حرب نفطية على طهران.. الذكاء الإيراني يفشل المؤامرات الأمريكية

حرب نفطية على طهران.. الذكاء الإيراني يفشل المؤامرات الأمريكية
الأحد ٠١ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثامن من مايو 2018 خروج بلاده من الاتفاق النووي المبرم بين إيران ومجموعة 1+5 وأدى إلى توالي ردود الأفعال المنددة بالخطوة الأمريكية التي اعتبرتها دول العالم ومنها حلفاء واشنطن نكثا للعهود ونقضا للقوانين والأعراف في معاملة الاتفاقات الدولية.

العالم - ايران

وبعدها مباشرة بدأت الدول الأوروبية بالمفاوضات مع إيران لحثها بالبقاء الاتفاق النووي عبر اقتراح محفزات مختلفة. وفيما أكد المسؤولون الإيرانيون على الاستمرار في حال تمتع بلادهم بمنافع حصلت عليها وفق الاتفاق تزامنا مع إعلانهم للخيارات المتاحة منها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم قامت الولايات الأمريكية بخطوة مستفزة لإيران وهي إعادة الحظر عليها والإعلان عن إجراءات حظر إضافية وممتالية واحدة تلو الأخرى آخرها محاولة فاشلة لمنع بيع إيران لنفطها.

وفي هذا الإطار طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من حلفاءها الانتهاء من استيراد النفط الإيراني حتى الرابع من تشرين الثاني نوفمبر القادم وذلك بدعم من حلفائها النفطية وعلى رأسها السعودية التي وعدت بإغراق الأسواق بالنفط منعا لارتفاع الأسعار. واعلن مسؤول من وزارة الخارجية الأمريكية ان الولايات المتحدة الأمريكية تطلب من حلفائها الكف عن استيراد النفط من إيران حتى ذلك التاريخ، وإلا انها قد تتعرض للعقوبات. كما أشار المسؤول إلى أنهم سيكونون على اتصال بالدول التي تستورد النفط من إيران.

وفي السياق نفسه أبلغت نيكي هيلي السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أن من المهم أن تقلص بلاده اعتمادها على النفط الإيراني.

وقالت هيلي اليوم (الأربعاء 27 يونيو)، إن الولايات المتحدة ستعمل من أجل السماح للهند باستخدام مرفأ نفطي إيراني كممر إلى أفغانستان.

وفي الاتجاه المعاكس أظهرت بيانات تتبع سفن وأخرى حكومية أن واردات كبار مشتري النفط في آسيا من الخام الإيراني ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في ثمانية أشهر خلال مايو/ أيار. حيث تشير البيانات إلى أن الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية استوردت الشهر الماضي 1.8 مليون برميل يوميا من إيران. ويزيد ذلك بنحو 15 بالمئة عن مستويات ما قبل عام، كما أنه أكبر حجم منذ سبتمبر/ أيلول.

وردا على المؤامرة الأمريكية لحرمان إيران من إيراداتها النفطية أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن بلاده تعتبر إيران شريكا تجاريا مهما ولن تتخلى عن صفقات الغاز والنفط مع طهران. وقال قالن، في مقابلة مع قناة "بلومبيرغ" الأمريكية، الخميس، تعليقا على الدعوات من الولايات المتحدة لإيقاف استيراد النفط من إيران، إن تركيا "ستتحرك وفقًا لمصالحها الاقتصادية"،  وهي "تعتبر إيران شريكا تجاريا هاما"، فضلا عن وجود الحدود المشتركة للبلدين. وأردف قالن بهذا الخصوص: "لدينا اتفاقيات غاز طبيعي ونفط، ولن ندخل أبدا في خطوة تعرض ذلك للخطر".

وكان ترامب اكد أمس السبت ان السعودية وافقت بناء على طلبه زيادة انتاجها النفطي "بنحو مليوني برميل يوميا لسد الفارق الناتج من التوترات والتذبذب في ايران وفنزويلا" لمنع الاسعار من الارتفاع.

فيما نفت وكالة الأنباء السعودية الرسمية تصريح ترامب في الاستجابة للطلب الأمريكي لرفع انتاج النفط مؤكدة انه جرى خلال اتصال هاتفي بين الرئيس الامريكي والملك السعودي بحث العلاقات المتميزة بين البلدين، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع في المنطقة والعالم. وقد أكد الاثنان خلال الاتصال على ضرورة "بذل الجهود للمحافظة على استقرار أسواق النفط ونمو الاقتصاد العالمي، والمساعي التي تقوم بها الدول المنتجة لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات".

وكانت موسكو والرياض قد كشفتا عن رغبتهما في ضخ المزيد من البترول بعد ارتفاع نسبي للأسعار بحيث اقترحا رفع الإنتاج بـ 1,5 مليون برميل/اليوم ابتداء من سبتمبر / أيلول القادم.

وجاء الانسحاب السعودي من القرار بعد تحذيرات من الجزائر وفنزويلا حول رفع انتاج النفط حيث حذرت الجزائر البلدان الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" روسيا والسعودية من العواقب الوخيمة التي ستترتب عن رفع الإنتاج.

وقال المدير العام لشركة  "سوناطراك" النفطية المملوكة للدولة الجزائرية، إن البلدان الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك) وروسيا عليها الحفاظ على اتفاق الجزائر العاصمة لمواصلة دعم أسعار الخام.

واعتبر أن هذا القرار لا يصب في صالح المنتجين الكبار خاصة في حالة انهيار سعر البرميل مجددا.

وكشف ولد قدور، في تصريح مقتضب للصحافة، عقب اختتام الندوة العالمية حول الغاز في الولايات المتحدة الاميركية قائلا "اننا نعمل على الحفاظ على هذا الاتفاق، فليس من صالح المنتجين الكبار ان ينهار البرميل مجددا".

وفي السياق نفسه وجه وزير النفط الايراني بيجن زنكنة رسالة لوزير الطاقة الاماراتي سهيل محمد المزروعي الرئيس الحالي لمؤتمر منظمة اوبك مشدا أن اي زيادة في الانتاج من قبل احد أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "اوبك"، خارج اطار التعهدات المنصوص عليها في بياني المؤتمر الوزاري الـ 171 والـ 174 للمنظمة يعد انتهاكا لاتفاق اوبك.

وأشار زنكنة الى القرارات المتخذة في المؤتمري الوزاري الـ 174 لمنظمة اوبك الاخير، التي تدعو لامتثال بنسبة 100% بتخفيضات الإنتاج، مبيّنا انه لم يتخذ قرار بعد بخصوص سد الاعضاء الاخرين، عجز إنتاج عضو بالمنظمة.

وكان زنكنه، قد أعلن الأربعاء، إن إخراج النفط الإيراني من السوق العالمية لا يمكن أن يحدث بسهولة وفي أشهر قليلة، مثلما تطالب الولايات المتحدة مضيفا أن "إيران تصدر إجمالا كمية قدرها 2.5 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات، والتخلص منها بسهولة وفي غضون أشهر قليلة مستحيل.

وأضاف الوزير الإيراني قد صرح أن "الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تحاولان خلق مشاكل للجمهورية الإسلامية الإيرانية من وراء فرض الحظر علي صناعة النفط، لكننا سنواصل التقدم لتحقيق أهدافنا".

وأشار إلى أن "صناعة النفط في البلاد تمكنت من تجاوز الحظر إلى حد كبير، والتقدم يوما بعد يوم لتحقيق أهدافها".

هذا وأعلن المتحدث باسم الحكومة الايرانية محمد باقر نوبخت يوم الأربعاء، أن بلاده اتخذت التدابير اللازمة لمواجهة اجراءات الحظر النفطي الأمريكي الجديدة ضدها.

وقال نوبخت إن "الصادرات النفطية إما أن تمضي على وضعها الحالي أو تواجه انخفاضا بسبب الحظر"، داعيا إلى الاستعداد لهذا الانخفاض المحتمل.

وأضاف أن "ما يحدث هو بوادر حرب اقتصادية حيث نشهد تذبذبات غير طبيعية قبل تطبيق الحظر الأمريكي"، مشيرا إلى زيادة صادرات النفط الايرانية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بنسبة 21 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وذهب المسؤولون الإيرانيون إلى أبعد من ذلك حيث اعتبر اسحاق جهانغيري النائب الاول للرئيس الايراني اليوم الاحد، أن أي بلد يزيد من مبيعات النفط في السوق، يعد خيانة لايران في ظل الظروف الحالية، وسيدفع ثمن ذلك لاحقا.

وبيّن جهانغيري، أن اميركا تعتزم خفض مبيعات النفط الايراني الى مستوى الصفر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وباتت تتوسل بالسعودية لرفع صادراتها.

وأشار الى أن النفط الخام الایراني سيعرض في بورصة الطاقة وسيتاح للقطاع الخاص شرائه، مستدركا أنه يعرض حاليا نحو 60 الف برميل للنشاطات الداخلية.

وحول مستوى إنتاج إيران من النفط انه ان كانت صادراتنا من النفط تصل الى اربعة ملايين برميل يوميا لما كانت امريكا قادره على فرض العقوبات على نفط ايران لان غياب صادراتنا عن السوق كان سيكبدها اضرارا بالغة مثلما انها باتت عاجزة عن فرض العقوبات على قطاعي النفط والغاز الروسيين بسبب كمية انتاج روسيه الكبيرة بحيث ان السوق لم تكن تتحمل خروج روسيا منها.

وفيما يتعلق بالعقد المبرم بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة توتال الفرنسية اوضح زنغنه ان عقود 'اي.بي.سي' تنص على امكانية خروج الجانب الاخر منها في حال تعثر تنفيذها قائلا ان توتال لم تنسحب من الاتفاقية المبرمة مع ايران ولايزال امامها 25 يوما لتجري محادثات مع امريكا.

واستبعد في الوقت نفسه امكانية حصول توتال على الاعفاء الامريكي لمواصلة نشاطها في ايران واضاف ان العقد يتضمن ان تحل الشركه الثانية أي الشركة الصينية محل توتال وان لم ترغب الشركة الصينية في مواصله العمل في ايران فان الشركة الثالثة ستواصل العمل.

يبدو أن محاولات الولايات المتحدة لقطع صادرات إيران من النفط باءت بالفشل بفضل ذكاء وحكمة المسؤولين الإيرانيين وتنصل السعوديين من إدعاءاتهم في إغراق الأسواق بالنفط عبر ضخ 12 مليون برميل يوميا إلى الأسواق نظرا لضعف البنى التحتية السعودية. قد لا تكون هذه نهاية هذه اللعبة إلا أنها انتهت حتى الآن بفوز إيران في ملعب السوق النفطي الدولي ولا أفق للفوز الأمريكي في ظل التصلب غير المنطقي لإدارة ترامب.

216