عادات وتقاليد ...

هل هي تراث حضاري أم موروث احتضار ثقافي ؟!!

هل هي تراث حضاري أم موروث احتضار ثقافي ؟!!
الأحد ٠٨ يوليو ٢٠١٨ - ٠٦:٠٣ بتوقيت غرينتش

يعتبر الموروث الشعبي جزءاً مهماً من تاريخ وثقافة الشعوب، فهو الوعاء الذي تستمد منها عقيدتها وتقاليدها وقيمها الأصيلة ولغتها وأفكارها وممارستها وأسلوب حياتها الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية، وجسر التواصل بين الأجيال، وإحدى الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء، والمكوّن الأساس في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية.

العالم - تقارير

ان التراث يمثّل قوّة دفع ومصدر ثقة، وليس نموذجا جامدا أو مقولبا، وإنه يضم رواسب الزمن والحياة والسلوك ويضم المباني والآثار، وإن الموروث الشعبي يحمل رؤية الشعوب لأصولها ولأحداث تاريخها، ولذلك يحمل التاريخ الشعبي الذي يفي بالحاجات الاجتماعية والثقافية للجماعة، ومن هذه المنطلقات يشكل الموروث الشعبي إحدى الركائز المهمة للهوية الوطنية.

فلکل شعب عاداته وتقاليده المتفرد بها، وهي السمة البارزة التي تميزه عن سواه باعتبارها مجموعة قيم تربوية يتمسكون بها اعتزازا بأصالتهم، وهي غالبا ما تكون مستمدة من الدين والتاريخ والحضارة والأرض، ووليدة عقول الحكماء والبسطاء وحصيلة التجارب العملية على ارض الواقع.

وهذه العادات والتقاليد بالنسبة للمجتمع فهي ايجابية تعتبر ثروة اجتماعية خالدة قائمة بكل الأزمنة وتشكل هوية الأفراد والجماعة، يقابلها ما هو سلبي ودخيل على المجتمع ومع اختلاط السلبي بالايجابي ومع الحداثة والتطور وغزو الوسائل الشبكية التي أسهمت بتداخل الثقافات واختلاط المفاهيم، اخذ البعض يرى أن مفردتيّ العادات والتقاليد هما حجر العثرة التي تبطئ النجاح أو تقتله واليد الخفية التي تمسك بأذيال الإبداع والتطور وتسجنه، فغدا العذر والحجة التي تخرس العقل النشط وتسكت كل من يتهمه بالإخفاقات والانكسارات، وعكاز يتعكز عليه الكسالى، فبات الكثير يرددها دون معرفة معناها وجوهرها الحقيقي.

فهناك نظرية في علم الاجتماع تقول "الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته"، أي أنه يحب العيش في جماعات ومجتمع وسط عادات وتقاليد وموروث ثقافي، لم نسمع يوما أن شخصا مفردا أقام حضارة ما، ولكن جماعات من الناس هي من تشيد الحضارات ونتج عنها ثقافتها وعاداتها الخاصة بها، منها ماهي عادات إيجابية ومنها ماهي عادات سلبية.

فالعادات والتقاليد تعني تقليد الأجيال في هذا أو ذاك المجتمع لمن سبقهم من أجيال، وتتمسك الغالبية من المجتمعات بعاداتها وتقاليدها وتعتز بها، حتى وان كانت لا تعني شيئا للمجتمعات الأخرى.

ويندرج تحت مصطلح "العادات" أفعال، وملبس، ومأكل، وكيفية تعامل،...الخ، فيعيش الشعوب في العالم حياتهم بناءا على مجموعة من هذه العادات والتقاليد، وهي تختلف في كل بلد باختلاف ثقافتها والبيئة المحيطة بها.

 فتعد العوامل البيئية والمناخية من العوامل الأساسية لتكوين ثقافة الشعوب وبالتالي أنماط الحياة التي يتبعونها في حياتهم وممارسة طقوسهم.

حيث أن لكل دولة ولكل مدينة ولكل قبيلة عادات معينة تميزها عن المدن الأخرى، كما أن البيت الواحد يكون له عادات وتقاليد تميزه عن المنزل المجاور له، وحتى العائلة الواحدة ربما تمتلك عادات تميزها عن باقي العائلات الأخرى.

 لذلك تشكل العادات والتقاليد جزءاً مهما في نظام كل دولة حول أنحاء العالم، ومع اختلاف الجنسيات والاهتمامات والأديان بين البشر هناك عادات وتقاليد خاصّة بكل فرد وعائلة وقبيلة ودولة وثقافة وعصر، فجميع الأفراد داخل مجتمع معين يلتزمون بالعادات والتقاليد، ولا يفرطون فيها، ويعتبرونها قوانينا لا يمكن تجاوزها.

 وفي بعض الأحيان قد يعاقب الفرد إذا تجاوز العادات والتّقاليد والأعراف للبيئة المحيطة به، فهي بمعتقدهم ترتبط مع التربية وسلوكيات الأفراد، وربما مع الدين، فالعادات والتّقاليد تشمل العديد من الأمور المحيطة بالمجتمع كطقوس العبادة، وآلية التعامل في المناسبات، والتعامل بين الرجل والمرأة، والتنشئة المجتمعية، والكثير من الأمور.

وأصبحت العادات والتقاليد مرتبطة بالشعوب وأعمالها وثقافتها ربما تكون سيئة ام ايجابية، والعديد منها تكون غريبة الأطوار وتدهشنا عند سماعها ونستغرب من فعلها، ولكن ما هو غريب لدينا ليس بالضرورة غريب لدى هذه الشعوب.

بعض العادات والطقوس الغريبة فعلاً !!!...

في بعض البلدان كالهند مثلا، تشتهر بالعديد من العادات والتقاليد والأعراف ومنها من يتوافق مع أفكار البشرية وربما لا تتوافق مع الغير، ولكن أهل الهند متوافقون عليها ويؤمنون بها ولا يمكن الاستغناء عنها، ومنها إيمانهم بوجود السحر الأسود.

ومن أغرب العجائب هناك، هو تاج محل ضريح لزوجة ملك هندي من أصول منغولية قام ببنائه لذكري زوجته ممتاز محل وهو من العجائب السبع، ويعتبر رقم (1) من حيث الزوار، وهذا البناء الإسلامي مزيج للفن الإسلامي الفارسي والهندي، وموجود في مدينة أغرا في شمال الهند.

أما الغرائب الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، ففي ولاية راجستان توجد طائفة تعبد الفئران، ولها معبد يعيش فيه أكثر من 24 فأراً وهذه الطائفة تؤمن أنها تتقرب إلي الله من خلال عبادة الفئران، وتقديسها وتقوم بدفن الفأر حين موته بمقابر خاصة، وهم من حيث العدد أكثر من نصف مليون شخص.

عادات أخرى أكثر انتشاراً في الهند هي عبادة البقر وتقديسها ويعتبر الهندوس أنها أم الإنسان لهذا يمنع أكل لحومها حتى على الأقليات الأخرى كالمسلمين والمسحيين، حيث يحذر عليهم ذبح الأبقار.

ومن عاداتهم أيضاً حرق جثث الموتى، وهي شعيرة هندية، تتم بإلقاء الجثة المحروقة في النهر، حيث يعتقدون أن الرماد سيذهب إلى السماء، وأن الروح تنتقل إلى كائن آخر، ومن هنا هم يؤمنون بتناسخ الأرواح ومنها من تذهب لحيوانات ويسمونها الممسوخة، وحين احتلت بريطانيا الهند التي كانت أكثر من 500 إمارة، منعت حرق الزوجة إذا توفي الزوج، كما كانوا معتادين عليه.

غرائبٌ أخرى كتزويج الأطفال الذين تتجاوز أعمارهم (7 سنوات) ومن الأطفال من يزوجونهم بعمر أقل، ولا يوجد قانون يمنع ذلك في الهند، كما أن الطبقات العليا يحق لها الزواج من أي طبقة أخرى بينما الطبقة الدنيا يمنع عليها الزواج إلا من طبقتها.

طقوس الموت، عادات وتقاليد تغمرها الخرافة!... 

تختلف طقوس الموت من شعب لآخر... فتسلك بعض الشعوب والأمم طرقاً غريبة في التعامل مع موتاها.. ففي كل سنة يقوم شعب المرينا الذي يقطن جزيرة مدغشقر بإخراج الأجداد، والأقارب من قبورهم لإعادة تزيينهم من جديد وتغيير الأكفان الحريرية التي تحيط بهم وتغطيهم..

يقول (جون بيير موهين) المتخصص في طقوس ومراسم الموت: "إن كل ما يفعله شعب المرينا بعيد كل البعد عن الحزن والكآبة، بل يغلب على هذه الطقوس الفرح والغبطة والروائح الطيبة...

ويسعى هذا الشعب من هذا العمل إلى إشراك الموتى في الحياة العامة، وطلب النصيحة والمساعدة منهم، والغريب أن كل المناسبات التي يفكر فيها يعب المرينا مثل الزواج ومبادلة الارض (البيع والشراء) وكذلك بيع وشراء الحيوانات والحصاد، تترك للفترة الواقعة بين شهري يونيو/ حزيران، وسبتمبر / أيلول من كل عام، وذلك لتتم الأمور أمام الأموات وبشهادتهم قبل أن تتم إعادتهم إلى مدافنهم ..

وفي المكسيك يحتفل الناس في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني بعيد الأموات، حيث يتوافد الناس على القبور حاملين معهم الورود بكافة الألوان، لكن شريطة أن تكون الباقات مطعمة بالقرنفل البرتقالي الذي يعمل على جذب الأرواح الفقيدة حسب اعتقادهم، وفي العادة تكون العطايا المقدمة للأموات عبارة عن طعام وخمر وعدد من أنواع الحلوى التي تتم صناعتها على هيئة هياكل عظمية..

وتدخل في الاحتفال طقوس أخرى كالغناء والرقص الخاص على مدار الليل، ويعتقد المكسيكيون أن هذه الطقوس مناسبة لإعادة العلاقات المنقطعة مع أحبائهم الموتى وفرصة لتسليتهم في عالمهم المجهول..

هناك العديد من عادات وتقاليد أصبحت أسطورية في جميع أنحاء العالم رغم غرابتها في بعض الأحيان إلا أنها فريدة من نوعها.

أو في إسبانيا التي تشهد عدداً من المهرجانات والعادات السنوية ،تلفت انتباه العالم لها، حيث تشتهر بتعدد مهرجاناتها وإقامتها لاحتفالات غير تقليدية بشكل سنوي منتظم.

ويأتي مهرجان الثيران كأبرز المهرجانات السياحية، حيث عرفت إسبانيا بمصارعة الثيران، ويأتي الناس لها من جميع أنحاء العالم، لذلك خصصت شهراً سنوياً يحرص على حضوره السياح، تطلق فيه الثيران الهائجة في الشوارع ويحاول المشاركون تفادي ضرباتها.

حيث قال الصليب الأحمر في خبر ليوم السبت 07 يوليو 2018:  إن ثورا أصاب شخصا في أول أيام مهرجان الركض مع الثيران بمدينة بامبلونا بشمال إسبانيا.

وأصيب أربعة آخرون بجروح بسيطة وسحجات نتيجة سقوطهم على الأرض، ونقل المصابون الخمسة للمستشفى.

وشارك في الركض نحو ألفي شخص ارتدى معظمهم اللون الأبيض وربطوا مناديل حمراء حول أعناقهم حيث طاردتهم الثيران في شوارع ضيقة بوسط بامبلونا وتشير الإحصاءات إلى أن أيام السبت هي الأخطر في المهرجان الذي يستمر أسبوعا!

وفي ختام قولنا هذا...

أدركنا بأن الشعوب هي تتعامل بأشكال مختلفة مع تراثها،أي أنها تتعامل مع تراثها طبقا لبُناها المعرفية، وانطلاقا من أحكامها ومفاهيمها. لذلك يجيء التعامل مختلفاً.‏

فأما سؤال مازال يبقى يدور في الأذهان وهو وبالرغم من اعتزاز الشعوب المختلفة بتراثها مهما يكون ايجابيا في نظرها وغير ايجابية برأي  غيرها، فهل : 

"عادات وتقاليد ... هي تراث حضاري أم موروث احتضار ثقافي" ؟!!!

اليك التأويل ...

ف. رفيعيان