الصومال بين مواجهة حركة "الشباب" وإنعدام الأمن

الصومال بين مواجهة حركة
السبت ٠٧ يوليو ٢٠١٨ - ٠٥:١٧ بتوقيت غرينتش

نجحت حركة الشباب الصومالية، مع بداية 2018 في الظهور بمظهر القوة الإرهابية التي يصعب كسرها. فقد عادت هجمات هذا التنظيم لتمس مساحة واسعة من البلاد، وتخلف عشرات الضحايا من المدنيين والأمنيين والعسكريين. كما نجحت معركتها المستمرة في مقديشو، في إظهار ضعف الحكومة الجديدة في السيطرة الفعلية على أجزاء مهمة من العاصمة.

العالم - افريقيا

نشاط حركة الشباب "الإرهابية"

وكرد فعل على هذه العودة العنيفة لحركة الشباب، التي استهدفت كذلك قوات الاتحاد الأفريقي، تقود الحكومة المركزية الجديدة ورئيس ولاية جنوب غربي الصومال، وقيادات عسكرية من الجيش الصومالي، وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال مباحثات لإطلاق عملية عسكرية واسعة لمواجهة التحركات المتنامية لحركة الشباب؛ وتهم هذه العملية على الخصوص تأمين الطريق الذي تستعمله القوات الأفريقية، ويربط بين العاصمة مقديشو ومدينة بيدو الاستراتيجية بمحافظة باي، وصولا لمقر ولاية جنوب غربي الصومال. وتأتي هذه المباحثات للقيام بعملية موسعة ضد حركة الشباب، في الوقت الذي يفترض فيه تطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بانسحاب القوات الأفريقية (أميصوم) المتمركزة بالصومال، والتي تضم 22 ألف عسكري. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر في فبراير (شباط) 2007 قرارا رقم 1744 / 2007 أكد فيه دعمه لبيان الاتحاد الأفريقي الصادر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 2007، والذي تقرر بموجبه إرسال قوات عسكرية أفريقية إلى الصومال تعوض القوات الإثيوبية؛ وأنيط بالقوة الأفريقية مهمة رئيسية، هي مواجهة حركة الشباب ودعم مؤسسات الدولة.

الهجمات الإرهابية

شنت حركة الشباب بزعامة أحمد ديري أبو عبيدة، في فبراير ومارس من سنة 2018 عدة هجمات عنيفة على المدنيين، ومؤسسات الدولة وشخصياتها السياسية والأمنية والعسكرية، كما أوقعت عدة خسائر في الأرواح والعتاد في صفوف القوات الأفريقية. وتشير واحدة من أحدث الدراسات البحثية الأميركية، التي نشرها الباحثان بالمؤسسة، جيسن وارنر وإيلين شابن عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت، أن تنظيم «الشباب»، شن منذ 18 سبتمبر (أيلول) 2006، إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2017، على الأقل 155 عملية انتحارية نفذها 216 من أعضاء التنظيم. بمعدل 4 عمليات في الشهر. وسيرا على هذا النهج نفذ التنظيم الإرهابي هجوما وحشيا بعمليتين انتحاريتين يوم 24 فبراير 2018 وأسفر عن سقوط 38 قتيلا.

وقد استهدف التفجير الأول نقطة مراقبة قرب مقر الحكومة، بينما استهدف تفجير ثان فندق «دوربين». وتجدر الإشارة أن تنظيم «أحمد ديري أبو عبيدة» استعمل في هذا الهجوم الأسلوب نفسه الذي نفذ به أكبر هجوم في تاريخ الصومال والذي شنته حركة الشباب في 14 أكتوبر 2017م بشاحنة مفخخة، وأسفر عن مقتل نحو 512 شخصا.

وفي أحدث العمليات الإرهابية، قتل خمسة مدنيين وإصابة أكثر من عشرة آخرين في انفجارين استهدفا صباح السبت في السابع من يوليو 2018 في مقديشو وزارة الأمن الداخلي الصومالية تلاهما إطلاق نار، حيث اعلنت حركة الشباب المسؤولية عنهما. ووقع انفجاران استهدفا مجمع وزارة الأمن الداخلي قرب البرلمان.

وقبل هذا الحادث، أدى انفجار لغم في سيارة للوزير عبد القادر عبد الرحمن، يوم 7 مارس (آذار) 2018، قرب قاعدة «بلي دوغلي» الجوية في محافظة شبيلي السفلى بولاية جنوب غربي الصومال؛ إلى مقتل وزير الدولة في وزارة الأمن بولاية جنوب غربي الصومال، عبد القادر عبد الرحمن والنائب في البرلمان المحلي لولاية هيرشبيلي أحمد عبدي فارح. ولم تستبعد الجهات الرسمية وقوف حركة الشباب خلف العملية.

وفيما يخص المواجهات اليومية بين مسلحي التنظيم الإرهابي، وقوات الاتحاد الأفريقي؛ شن «الشباب» في الأسبوع الأخير من شهر فبراير 2018، هجوما على وحدة عسكرية من الاتحاد الأفريقي متمركزة قرب مدينة بلعد على بعد 30 كلم شمال العاصمة مقديشو، وقتل 5 جنود برونديين واستولى على بعض أسلحة الوحدة العسكرية.

وفي سعي حركة الشباب لتقويض جهود أحد قادتها السابقين؛ أهدر التنظيم في النصف الثاني من فبراير 2018 دم المتحدث السابق باسمها ونائب زعيمها، مختار روبو أبو منصور، واعتبره مرتدا ومناصرا للكفار، وتوعده بالقتل؛ وكان أبو منصور قد انشق عن الشباب منذ 2013، انضم إلى صفوف الحكومة في أغسطس (آب) 2017.

مكافحة إرهاب حركة "الشباب"

وأشارت إذاعة محلية بمقديشو إلى أن أحد القادة الصوماليين الأمنيين أجرى محادثات في مارس 2018 بالعاصمة الكينية نيروبي، للتنسيق والتباحث مع ضباط أميركيين في شأن بدء عمليات عسكرية تهدف إلى طرد حركة الشباب من ولاية جنوب غربي الصومال التي تسيطر عليها.

وفي إشارة دالة على ضعف القوات العسكرية المواجهة لتنظيم «الشباب»، كشفت مصادر محلية صومالية النقاب يوم 6 فبراير 2018 عن وصول أحمد ديري زعيم تنظيم «الشباب» المتطرف، إلى إقليم جدو بولاية جوبا لاند جنوبي الصومال. وهو ما يؤكد أن التنظيم قادر على التحرك في مناطق شاسعة، من الدولة، دون أن تتمكن لا الحكومة، ولا القوات الأفريقية «أميصوم»، من عرقلة ذلك التحرك.

الخلافات والفساد

ويبدو أن عودة «حركة الشباب الصومالية»، تساهم فيه عدة عوامل داخلية سياسية. ومن ذلك على وجه الخصوص استمرار الخلافات بين الحكومة المركزية والولايات من جهة؛ وبين بعض الشخصيات السياسية، والأجهزة الأمنية من جهة أخرى. ورغم أن الصومال لا يزال دولة «فاشلة»، بمؤسسات هشة، فإن الخلافات والفساد المستشري في الإدارة تعمقان من الأزمة الأمنية، ويحولان دون تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب.

وفي آخر فصول هذه الخلافات بعثت لجنة الإشراف على تعديل وتطبيق الدستور في البرلمان الفيدرالي الصومالي بتاريخ 6 مارس رسالة سحب الثقة عن وزير الدستور في الحكومة الفيدرالية عبد الرحمن حوش جبريل؛ إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ورئاسة مجلسي الشعب والشيوخ للبرلمان. متهمة حوشي جبريل بعرقلة مسار تعديل الدستور، وعمل اللجنة الممثلة للولايات، وهو ما دفع اللجنة إلى اعتباره شخصا غير مرغوب فيه.

وتشير عدة تقارير إلى وجود خلافات سياسية تغذيها، الخلافات القبلية، كما تؤججها التدخلات الإقليمية والدولية في الشؤون الداخلية الصومالية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الجديد حاول تطويق الخلافات بين المركز والولايات؛ ودعم المؤتمر التشاوري لرؤساء الولايات المنعقد في الثامن من أكتوبر بمدينة كسمايو العاصمة المؤقتة لولاية جوبالاند والذي خرج بقرار تشكيل مجلس تعاون الولايات؛ حيث تتركز مهمة المجلس المشكل هي العمل على تطوير مصالح الولايات وإجراء مصالحة مجتمعية بين الصوماليين، تقود البلاد لاستقرار سياسي دائم.

ويبدو أن هذا المؤتمر حسن من العلاقات الرابطة بين الولايات والسلطة المركزية؛ وشارك رؤساء الولايات في المؤتمر التشاوري الثاني، في مقديشو نهاية أكتوبر من عام 2017، بدعوة من الرئيس فرماجو. وفيه تم الاتفاق على ضرورة التوحد لمواجهة إرهاب «حركة الشباب»، واستمرار الجهود التشاركية لتعديل الدستور، ودمج القوات العسكرية في جيش وطني.

ورغم كل هذا فإن الولايات المتحدة التي تمول أيضا القوة الأفريقية المؤلفة من 22 ألف عسكري، شعرت بخيبة أمل من عجز الحكومات المتعاقبة عن بناء جيش وطني قادر على البقاء. ووفقا لمراسلات خاصة بين الحكومتين الأميركية والصومالية اطلعت عليها «رويترز» ونشرت مضمونها بتاريخ ديسمبر (كانون الأول) 2017؛ فقد جاء قرار التعليق الأميركي للمساعدات، بعد امتناع الجيش الصومالي أكثر من مرة عن تقديم بيانات بالأغذية والوقود.

وتجدر الإشارة إلى أن أميركا أنفقت على الصومال، نحو 66 مليون دولار ما بين 2010 – 2017، واضطرت لتعليق الإنفاق عدة مرات لثبوت عمليات فساد. ومن ذلك ما تشير إليه إحدى الوثائق الصومالية الخاصة بالجيش. حيث تشير الوثيقة أن أعضاء فرقة موسيقية عسكرية من 259 فردا يحصلون على رواتب مخصصة لجنود يقاتلون الإرهابيين. كما كشف النقاب عن تزوير السجلات الرسمية للجيش الذي يتألف رسميا من 26 ألف شخص، غير أن سجل منح الرواتب ممتلئ بالأسماء الوهمية لجنود، غير مجودين فعليا، ومتعاقدين وهميين، وموتى قد تكون أسرهم تحصل على رواتب. وكان فريق يضم مسؤولين أميركيين وصوماليين قد زار تسع قواعد عسكرية في شهري مايو ويونيو (حزيران)، قصد تتبع الإعانات الغذائية للجيش الصومالي؛ واكتشف الفريق التلاعب بتلك المساعدات، وكتب تقريرا يظهر الجيش الصومالي باعتباره جيشا منغمسا في الفساد وعاجزا عن توفير الغذاء والأجور والسلاح لوحداته المقاتلة في الميدان.

تداعيات خروج القوات الدولية

لا شك أن الانسحاب التدريجي المقرر للقوات الأفريقية، سيزيد من متاعب الصومال في وقت تعود فيه حركة الشباب وهجماتها الإرهابية للواجهة. فمن المقرر أن تنهي بعثة الاتحاد الأفريقي المكونة من عسكريين من جيبوتي وبوروندي وكينيا وإثيوبيا وأوغندا عملياتها في البلاد بحلول 2020. ومن المرتقب كذلك أن تغادر أول دفعة من نحو ألف جندي أفريقي الصومال قبل نهاية 2018م.

وفي السياق نفسه جاءت مبادرة برلين بسحب المدربين العسكريين المتمركزين في الصومال بحلول أواخر مارس 2018؛ وقد تزيد هذه الخطوات من متاعب الصومال في مواجهة حركة إرهابية، عرفت كيف تتكيف مع ظروف الحرب داخل المدن، وفي المناطق الريفية الشاسعة التي تسيطر عليها، وتستخدمها قاعدة لهجماتها المتنوعة. ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية رفعت مع بداية 2018، بشكل كبير من عدد أفراد وحداتها الخاصة المنتشرة في الصومال، لتصل 500 جندي؛ فإن استراتيجية اعتماد عدد صغير من عناصر القوات الخاصة أظهرت عجزها على مواجهة تنظيم حركة الشباب الإرهابية وتصطدم هذه الاستراتيجية، بواقع تستفيد فيه التنظيمات المتطرفة من تشابك الوضع القبلي والسياسي، وغياب جيش وطني منسجم، ومجهز وقادر على توفير الضروريات لأفراده.