الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ومساع صينية لردع سياسات ترامب

الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ومساع صينية لردع سياسات ترامب
الخميس ٠٥ يوليو ٢٠١٨ - ٠٩:٥٨ بتوقيت غرينتش

ما تزال إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصرّة على انتهاج سياسات عدائية تجاه قضايا يراه العالم عادلة. وهذا واضح في موقفها المعادي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، كما تستمر هذه الإدارة في عدوانها على سورية، ودعمها للمجموعات المسلحة التي تسعى لتقويض الدولة السورية.

العالمالأميركيتان

فقد صعّدت الإدارة الأمريكية مؤخراً حُمّى حربها التجارية على الصين، فارضة مزيداً من القيود والجمارك على ما يعادل 60 بليون دولار من البضائع والسلع الصينية في الولايات المتحدة. ويأتي قرارترامب عشية توجّه الولايات المتحدة لفرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على صادراتها الصينية من الصلب و10% على صادراتها من الألمنيوم.

وعلى الرغم من التحذيرات المقلقة وعدم الوضوح في السوق, أعلنت الصين أنها تستبق أميركا في تطبيق التعريفات الجمركية التي هددت بفرضها على منتجات أميركية, ابتداء من منتصف ليل الجمعة الموافق 6 يوليو/تموز.

وقال مصدر مطلع لوكالة رويترز بأن التعريفات الجمركية التي هددت الصين بفرضها على منتجات أميركية تقدر قيمتها بـ34 مليار دولار ستطبق بدءا من بداية يوم السادس من تموز/يوليو (الجمعة) المقبل.

وأضاف المصدر أن "إجراءاتنا متساوية، ومتساوية تعني أنه إذا بدأت الولايات المتحدة في 6 تموز/يوليو، سنبدأ في 6 تموز/يوليو".

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها ستفرض رسوما على منتجات صينية بقيمة 34 مليار دولار بدءا من هذا التاريخ، فيما تعهدت الصين برد مماثل في اليوم ذاته.

وفي حال تطبيق الرسوم الجمركية, تخوض الولايات المتحده الأميركية والصين حرباَ تجارية لايمكن توقع عقباها.

وحذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الصين من مغبة تصعيد حربها التجارية، وقال إنه قد يفرض رسوما على منتجات صينية بقيمة 400 مليار دولار إذا ردت بكين على الرسوم الأميركية التي ستطبق يوم الجمعة.

وقبل بدء تطبيق الرسوم الجديدة، عبر زبائن في أحد فروع سلسلة المتاجر العالمية "جيني لو" في بكين عن قلقهم ورفضهم للتوترات التجارية واحتمال زيادة فاتورة التسوق.

وقال أحد الأشخاص في المتجر: "إن الأميركيين يشترون المنتجات الصينية ويحتاجون أن تكون أرخص وكذلك الحال مع الصينيين".

بكين تتهم واشنطن بممارسة الإرهاب النفسي

هذا وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة الصينية، قاو فنغ، إن تهديد واشنطن بفرض رسوم متزايدة على بلاده، ليس إلا "إرهاب نفسي" لا يتفق مع نزعات العصر الحديث.

وأشار المتحدث الصيني، إلى أن واشنطن باشرت مؤخرا بالتهديد مجددا بفرض رسوم على البضائع الصينية بقيمة إجمالية تبلغ ٥۰ مليار دولار. ووجهت الولايات المتحدة تهديدات مماثلة للدول الأخرى والشركاء التجاريين الإقليميين.

وقال قاو فنغ، في مؤتمر صحفي، إن هذا الرعب النفسي الواسع في التجارة بمساعدة عصا الضرائب الجمركية لا يتفق مع اتجاهات العصر الحديث.

وشدد على أن الصين "لن تحني رأسها أمام التهديد والابتزاز، وستبقى على موقفها الثابت فيما يتعلق بحماية التجارة الحرة والآلية الدولية للتجارة العالمية".

وشدد المتحدث على أن" الصين، ستتعاون مع كل أطراف المجتمع الدولي من أجل التصدي لإجراءات الحماية الجمركية". ووصف هذا الإجراءات، بالبالية والمتخلفة وغير الفعالة. وقال، "إن الصين ستتصدى  لسياسة الإجراءات الانفرادية، وستبذل كل الجهود الممكنة لحماية استقرار وثبات البيئة التجارية الدولية".

سياسات ترامب الحمائية 

قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إطار سياساته الحمائية التی يري المحللون الاقتصاديون، والمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية على أنها أكبر خطر على الاقتصاد العالمي في هذا العام , قرر في مارس الماضي بفرض رسوم جمركية من 25% و10% على واردات الصلب والألمنيوم على التوالي، متجاهلا التحذيرات من حرب تجارية عالمية واحتجاجات حلفائه في أوروبا والداخل.

والحمائية التجارية، هي إجراءات فرض ضرائب ورسوم على الواردات من السلع والخدمات كحماية للمنتجين والموردين الوطنيين.

أثار قرار ترامب في مجال فرض ضرائب على واردات من الفولاذ والألمنيوم مستثنيا كندا والمكسيك، موجة انتقادات واسعة على المستوى الدولي والداخلي ومخاوف من تصعيد "متبادل" للثأر التجاري، ما قد يقوض الثقة والاستثمار.

وعلى خلفية قرار ترامب قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية يركي كتاينن إن الاتحاد "مستعد للرد" واتخاذ إجراءات في مواجهة الضرائب الأمريكية على الصلب والألمنيوم إذا لزم الأمر لكنه لا يزال يفضل "الحوار" مع واشنطن.

الاتحاد الأوروبي يرد على قرارات ترامب 

وقد ردّ الاتحاد الأوروبي على قرارات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية على الصُلب والألمنيوم، بفرض تعرفة جمركية على بضائع أمريكية المنشأ قيمتها 3.3 بليون دولار، تشمل فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على درّاجات هارلي دافيدسون والجينز ماركة Levis والويسكي (ماركة بوربون). كما ضمت قائمة الاتحاد الأوروبي مئتي سلعة منها القمح والذرة وعصير البرتقال والدخّان والسيجار والقمصان ومواد التجميل والقوارب والصُلب.

كما رفع الاتحاد الأوروبي شكوى إلى منظمة التجارة الدولية جاء فيها: إذا استمرت العقوبات الأمريكية لمدة ثلاث سنوات، فإن الاتحاد الأوروبي يَنوي فرض رسوم جمركية إضافية قيمتها 3.6 بليون دولار. وذكر نائب رئيس المفوضية الأوروبية في مؤتمرٍ صحفي في بروكسل أن التدابير الأمريكية غير قانونية وأضاف “إن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي ستدخل حيّز التنفيذ في تموز/ يوليو وسيتم مراجعتها في ضوء القرارات أحادية الجانب التي أخذتها وتتخذها الولايات المتحدة”.

وهناك أيضاً التبعات الاقتصادية لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وعرقلة عمل الشركات الأوروبية في إيران. كل هذا دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير للرد على سياسة ترامب الحمائية من خلال بناء مؤسسات مالية مستقلة وذات سيادة، تتيح لبلدان الاتحاد الأوروبي بناء قنوات تمويل مع مختلف البلدان ومزاولة التجارة الدولية بحرية.

ميركل تحذر ترامب من "حرب" تجارية

وحذرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل أمس الأربعاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب من إشعال "حرب تجارية" إذا نفذت الولايات المتحدة تهديدها بفرض رسوم جمركية على وارداتها من السيارات من الاتحاد الأوروبي.

وفي كلمة أمام البرلمان الفدرالي قالت ميركل إن الطرفين يخوضان "نزاعا تجارياً" منذ قرار ترامب فرض رسوم على الصلب والألمنيوم.

وقالت ميركل أمام مجلس النواب في برلين إن الولايات المتحدة سببت في الأساس "نزاعا تجاريا" بعدما رفعت الرسوم الجمركية المفروضة على الفولاذ والألمنيوم.

وأضافت، "تجري مناقشات أخطر تتناول هذه المرة مشروع فرض رسوم على واردات السيارات في الولايات المتحدة"، مؤكدة أنه "يجب بذل كل الجهود لنزع فتيل هذا النزاع قبل أن يصبح حربا حقيقية، لكن لتحقيق ذلك نحتاج إلى الطرفين".

وترد المستشارة الألمانية بذلك على التهديدات الأخيرة التي أطلقها ترمب بفرض رسوم جمركية تبلغ نسبتها 20 في المائة على واردات السيارات من الاتحاد الأوروبي.

تشكل صناعة السيارات قطاعا حيويا للاقتصاد الألماني وتؤمن 800 ألف وظيفة في البلاد.

تصعيد الموقف ضد الصين 

صعدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فی مارس الماضی إجراءاتها التجارية تجاه الصين، باقتراح فرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار سنويا احتجاجا على ما تقول إنه "سرقة للتكنولوجيا الأمريكية". وباشرت الصين بإدانتها الشديدة واستعدادها للرد على أي رسوم جمركية أمريكية جديدة تفرض على صادراتها.

وأصدر مكتب الممثل التجاري الأمريكي لائحة تستهدف 1300 سلعة صينية، بما فيها الروبوتات الصناعية وتجهيزات الاتصالات. ولن تصير الرسوم المقترحة سارية المفعول على الفور. بل هناك مهلة عامة تنتهي في 11 مايو/أيار وجلسة استماع عامة في 15 منه. وستتمكن الشركات والمستهلكون من الحصول على فرصة للضغط من أجل رفع بعض السلع عن اللائحة أو إضافة سلع أخرى إليها.

وتجازف هذه الخطوة الأمريكية بتصعيد التوتر التجاري مع الصين، التي فرضت الإثنين ضرائب على ما قيمته ثلاثة مليارات دولار من السلع الأمريكية ردا على رسوم فرضتها الولايات المتحدة سابقا على واردات الحديد والألومينيوم.

وكان ترامب هاجم الصين مرات عدة بسبب العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة، وقد وعد خلال حملته الانتخابية باتخاذ إجراءات لخفض هذا العجز. وبدأ ترامب بتنفيذ وعيده في 8 آذار/مارس الماضي بفرضه رسوما بنسبة 25 بالمئة على واردات الصلب و10 بالمئة على واردات الألومينيوم، وهو إجراء لم ينحصر بالصين بل شمل غالبية دول العالم، لكنه ما لبث أن استكمله في 22 من الشهر نفسه بالتوقيع على مذكرة تمهد الطريق لفرض رسوم جمركية على صادرات صينية إلى الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار.

وتسجل الصين فائضا قدره 370 مليار دولار في تجارتها مع الولايات المتحدة، وحثت إدارة ترامب أكبر مستشار اقتصادي للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي زار واشنطن في أوائل العام 2018 على إيجاد وسائل لخفض ذلك الرقم.

الصين تحث الاتحاد الأوروبي للضغط على واشنطن 

يقول مسؤولون أوروبيون بأن الصين تضغط على الاتحاد الأوروبي لإصدار بيان مشترك قوي في قمة بينهما هذا الشهر للتنديد بسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التجارية لكنها تواجه مقاومة.

ووفقا لـ"رويترز" اقترح مسؤولون صينيون كبار خلال اجتماعات في بروكسل وبرلين وبكين، بينهم ليو هي نائب رئيس الوزراء ووانج يي وزير الخارجية وعضو مجلس الدولة، إقامة تحالف بين القوتين الاقتصاديتين وعرضوا فتح مزيد من قطاعات السوق الصيني كبادرة حسن نية. وأحد المقترحات أن تشرع الصين والاتحاد الأوروبي في تحرك مشترك ضد الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية.

لكن خمسة مسؤولين ودبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي أكدوا أن الاتحاد، أكبر تكتل تجاري في العالم، رفض فكرة التحالف مع بكين ضد واشنطن قبيل قمة صينية أوروبية في بكين يومي 16 و17 تموز (يوليو).

وقال مسؤولو الاتحاد إن من المتوقع أن تخرج القمة بدلا من ذلك ببيان ختامي متواضع يؤكد على التزام الجانبين بنظام تجاري متعدد الأطراف ويعد بتشكيل مجموعة عمل بشأن تحديث منظمة التجارة العالمية.

وقال دبلوماسي أوروبي إن "الصين تريد أن يقف الاتحاد الأوروبي مع بكين ضد واشنطن وأن يأخذ صفها، لن نفعل هذا وأبلغناهم بذلك".

ولم ترد وزارة الخارجية الصينية بعد على طلب للتعليق على أهداف قمة بكين.

وعلى الرغم من الرسوم التي فرضها ترمب على صادرات المعادن الأوروبية والتهديد باستهداف صناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي، فإن بروكسل تشارك واشنطن مخاوفها بشأن إغلاق الصين لأسواقها وما تقول الحكومات الغربية إنه تلاعب بكين بالتجارة للهيمنة على الأسواق العالمية. وقال دبلوماسي آخر "نوافق تقريبا على كل الشكاوى الأمريكية تجاه الصين، لكننا لا نتفق فقط مع كيفية معالجة الولايات المتحدة لها".

صندوق النقد الدولي: رسوم ترامب تهدد بتقويض النظام العالمي للتجارة

حذر صندوق النقد الدولي من أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهدد بتقويض النظام العالمي للتجارة، وإثارة ردود انتقامية من دول أخرى، وإلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي.

وفي مراجعة للسياسة الاقتصادية للولايات المتحدة، قال صندوق النقد أيضا إنه في حين أن نمو الاقتصاد الأميركي من المتوقع أن يكون قويا هذا العام والعام القادم، فإن الإجراءات التي اتخذت مؤخرا في مجالي الضرائب والانفاق قد تتسبب في مخاطر أكبر بدءا من عام 2020.

وأثار ترامب حنق حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة بانتهاجه سياسات تجارية حمائية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.

وذكر صندوق النقد في تقريره "هذه الإجراءات من المرجح أن تدفع العالم للابتعاد بشكل أكبر عن نظام للتجارة مفتوح ونزيه ويستند إلى القواعد، مع تأثيرات معاكسة لكل من الاقتصاد الأميركي والشركاء التجاريين".

ومتماشيا مع توقعات البنك المركزي الأميركي، تكهن صندوق النقد بأن النمو في الولايات المتحدة سيتباطأ بشكل ملحوظ في 2020 متوقعا أن تتراجع الوتيرة السنوية للنمو إلى 1.9 في المئة.

يشار إلى أن الولايات المتحدة تعاني عجزا تجاريا قدره 800 مليار دولار لعام 2017، ويرى الرئيس ترامب أن السبب في ذلك هو "حماقة الرؤساء الأمريكيين السابقين"، اللذين انتهجوا سياسات تجارية خاطئة مع العديد من بلدان العالم بينها بلدان الاتحاد الأوروبي.

إن الحرب التجارية التي تشنّها إدارة ترامب عبر فرض رسوم جمركية على وارداتها من الُصلب والألمنيوم، ترتدي صبغة عالمية وأضرّت بمصالح الصين والدول الأوروبية، ومن المتوقع أن تتوسّع هذه الحرب لتشمل طائفة من الدول الأخرى.إنها حرب بين سياسة التعاون والتسامح، سياسة “رابح – رابح”، التي تمثلها الصين وشركاؤها في منظمة شنغهاي للتعاون، وبين سياسة الحمائية التجارية الأُحادية، سياسة “رابح – خاسر”، التي تمثِّلها الولايات المتحدة والتي ألحقت أذى بمصالح أصدقائها وحلفائها، ومنهم مجموعة السبع بالإضافة إلى الصين وروسيا وغيرها.

ك. ألف