إسرائيل تواجه تسونامي سياسياً في سبتمبر

إسرائيل تواجه  تسونامي  سياسياً في سبتمبر
السبت ٢٨ مايو ٢٠١١ - ١١:٣٥ بتوقيت غرينتش

في منتصف الأسبوع الماضي، نشرت جريدة «نيويورك تايمز» الاميركية مقالا مهما جاء تحت عنوان يمكن ترجمته على النحو التالي:الدولة الفلسطينية التي طال انتظارها.

وقد يلفت النظر أن الصحيفة الأميركية الكبيرة في عددها  الاثنين 16/5 حرصت على التشديد على أهمية المقال فكان أن اختارت لنشره زاوية الافتتاحية، فيما زادت من أهميته أيضا أن جاء المقال بتوقيع «محمود عباس» رئيس السلطة الفلسطينية.

ثم أن النشر جاء بداهة بتاريخ الخامس عشر من مايو.. وهو ذكرى «النكبة» التي جاء إحياؤها واستيعاب دروسها هذا العام محفوفا بظروف يمكن أن نعدها استثنائية وقد نلخصها بإيجاز شديد فيما يلي:

 الظروف الحالية

1-استشراء التعصب العنصري وإجراءات السيطرة الإمبريالية التي ما برح يمارسها ويفرضها نظام الاستيطان الاستعماري الصهيوني على الشعب العربي الفلسطيني أرضا وسكانا ومصيرا.

2- واقع التغيرات الجذرية المستجدة على السياق الإقليمي المحيط بالأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة في جمهورية مصر العربية وهي في مجملها، تغيرات ايجابية تصب في صالح زيادة وعي الجار المصري بمعاناة الشقيق الفلسطيني أو هو بالأدق استرداد هذا الوعي سياسيا وشعبيا بعد فترات من التراخي أو التشتت أو حتى الإهمال.

3- تصميم القيادات الفلسطينية، ولاسيما بعد نجاح جهود توحيد صفوفها ورأب صدوعها وتجاوز خلافاتها، على طرح مشروع «الدولة الفلسطينية» الذي تأخرت عن موعدها ردحا طويلا من الزمن (استخدمت مقالة الرئيس عباس تعبير «Overdue» في الإنجليزية لتأكيد هذا المعنى).

وفي هذا السياق أكد عباس على تصميم القيادة الفلسطينية على «أن الشعب الفلسطيني بات يحدوه الأمل، باعتبار أن فلسطين سوف تطلب إلى المجتمع الدولي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، لدى التئام دورتها الجديدة في سبتمبر من هذا العام، الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 لتصبح «دولة فلسطين» عضوا كامل الأهلية في منظومة الأمم المتحدة.

رقم جديد في الجامعة

وفيما يرى بعض مراقبي هذا الشأن الفلسطيني أن ثمة قيمة محدودة لإعلان هذا الكيان السياسي المستجد، وبعضهم يذهب إلى أن الأمر قد لا يعدو إضافة رقم جديد إلى قائمة «الدول أعضاء جامعة الدول العربية»، إلا أن هناك من يؤكد أن إعلان دولة فلسطين من شأنه أن يمهد السبيل أمام تدويل النزاع ومن ثم تحويله من الاقتصار على الأبعاد السياسية كي يكتسب المزيد من الأبعاد القانونية، وهو ما يتيح بدوره طرح مطالبات الدولة العربية الجديدة بحقوق مواطنيها الفلسطينيين من المقيمين والمغتربين أمام محافل دولية شتى.. ما بين الأمم المتحدة نفسها إلى الهيئات التعاهدية المسؤولة عن تفعيل وتطبيق صكوك حقوق الإنسان والقانون الدولي وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية.

من جانب آخر.. فلن تفوتنا أن نلاحظ دلالة التزامن بين ما تم من نشر مقالة المسؤول الفلسطيني الكبير، وبين الزيارة الوشيكة (وقت كتابة هذه السطور) المقرر أن يقوم بها إلى واشنطن العاصمة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» الذي عمد إلى استباق زيارته واجتماعه المرتقب مع الرئيس الأميركي «أوباما» ووزيرة خارجيته «كلينتون»، فكان أن أعلن من جانبه رفض حكومته، بكل عنجهيتها العنصرية، لما تم من تصالح بين جناحْي السلطة وحماس، مضيفا أن انضمام حماس إلى تركيبة الحكم الفلسطيني معناه أن لن يكون ثمة تفاوض على السلام. المسؤول الصهيوني المذكور أعلن هذه التصريحات لدى افتتاح دورة البرلمان الإسرائيلي وغداة المجزرة التي تصدى فيها الجنود الإسرائيليون لجماهير المدنيين الفلسطينيين الذين تظاهرت حشودهم لإحياء ذكرى النكبة فكان أن سقط من بين صفوفهم أكثر من 12 شهيدا.

الطريق إلى واشنطن

في هذا السياق يوضح الصحافي «ايتان برونر» في رسالة من القدس المحتلة أن وسائل الإعلام المختلفة في إسرائيل، مطبوعة ومسموعة ومرئية، رأت في هذه الأحداث الدموية ما يشير إلى أن المرحلة المقبلة سوف تشهد مصادمات دموية بدورها وأن هذه المرحلة من شأنها أن تشكل تحديا خطيرا أمام إسرائيل (نيويورك تايمز، 16/5/2011).

وفيما كان نتنياهو يحزم حقائبه استعدادا للإقلاع إلى واشنطن.. فقد حرص تماما على أن تسبقه شروط أو إملاءات ألمح فيها مثلا أنه قد يقبل بالتنازل (!) عن معظم أراضي الضفة الغربية (المحتلة) لكن لصالح ماذا؟.. لصالح دولة فلسطينية منزوعة السلاح!. فما بالنا وقد أضاف كذلك العزم على الاحتفاظ بالقدس بأسرها وبالكتل الاستيطانية الصهيونية الكبيرة التي مازالت بداهة تشكل ركائز الاستعمار الاستيطاني العنصري المقيتة في أرض الشعب الفلسطيني.

والحاصل أن لقطات المشهد الصراعي في فلسطين كفيلة بأن تنتقل بعدسة الاهتمام ومحاوره إلى خارج حدودها وبالذات إلى أميركا التي تشهد بدورها متغيرات وتحديات من شأنها أن تحف بالحوار المنتظر أن يتم في مواقع شتى، ما بين البيت الرئاسي الأبيض إلى مكاتب الخارجية وربما أروقة الاستخبارات المركزية.. دعك عن أبهاء أو سراديب جماعة الإيباك وغيرها من مؤسسات اللوبي الإسرائيلي الصهيوني الذي ما انفك يمارس نفوذه ويحكم تلابيب مؤثراته على مسارات السياسة بل وعلى المصالح القومية العليا للولايات المتحدة على نحو ما سبق وأوضحه وحذر منه الأستاذان ميرشماير وستيفن والت في كتابهما الأشهر بعنوان: «اللوبي الإسرائيلي».

 استقالة ميتشل

هناك أيضا ما تم مؤخرا من إعلان استقالة السناتور (السابق) «جورج ميتشل» المبعوث السابق للرئيس «أوباما» إلى منطقة الشرق الأوسط. وكان الرئيس الأميركي قد عيّنه في هذا الموقع في ثاني أيام ولاية «أوباما» نفسه، ليكون مسؤولا عن متابعة وتفعيل عملية التفاوض بين اسرائيل والجانب الفلسطيني. وتم ذلك في غمار موجات ما لبثت أن انحسرت من التفاؤل بالعهد الأميركي المستجد الذي خَلَف وجود وهيمنة المحافظين الجدد على مقاليد الأمور في واشنطن على امتداد حقبة بوش الابن الرئاسية.

جاء «ميتشل» إلى موقع المسؤولية الشرق - أوسطية تسبقه نجاحات أو فلنقل إيجابيات تحققت على يديه وكان في مقدمتها إحلال السلام في الصراع (العقائدي الطائفي) في أيرلندا الشمالية.

ولكن تشاء المصادفات.. الغريبة أو حتى البائسة على نحو ما يصفها الكاتب الأميركي «ستيفن لي مايرز» أن تصبح استقالة ميتشل سارية المفعول عشية اجتماع أوباما مع زائره نتانياهو الذي لا يشعر إزاءه الرئيس الأميركي على حد قول الصحافي المذكور - سوى بعلاقة أقرب إلى برودة الثلج وإن كانت علاقة مهذبة حسب القواعد المتعارف عليها.

يشرح الكاتب «ستيفن لي مايرز» أيضا أبعاد الملابسات الراهنة موضحا أن أهم أسباب استقالة المبعوث ميتشل هو فشله، نعم فشله، في إقناع إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات في الأراضي التي يطالب بها الفلسطينيون.

ويضيف «لي مايرز» أيضا أن الاستقالة تأتي على خلفية ما طرأ من تحولات بفعل الانتفاضات الشعبية التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط.

ثم يزداد إيقاع الأحداث.. سرعة وتشابكا وتعقيدا سواء بفعل خطاب الرئيس أوباما المرتقب إلى المنطقة أو حرصه على لقاء آخر يعقده مع عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني.. ناهيك عن تبادل اتهامات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن إجابة السؤال البديهي الذي يقول: مَن الذي أفشل مهمة المبعوث الأميركي؟

 بين مايو وسبتمبر

هكذا تمضي أيام شهر مايو الذي لا ينسى الفلسطينيون وأشقاؤهم عرب المشرق والمغرب أنه بحق كان شهر النكبة التي شهدها، كما هو معروف عام 1948.

وفيما يحتفل الكيان الصهيوني بذكرى قيام إسرائيل في نفس التاريخ.. فإن الأوساط الصهيونية ذاتها.. تعلن من الآن خشيتها من شهر آخر يتحسبون لما قد يشهده من أحداث وتطورات.

هو شهر سبتمبر من العام الحالي.

سيكون شهرا «كئيبا» على نحو ما تذهب إليه صحيفة «معاريف» الإسرائيلية (عدد 13/5) نقلا عن محاضرة ألقاها في جامعة تل أبيب «يوفال ديسكن» الرئيس المنصرف لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك).

في المحاضرة لاحظ المراقبون أن «ديسكن» أعرب عن تخوفاته إزاء ما اعتزمته القيادة الفلسطينية من طلب إعلان «دولة فلسطين» المرتقبة من جانب الجمعية العامة لدى انعقاد دورتها الجديدة في سبتمبر المقبل، فضلا عما تخطط له أوساط ودوائر فلسطينية شتى من حملة دبلوماسية نشطة في أرجاء العالم تمهيدا ومؤازرة لإعلان الدولة المرتقبة.

وتسلّم الأوساط الإسرائيلية بأن مثل هذه الحملة السياسية الدبلوماسية جديرة بأن تؤتي ثمراتها:

صحيفة «هاآرتس» تحيل مثلا إلى ما تسميه تقديرات دوائر سياسية رفيعة المستوى في تل أبيب بأن مقترح الدولة الفلسطينية يمكن أن يحظى بتأييد أكثر من 130 دولة من أعضاء الجمعية العامة الذين يزيد عددهم على 193 دولة وبمعنى أن سبتمبر جدير بأن يشهد قرارا صادرا بأغلبية مريحة تدعم الطلب الفلسطيني للاعتراف بالدولة الوليدة في حدود ما قبل عام 1967.

في نفس المضمار.. تعيد الأوساط السياسية الإسرائيلية إلى الأذهان إعلان الاستقلال الصادر في الجزائر عن المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1988 وقد حظي وقتها بتأييد 100 دولة.

بل هناك من يذهب بعيدا حين يقول على نحو ما ينقل الصحافي الفلسطيني زهير أندراوس من مدينة الناصرة في الأراضي المحتلة بأنه لو جاء نص الاقتراح الفلسطيني معتدلا فمن الممكن أن يزيد عدد أصوات الدول المؤيدة لإصداره في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى نحو 170 دولة حيث لا تتمتع أي دولة بالطبع بأي حق للنقض (الفيتو) على نحو ما يحدث بالنسبة للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

 المساعدات العسكرية

في كل حال هناك أيضا من يشير إلى أن تطورات الأوضاع وحركة الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط مازالت تشكل أكثر من كابوس بالنسبة لإسرائيل، خاصة وقد غابت الأوضاع التي كانت تتصور اسرائيل أنها دعامة لاستقرار مشروعها الاستعماري في قلب المنطقة العربية.

من ناحية أخرى، هناك من لا يفوته أيضا أن عقلية المساومة اليهودية المعروفة لن يفوتها أن تحّول هذه المخاوف إلى سلوكيات للابتزاز السياسي ومن ثم الاقتصادي إزاء الشريك الأكبر المتمثل في الولايات المتحدة.

هنا تشير مجلة «ذي ميدل إيست» إلى أن الوفد الإسرائيلي الزائر لواشنطن العاصمة برئاسة نتنياهو قد يطلب من أميركا زيادة معوناتها العسكرية بواقع 20 مليار دولار وهو ما سبق إلى التصريح به «إيهود باراك» وزير الأمن الإسرائيلي وبدعوى أن إسرائيل لن تجد مناصا من العودة إلى زيادة إنفاقها العسكرية في ضوء هواجسها إزاء تطور العلاقات مع مصر، وبعد أن أوضحت استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا أن نسبة 65 في المائة من أوساط الرأي العام في إسرائيل ترى أن الأوضاع المستجدة في القاهرة أمر سيئ بالنسبة لإسرائيل، وهو ما جعل شبكة التحالفات التي سبقت إلى تشكيلها في مناطق الجوار مهددة بالتصدع إن لم يكن بالانهيار..

وكان هذا التصدع قد بدأ كما تشير مجلة ذي ميدل ايست (عدد ابريل 2011) بتدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا وخاصة بعد عدد من الأحداث السلبية التي كان في مقدمتها العدوان العسكري الصهيوني على سفينة المتطوعين المدنيين التي جاءت لتقديم يد العون إلى الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.

لم يبق على خريف هذا العام سوى 3 أشهر بل وأقل. وإذا ما واصلت الأوساط السياسية والدبلوماسية الفلسطينية حركتها الدينامية مستندة إلى دعم عربي فإن إسرائيل سوف تواجه ظاهرة وصفها إيهود باراك نفسه عقب اجتماعه إلى سفرائهم لدى عديد من دول العالم.. حين قال: في الخريف المقبل سوف نقابل «تسونامي سياسيا».

كلمات دليلية :