مصالحات الجنوب، ما بين عقلائية الشروط الحكومية وتعجيزية المسلحين

مصالحات الجنوب، ما بين عقلائية الشروط الحكومية وتعجيزية المسلحين
الخميس ٠٥ يوليو ٢٠١٨ - ٠٨:١٩ بتوقيت غرينتش

استمرارا لسياستها الرامية الى خروجها عن سيادة الدولة والعبث فسادا في حياة ومقدرات الناس، نزولا عند رغبة جهات خارجية لطالما املت بتفكيك سوريا نظرا الى ىانها تشكل راس الحربة في محور المقاومة والتصدي للاطماع الاستكبارية الصهيونية في المنطقة، اعلنت الفصائل المسلحة في درعا انسحابها من مفاوضات التسوية التي كانت تجري بينها وبين الجانب الروسي لاعادة الامن والاستقرار لاستعادة حكم الدولة على المنطقة بشكل سلمي.

العالم - مقالات وتحليلات 

الجماعات المسلحة تذرعت بان الشروط التي وضعها الجانب الروسي تصل إلى حد الاستسلام المذل، معترفة في نفس الوقت بانه طلب منها تسليم السلاح الثقيل دفعة واحدة وليس تدريجيا كما تقترح هي . ولم تكتف هذه الفصائل بهذا القدر من التعنت بل زادت عليه شروطا اخرى ما يجعل وصف التعجيزية اقرب الى الشروط التي وضعتها هي وليس الجانب المفاوض الاخر، ومنها وقف إطلاق نار شامل وعدم تسليم السلاح ما لم يتم تسوية ملف معتقلي الجنوب، وكشف مصير من وصفتهم بالمغيبين، وإطلاق نصف المعتقلين فوراً مع بدء تنفيذ العملية وفق جدول زمني لمدة ثلاثة أشهر.

قد يعتقد البعض ان الشروط انتهت عند هذا الحد لكن الجماعات الارهابية المستظهرة بدعم وتمويل خارجي وضعت شروطا اخرى منها تسليم السلاح الثقيل فقط بعد عملية سياسية وبالتزامن مع إطلاق سراح النصف الثاني من المعتقلين وتسوية أوضاع المنشقين والمطلوبين ومنحهم تأجيلاً عن الخدمة لمدة ستة أشهر، وتخيير العسكريين المنشقين بين العودة إلى الخدمة أو إعادة تأهيل الراغبين منهم للخدمة في الشرطة، ومعاملة غير الراغبين في الاستمرار بالخدمة معاملة المتقاعدين، كما شددت في ورقتها على «عدم خضوع أبناء المنطقة للخدمة العسكرية الإلزامية إلا بعد عملية الانتقال السياسي وفقاً للمرجعيات الدولية في خطوة منها لتدويل القضية، فضلا عن طلب السماح لمن لا يرغب بتسوية أوضاعه من أفراد "الجيش الحر" والمسلحين بالخروج مع عائلاتهم إلى أي منطقة في سورية وتوفير ممرات آمنة لهم. 

الشروط التي وضعتها الجماعات المسلحة جعلت المفاوضات وكانها تجري بين جانبين احدهما له اليد الدولى ليطلب ما يشاء متناسيا ما ارتكبه من جرائم وما قد يرتكبه في ظل شروطه التعجيزية التي لا يقبل بها اي عاقل، الامر الذي حدا بالجانب الروسي الى رفضها متمسكا بمطالبه العقلائية المتمثلة بتسليم الفصائل لسلاحها الثقيل والمتوسط، مع عودة المؤسسات الرسمية ورفع العلم السوري وسيطرة القوات الحكومية على معبر نصيب مع الأردن ، وتسوية أوضاع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية خلال 6 أشهر، مع انتشار شرطة روسية في بعض البلدات.

ويرى البعض ان مماطلة الجماعات المسلحة في المفاوضات مع الجانب الروسي ورفضها بالتالي، كان يهدف في الاساس الى كسب الوقت لاطلاق لتحريض دولي ضد الحكومة السورية عبر عملية سياسية تحضر لها جهات خارجية في مجلس الامن ، عسى ولعل ان تخرج منها قرارات تشكل متنفسا لها لفترة اخرى بغية استعادة قواها وعودتها الى سابق عهدها .

يشار الى ان العديد من البلدات التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة جنوب غرب البلاد، ابرمت بالفعل اتفاقات التسليم الخاصة بها مع الحكومة، تحت وطأة تقدم الجيش الذي اخذ زمام المبادرة خلال الفترة الاخيرة من الجماعات المسلحة وبدا باستعادة عافيته وارضه واحدة تلو الاخرى، خاصة بعد ان صرح الرئيس السوري بشار الاسد بان جميع الاراضي السورية ستعود الى كنف الدولة سلما او حربا.

وبعد الجنوب الغربي ( درعا ) أحد معقلين متبقيين لمقاتلي المعارضة إلى جانب منطقة في شمال غرب البلاد (ادلب) ، وقد بدا الجيش السوري منذ 19 حزيران/يونيو عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا تمكن بموجبها من توسيع نطاق سيطرته من ثلاثين إلى ستين بالمئة من مساحة المحافظة، عبر الحسم العسكري أو عبر اتفاقات "مصالحة" في أكثر من ثلاثين بلدة.

فهل سيتمكن مجلس الامن من توفير متنفس جديد للجماعات الارهابية مع وجود الدب الروسي الذي هو احد اطراف القتال ضد الجماعات الارهابية في الجنوب السوري ام ان الجماعات المسلحة ستعود الى طاولة المفاوضات رغما عنها. هذا ما ستكشفه عن الايام قريبا.

109-2