روسيا و الاتحاد الأوروبي و ما يجب معرفته عن القرم؟!

روسيا و الاتحاد الأوروبي و ما يجب معرفته عن القرم؟!
الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٨ - ٠٩:٥٧ بتوقيت غرينتش

فرضت واشنطن وبروكسل منذ 2014 جملة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وعودة شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا.

العالم

شبه جزيرة القرم

تقع جمهورية القرم، وهي رسميا لم تزل جزءا من أوكرانيا، في شبه جزيرة تمتد من جنوبي أوكرانيا بين البحر الأسود وبحر آزوف. ويفصلها عن روسيا من الشرق مضيق كيرش.

في اوائل عام 2014، أصبحت شبه جزيرة القرم محور اخطر أزمة بين الشرق والغرب منذ الحرب الباردة، وذلك بعد الاطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب (والموالي لروسيا) فيكتور يانوكوفيتش باحتجاجات شابها العنف في العاصمة كييف.

عند ذاك، قامت قوات موالية لروسيا بالسيطرة على القرم، وبعد ذلك صوت سكان المنطقة - وغالبيتهم من ذوي الأصول الروسية - في استفتاء عام للانضمام الى روسيا الاتحادية. ولكن أوكرانيا والدول الغربية قررت ان الاستفتاء كان غير شرعي.

كانت روسيا سيطرت على القرم وضمتها ابان حكم كاثرين العظيمة في عام 1783، وظلت جزءا من روسيا الى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف باهدائها الى جمهورية أوكرانيا السوفيتية آنذاك "من أجل تعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين".

ويشكل الروس أغلبية السكان في القرم، ولكن تسكن في المنطقة ايضا اقليات لابأس بها من الأوكرانيين والتتار.

كانت شبه جزيرة القرم تقع تحت سيطرة اليونانيين والرومان لعدة قرون، ولكن في عام 1443 اصبحت مركز دولة تتارية سيطر عليها لاحقا العثمانيون.

وأدى التنافس بين الدول الكبرى في اواسط القرن التاسع عشر الى اندلاع حرب القرم التي حاربت فيها بريطانيا وفرنسا - اللتان كانتا متخوفتين من الطموحات الروسية في بلاد البلقان - روسيا للاستحواذ على إرث الدولة العثمانية الآفلة.

منحت شبه جزيرة القرم حكما ذاتيا باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي عقب ثورة أكتوبر البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في اوائل عام 1940 قبل ان يطردوا منها.

تسفير التتار

اتهم الزعيم السوفيتي جوزف ستالين تتار القرم بالتواطؤ مع المحتل النازي، ولذا قام بتسفيرهم الى آسيا الوسطى وسيبيريا في عام 1944 في عملية كلفت أرواح الكثيرين منهم. ولم يسمح لهؤلاءالتتار بالعودة الى موطنهم الأصلي في القرم الا بعد انهيار وزوال الاتحاد السوفيتي. وعندما عادوا - وكان عددهم يناهز الربع مليون - في اوائل تسعينيات القرن الماضي وجدوا انفسهم في دولة مستقلة جديدة هي أوكرانيا حيث واجهوا نسبة بطالة عالية جدا وظروف سكن رديئة للغاية.

نتيجة لذلك، نشبت توترات واحتجاجات متواصلة تتعلق بحقوق الملكية إذ ان تمليك الاراضي في القرم للتتار كان أمرا خلافيا في أوكرانيا.

عقب اعلان استقلال أوكرانيا، سعى سياسيون روس في القرم الى توثيق علاقات شبه الجزيرة مع روسيا والى تثبيت سيادتها من خلال سلسلة من الخطوات وصفتها الحكومة الأوكرانية بأنها منافية للدستور الأوكراني, وينص الدستور الأوكراني الذي سن في عام1996 على أن القرم لها وضع الجمهورية ذاتية الحكم، ولكنه نص ايضا على ان القوانين التي تسن في القرم يحب ان تتماشى مع القوانين الأوكرانية.

وللقرم برلمانها الخاص وحكومة لها صلاحيات للتحكم بالأمور الزراعية والسياحية وتلك التي تتعلق بالبنية التحتية. ولتتار القرم برلمان خاص غير رسمي - يدعى المجلس - يقول إن الغرض منه اعلاء حقوقهم ومصالحهم.

التوتر بين روسيا وأوكرانيا

يعد ميناء سيفاستوبول قاعدة بحرية مهمة، وكان مقر اسطول البحر الاسود الروسي منذ الحقبة السوفيتية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جرى تقسيم الاسطول بين روسيا وأوكرانيا.

وكان وجود الاسطول الروسي في سيفاستوبول مصدر توتر بين روسيا وأوكرانيا منذ ذلك الحين. ففي عام 2008، طالبت أوكرانيا - التي كان يحكمها آنذاك الرئيس فيكتور يوشنكو الموالي للغرب - روسيا بالامتناع عن استخدام اسطول البحر الأسود في صراعها مع جورجيا.

ولكن البلدين اتفقا على بقاء الاسطول الروسي في مقره في سيفاستوبول حتى عام 2017، ولكن بعد انتخاب فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لروسيا رئيسا لأوكرانيا في عام 2010، وافقت أوكرانيا على تمديد بقاء اسطول البحر الأسود في سيفاستوبول بـ 25 سنة بعد 2017، مقابل حصول أوكرانيا على الغاز الروسي باسعار تفضيلية.

رواية بوتين عن كيفية السيطرة على القرم

يروي الرئيس الروسي فلاديميربوتين  الواقع عن اللحظة التي أصدر فيها القرار السري بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وكيف أن قواته كانت على أهبة الاستعداد للقتال من أجل إنقاذ رئيس أوكرانيا المخلوع فيكتور يانوكوفيتش .

ففي مقاطع بُثت من فيلم وثائقي قادم على قناة روسيا-1 المملوكة للدولة، تحدث بوتين صراحة عن ضم موسكو للقرم منذ 2014.

وروى بوتين ما دار في اجتماع امتد طوال الليل عقده مع مديري أجهزة الأمن لبحث كيفية إخراج الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي فرَّ بعد احتجاجات موالية للغرب عمَّت شوارع العاصمة كييف.

وقال الرئيس الروسي "انتهينا من الاجتماع  في حوالي السابعة صباحا. وقبل أن نفترق أخبرت زملائي أننا لا بد أن نعمل على استعادة القرم إلى روسيا".

وبعد أربعة أيام من ذلك الاجتماع الذي عُقد في فبراير/شباط 2014 ، احتل جنود لم تُحدد هويتهم مبنى البرلمان المحلي في القرم، واستُدعي النواب على عجل للتصويت من أجل تشكيل حكومة جديدة.

وكان أن ضمت موسكو رسميا الإقليم إليها في الثامن من مارس/آذار 2014، مما أثار موجة من الإدانات الدولية.

وفي مقاطع الفيلم الوثائقي، كشف بوتين أن الجيش الروسي كان على استعداد للقتال حتى مدينة دونيتسك في شرق أوكرانيا لإخراج يانوكوفيتش من البلاد.

وقال في ذلك "كان من الممكن أن يُقتل. كنا مستعدين لإخراجه من دونيتسك براً أو بحراً أو جواً. وقد نصبنا مدافع رشاشة ثقيلة هناك".

لكن لماذا لم تعلن أوكرانيا الحرب على روسيا بنفس العام ؟

 هكذا يجيب على هذا السوال سكرتير مجلس الأمن والدفاع الوطنى الأوكرانى ألكسندر تورتشينوف: إن كييف لم تقوم بأي "عمليات لمكافحة الإرهاب" في شبه جزيرة القرم في فبراير/شباط-مارس/أذار في 2014، لأن 90% من أعضاء مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني "خانوا" أوكرانيا.

ويضيف تورتشينوف في مقابلة مع قناة " 112 أوكرانيا"، أن مجلس الأمن الوطني الأوكراني لم يعط توصيات للقيام بعمليات لمكافحة الأرهاب في القرم وتابع، "يمكني أن أشرح لكم سبب ذلك، وهو أن 90% من العاملين في مجلس الأمن الوطني، والذين لا يزالون في الخدمة، خانوا أوكرانيا، مؤكدا أنها معلومات رسمية، وأن مع حالة الخيانة الكاملة حينها لم يقم أي شخص من مجلس الأمن الأوكراني بقيادة عمليات مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة القرم. وكشف تورتشينوف أن أوكرانيا لم تعلن الحرب على روسيا فى عام 2014 بسبب أسلحة روسيا النووية.

وكان الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، قال العام 2017 إن أوكرانيا "ليس بإمكانها استرجاع القرم من روسيا بالقوة، إلا أنهم قادرون على خلق ظروف تجعل القرم عبئا ثقيلا على روسيا، لجعل الوضع في القرم جحيما".

والجدير بالذكر أن إقليم شبه جزيرة القرم عاد إقليمياً روسياً فيدرالياً، بعد استفتاء جرى يوم 16 مارس/آذار 2014، في شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، وأصبحت كلتا المنطقتين ضمن روسيا الاتحادية، اعتباراً من 18 مارس/آذار 2014، واعتبر هذا اليوم عطلة رسمية في شبه جزيرة القرم، ومدينة "سيفاستوبول".

أعلنت وزارة الخارجية الروسية في أكثر من مناسبة، أن سكان شبه جزيرة القرم قد صوتوا لصالح إعادة الوحدة مع روسيا من خلال الوسائل الديمقراطية، وفي إطار الامتثال الكامل للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وروسيا تحترم وتقبل هذا الاختيار، ومثل هذا القرار هو واقع لا يمكن دحضه.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قضية شبه جزيرة القرم نعتبرها منتهية تماما بشكل لا رجعة فيه.

 

المبادئ الخمس للاتحاد الأروبي تجاة روسيا

باعتبار روسيا ثامن أكبر قوى اقتصادية بالعالم، بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 2 تريليون دولار و ان الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين لروسيا، وهناك علاقات اقتصادية متجذرة بين الجانبين ، فرضت واشنطن وبروكسل منذ 2014 جملة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، وعودة شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا.

وفي مارس 2015 ربط قادة الاتحاد الأوروبي مسألة رفع العقوبات عن روسيا، بتنفيذ جميع اتفاقات مينسك للتسوية في أوكرانيا. خلال إحاطة إعلامية ردا على سؤال حول إمكانية تحسين العلاقات مع روسيا، قالت مو غريني أن جميع الدول الأوروبية اتفقت على هذه المبادئ في عام 2016 وأكدت عليها في أبريل الماضي. ومن هذا المنطلق تمثل المبادئ الخمسة المذكورة أساسا للسياسة الخارجية الأوروبية تجاه روسيا.

 المبدأ الأول - ضرورة تنفيذ اتفاقيات مينسك حول تسوية الأزمة الأوكرانية. ويعتبر الاتحاد الأوروبي هذا المبدأ شرطا أساسيا لأي تحرك إيجابي ونوعي في العلاقات بين موسكو وبروكسل. فيما يواصل الاتحاد الأوروبي عدم الاعتراف بانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا

المبدأ الثاني -  تعزيز العلاقات مع بلدان "الشراكة الشرقية" ومن بينها مع مولدافيا وبيلاروس وأوكرانيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا. ويرى خبراء أن هذا البند يهدف إلى منع التكامل الاقتصادي والسياسي بين روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق.

المبدأ الثالث - (الاستدامة الداخلية في الاتحاد الأوروبي)، ويعني ذلك تحقيق أمن الطاقة والتصدي لما يسمى بـ"الدعاية الروسية".

المبدأ الرابع - أوروبا ستعيد التعاون مع روسيا في بعض المجالات الانتقائية، ومن بينها الأزمة السورية واستئناف العلاقات مع إيران وقضية كوريا الشمالية. علما أن موغيريني شددت على أن التعاون مع موسكو ممكن في مسائل أخرى ذات أهمية للاتحاد الأوروبي.

المبدأ الخامس - العمل مع الشباب الروسي، بإنشاء مشاريع مشتركة بين ناشئين روس وأوروبيين.

العلاقات الاقتصادية بين روسيا والغرب، تعني خسائر فادحة للمصارف الأوروبية التي قدمت قروضا بمليارات الدولارات لروسيا.

ودعا ديفيد كلارك أوروبا وأمريكا إلى توسيع نطاق قائمة العقوبات "لتشمل، وكبداية، حظر السفر وتجميد أرصدة كافة أعضاء مجلس الدوما والمجلس الاتحادي من صوتوا لصالح ضم القرم."