهاء والمحتسبين ودعاة الإصلاح، ومسئول عن التهم الملفقة، وعن الأعراض المنتهكة.

 

فثمة قاعدة مرعية في علم الإدارة السياسية، اتفقت عليها الإنسانية، وأيدتها السياسة الشرعية، وهي الأخذ بالتهم التي توجه إلى من يزاول مهام إدارية رسمية، ولو لم تثبت بصورة قطعية، لأنها تختلف عن التهم التي توجه إلى الفرد العادي، فالفرد العادي لا يحاسب إلا على ما ثبت عليه، بصورة قطعية، أما الذي يمارس عملا رسميا، فإنه يحاسب إذا تلطخت سمعته بأمور يغلب على الظن وقوعها، ولو لم تثبت لدى القضاء.

 

وهكذا كان موقف عمر بن الخطاب، مع أبي هريرة رضي الله عنهما، فعندما ظن عمر أن أبا هريرة، حصل على تسهيلات تجارية، لأنه كان والي البحرين، لم يحقق فيها لدى القضاء، بل عزله مباشرة وشاطره ماله ووضعه في بيت مال المسلمين .

 

وهذا ما طبق نحوا منه والدكم، تجاه بعض أمراء الأقاليم، الذين تذمر الناس منهم، لأن في ذلك سدا لأبواب استغلال السلطة، وتذمر المواطنين، ولأن رضا المواطنين والعدل فيما بينهم والشورى شرط أساسي لاستقرار الأمن.

 

إن وزير الداخلية, إذا لم تكن ثمة جهات تراقب تصرفاته وتحاسبه، فإنه سيمضي بالبلاد إلى مزيد من الانحدار، وستقف ذهنيته الديناصورية عقبة كئودا أمام أي إصلاح مؤسسي، ما دامت له سلطة من دون حدود تستثمر خبرة أكثر من 30 عام، في القمع والتسلط، عبر تغلغل أطرافها الأخطبوطية في جميع شرايين الدولة:

 

متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم ووفاءا منا بشرط البيعة الشرعية بامتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة", قررنا مواجهة وزير الداخلية أمامكم، من أجل الدفاع عن أنفسنا وعن سائر دعاة الإصلاح، من شيوخ وشباب، وأحرار وحرائر.

 

خادم الحرمين:

 

إن الله يحب العدل ويأمر به كما في قوله تعالى (ان الله يأمر بالعدل والاحسان..... الآية) وأنت محب للعدل محب للإصلاح، واضح صريح شفاف، تحب الصراحة. والصراحة تقتضي أن نقول لك بلسان الناصح المشفق، وبلسان المطالب بالحقوق:

 

لقد شرفك الله، وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنة، ورفعك فوق العباد، ولا تشريف من غير تكليف, وإن الله سيسألك غدا، عن ما أعطاك، وسيسألك هل وليت على أموال الأمة أمينا أم خائناا؟، وهل وليت على أمن الناس رفيقا بهم، أم جبارا متعسفا؟ وهل وليت على أمورهم كفيا حافظا، أم عاجزا مفرطا؟.

 

ولقد تحملت أمانة ثقيلة، فانظر في ما يبرئ ذمتك، وما يريح ضميرك أمام الله, والعمر-مهما طال- محدود، وسيقف الجميع بين يدي حكم عدل، دون حراس ولا جنود، ولا أبهة ملك ولا سلطة ولا حجاب. "يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وفصيلته التي تؤويه", "ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه".

 

إلى ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

 

ثانياً: تطالب الجمعية بمحاكمة وزير الداخلية على هذه الانتهاكات والمتورطين فيها والمدلسين من ضباط مباحث ومحققين وسجانين وقضاة:

 

ومن أجل ضمان عدم تكرار انتهاكات وزارة الداخلية، لحقوق الإنسان في الكرامة والمساواة، وحقوق المتهم, لا تكفى إقالة الوزير لإرساء العدالة, بل إنه يجب علينا أن نعالج فسادنا السياسي، قبل أن نصبح عرضةً وطعاما للتدخلات الأجنبية: فماذا سيفعل من يزرع أعشاب العنف والتطرف عندما تتهاوى أقنعة مسرحية الإرهاب العالمية و المحلي؟

 

فلا يكفي أن يقال وزير الداخلية, بل نحن ندعي-أيضا- عليه دعوى حسبة في الشأن العام، ونطالب بمقاضاة الوزير علانية، في القضايا العشر التالية:

 

الأولى: أن سياسة وزارته أعظم أسباب العنف والتطرف: الذي انفجر بعد تراكم احتقان المجتمع منذ اكثر من ثلاثين عاما من قمع حرية الرأي والتعبير والتجمع، فمصادرة الحريات العامة من أعظم أسباب العنف الذي هز البلاد والعباد, إن لم تكن أعظمها.

 

الثانية: أنها انحرفت بالسجون عن التعويق والتأديب إلى وظيفة فرعونية: التضييق والتعذيب. وظلت تمارس التعذيب الجسدي والمعنوي في السجون، على الرغم من تكرار تنبيه دعاة حقوق الإنسان إياها، وتعاونهم معها بملفات عن الانتهاكات، منذ أكثر من عشر سنوات، تضمن حقائق فظيعة شنيعة، في مقياس الحقوق في الشريعة، وفي جميع الشرائع الإنسانية، وهي انتهاكات مخلة بما وقعته الدولة من مواثيق دولية وإسلامية وعربية.

 

ولكن الوزير لم يفتح أي تحقيق ولم يحل أحدا من المتهمين بممارسة التعذيب إلى قضاء علانية وهذا يوحي أن هؤلاء المتورطين في الانتهاكات لم يتصرفوا من تلقاء أنفسهم وانما ينفذون الأوامر فيكون وزير الداخلية هو المسئول الأول عن هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في الشريعة الاسلامية والقوانين والاعراف الدولية.

 

لأن السلطة تفوض والمسئولية لا تفوض فتبقى عليه المسئولية كاملة وتنتقل المسئولية الى من هو على رأس الهرم في الدولة إلا أن يتخذ اجراء عاجلا بالإقالة والمحاكمة الفورية فإن لم يكن ذلك كان الجرم والمسئولية على الرئيس والمرؤوس ويؤيد هذه الفرضية أن التعذيب والاعتقال التعسفي أصبح ظاهرة ولذلك يرفض الوزير التحقيق العلني والشفاف والمحاكمة العلنية لكي لا يفتضح أمرها.

 

الثالثة: مخالفة الأنظمة العدلية التي حمت حقوق المتهم، التي قررتها الدولة في (نظام الإجراءات الجزائية) عمدا، رغم تنبيه دعاة حقوق الانسان إياها مرارا، في خطابات موثقة رسميا.

 

الرابعة: ستر أخطاء موظفيها الذين ينتهكون حقوق الإنسان, بعباءة أعمال السيادة, فتحت لافتة أعمال السيادة تحمى من ينتهك حقوق المواطنين، من موظفيها، ولاسيما رجال المباحث السياسية الفاسدين.

 

الخامسة: حرمان أسر المعتقلين السياسيين من رزقها في بيت المال: فهي تفصل الحقوقيين و المعارضين من وظائفهم، وتحرم الآمرين بالمعروفات السياسية والناهين عن المنكرات السياسية، ودعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان, من أرزاقهم وأرزاق أهليهم، التي هي حق شرعي لهم في بيت المال، من أجل إرغامهم على التآلف مع المنكرات السياسية.

 

وقد فصلت عددا من القضاة وأساتذة الجامعات ورجال الحسبة والخطباء من أعمالهم. وقطع الأرزاق عقوبة مضاعفة، مجرمة محرمة في الشريعة تحريما قطعيا، والله تعالى يقول(ولا تزر وازرة وزر أخرى) لأنها تتعدى من قام بأعمال مهما كانت غير مشروعة إلى الأسر، وبذلك شردت وأفقرت ودمرت أسرا كثيرة، وحرمت أسرا من حقها في بيت المال، فعاقبت كل أسرة، على ذنب حقيقي أو متوهم، اقترفه عائلها أو اتهم به، بل حتى المدان نفسه بالجرم لا يعاقب بقطع حقه ورزقه من بيت المال فما بالك بمصادرة أجره الشهري وتقاعده.

 

السادسة: توثيق التهم الملفقة بصكوك قضائية :إنها عبر سيطرتها على جهاز القضاء، صارت تضغط على القضاة، من أجل إثبات التهم الملفقة في صكوك قضائية، على السياسيين عامة، ودعاة العدل والشورى خاصة، من أجل تشويه سيرتهم والتشكيك في مصداقيتهم، وإشغالهم بأنفسهم.

 

السابعة: كثرة حالات الاعتقال المتعسف بصورة منظمة متعمدة، مخالفة لأحكام الشريعة الاسلامية التي يجب عليها الالتزام بها والتي تحرم وتجرم اعتقال الانسان قبل ثبوت الذنب عليه بعد محاكمته محاكمة علنية وعادلة, فلا عدالة في محاكمة إذا لم تكن علانية, كما انها بهذه الاعتقالات تخالف نظام الإجراءات الجزائية، مخالفات صريحة متكررة، وكأن النظام وضع من أجل ذر الرماد أمام الهيئات الدولية، التي تطالب الدولة، بالالتزام بما ماوقعت عليه من قرارات عالمية.

 

الثامنة: دعم وإنشاء خطاب ديني محرف يرسخ الظلم والتخلف: وهي تستخدم بعض علماء الدين الخادعين والمخدوعين، وتمكن لهم وتدعمهم ماديا ومعنويا، مباشرة أو عبر وزارة الأوقاف والإعلام أو التعليم، ليبثوا خطابا دينيا متقوقعا، يبث الفرقة بين أهل القبلة، ولاسيما بين السنة والشيعة، ويذكي روح التعصب الديني والانغلاق، يتجافي عن سنن السلف الصالح، كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز، في التعامل مع الطوائف والفرق.

 

وخطابا دينيا محرفا يشيع بين الناس أن مبادئ الكرامة والمساواة والعدل والتعايش والشورى والحرية، ليست من أصول العقيدة القطعية، ويصادر حقوق المرأة الشرعية، ويحمي القهر والفقر والتخلف، ويتجافى عن سنن السلف الصالح، في العهد النبوي والراشدي، ويصادر حقوقها باسم الإسلام، وكأنه يريد أن يكون سلفيا أكثر من السلف الراشدي الصالح، والوزارة تتحالف مع هذا الخطاب-لا من منزع الحفاظ على الأخلاق- بل لأنها لا تريد أن تنال المرأة حقوقها الشرعية عامة والسياسية خاصة والثابتة لها بالقران الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كي لا تنشئ وتربي أجيالا حرة، ترفض التفقير والتحقير.

 

التاسعة: تعهدات السجون والمحاكم تخالف مقتضى البيعة الشرعية وما وقعت عليه الدولة من مواثيق حقوق الإنسان:

 

إن تطبيقات الوزارة في السجون تنتهك أصول البيعة الشرعية على الكتاب والسنة, وتخالف ما هو ثابت في نصوص الشريعة وروحها، بصورة قطعية، حيث تنتهك حرية الرأي والتعبير المشروعة في الشريعة الاسلامية، وتطلب ممن تعتقلهم ان يكتبوا تعهدات يلتزمون فيها بترك الأمر بالمعروفات والنهي عن المنكرات السياسية وتلك مخالفة صريحة للنصوص الشرعية القطعية من القرآن والسنة التي توجب الجهاد السلمي من اجل الحفاظ على الأمة والملة وتوجب المناصحة الشرعية لجميع المسلمين.

 

كما أن وزارة الداخلية لا ترضى في أي تعهد تلزم المعتقل بكتابته أن يقيد طاعة الحكومة بالمعروف، وهذا رفض صريح لحديث: "إنما الطاعة بالمعروف"، فتطلب منهم أن يكتبوا في التعهد أن يطيعوها طاعة مطلقة في معصية الله وطاعته معا, وهذا من نواقض البيعة الشرعية, فضلا عن أنه مخالفة صريحة لما وقعت عليه الدولة من مواثيق حقوق الإنسان.

 

العاشرة: إهمال أمن المواطنين على أموالهم وأعراضهم:

 

إن وزير الداخلية–إذ ركز وظيفة الوزارة، على مراقبة أصحاب الرأي والتعبير والتجسس عليهم، فلا يكاد يفلت منه متحدث في قناة أو انترنت، ولو كان باسم مستعار-قصّر في مراقبة السراق واللصوص، والمجرمين والفساق والمجان، حتى صار الناس لا يأمنون على أطفالهم ونسائهم في البيوت, ولا على سيارتهم في الأسواق، وصاروا يخشون على أنفسهم من الاختطاف.

 

من أجل ذلك نرجو أمر وزير الداخلية الأمير نايف لنجلس معا، أمام لجنة قضائية علنية، للبت في الدعاوى السابقة.

 

وليس في جلوسه أمام القضاء ما يعيبه, فلقد جلس أمام القضاء خيار الخلفاء والأمراء، كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. ودرج خلفاء بني أمية وبني العباس-حتى الظلمة منهم- على ذلك، وجلس أجدادكم عموما، ووالدكم المؤسس خصوصا، مرارا كثارا.

 

ونحن نقول للأمير نايف: تعال إلى كتاب الله، تعال إلى شرع الله, ألا يرضينا ويرضيك شرع الله؟ أليس التحاكم إلى الشرع هو عنوان العقيدة السديدة؟ أليس تطبيق الشريعة واجبا على الجميع، سواءا أكانوا من الأمراء، أم من عموم الناس؟.

 

خادم الحرمين الشريفين

 

نطالبكم بأمر الوزير بالجلوس أمام القضاء لكي تواجهه الجمعية بما لديها من أدلة وملفات على هذه التهم وأمثالها في قضاء علني، وبحول الله وقوته, سنثبت أمام القضاء العلني ما يدين وزير الداخلية، أمام شهود الله في أرضه: الرأي العام. وأنتم بذلك تقدمون نموذجا حيا فعالا تحيون به سنة عدل، وترسخون قاعدة تنفي تقديس الأشخاص، وتسمح بمقاضاة الوزراء والأمراء.

 

إن الجمعية وهي ترسل هذا الخطاب لكم من أجل الحد من عوائد وزارة الداخلية الراسخة: في الطعن في الخاصرة، والله يقول: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم". فهذا الخطاب شهادة أمام الله وأمامكم وأمام الشعب وأمام الأجيال الحاضرة والقادمة.

 

ونحن على كل حال, لا نستهين بسطوة وزارة الداخلية وانتقامها، بل ولا نأمن بطشها، عبر أي من الموبقات الفظيعة الشنيعة، السرية و العلنية. لكننا قررنا أن لا يمنعنا الخوف على أنفسنا وأهلينا وأموالنا من الصدع بالحق الذي كلفنا الله به في قوله تعالى (فأصدع بما تؤمر....) ، ونسأل الله-مالك الملك- أن يثبتنا على أن لا نخشى ولا نرجو سواه، لأن الشريعة جعلت التعرض لأذى الظالم، في سبيل إنكار المنكر السياسي أعظم أنواع الجهاد، كما في الحديث الصحيح"أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"(رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن).

 

نعم لقد أصبنا كما أصيب غيرنا، بأذى سري وآخر علني، ولكننا لا نتقدم إليك نطلب إنصافا لذواتنا، بل نحتسب ما أصابنا عند الله من جانب، ويحدونا ما أصابنا –من جانب آخر-إلى الإسهام في كشف الغمة عن الأمة.

 

وما أحلى الشهادة في سبيل الله إذا كان لابد من دفع هذا الثمن لأن الرسول صلى الله عليه و سلم قال :"أعظم الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"(رواه الحاكم).

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

جمعية الحقوق المدنية والسياسية في المملكة العربية السعودية