جنوبيو السودان: الانفصال يخلق دولة "ميتة

الأربعاء ١٢ يناير ٢٠١١ - ٠٢:٣٣ بتوقيت غرينتش

حذَّر عدد كبير من أبناء جنوب السودان إخوانهم من التصويت لصالح الانفصال ، مؤكدين أن الانفصال معناه وجود دولة ميتة معدومة الحياة، وتحتاج عشرات السنوات حتى يكون فيها بنية تحتية يمكن أن تصلح أن تقوم عليها دولة بعد ذلك ، حسبما افاد موقع "اخوان اونلاين" في تقرير امس الثلاثاء.وتعرَّض موفد (إخوان أون لاين) لمضايقات عديدة من أجهزة الشرطة ، خلال تصوير الوجه الحقيقي للجنوب ، وصلت إلى حدِّ محاولة تحطيم الكاميرا الخاصة به ، بعد رصد مأساة الجنوب من خلال جولة في شوارع مدينة جوبا والقرى المحيطة بها،وكذلك ولايتي شرق وغرب الاستوائية.وافاد المراسل: رصدنا- خلال الجولة- تخوفًا واضحًا لدى ا

حذَّر عدد كبير من أبناء جنوب السودان إخوانهم من التصويت لصالح الانفصال ، مؤكدين أن الانفصال معناه وجود دولة ميتة معدومة الحياة، وتحتاج عشرات السنوات حتى يكون فيها بنية تحتية يمكن أن تصلح أن تقوم عليها دولة بعد ذلك ، حسبما افاد موقع "اخوان اونلاين" في تقرير امس الثلاثاء.

وتعرَّض موفد (إخوان أون لاين) لمضايقات عديدة من أجهزة الشرطة ، خلال تصوير الوجه الحقيقي للجنوب ، وصلت إلى حدِّ محاولة تحطيم الكاميرا الخاصة به ، بعد رصد مأساة الجنوب من خلال جولة في شوارع مدينة جوبا والقرى المحيطة بها، وكذلك ولايتي شرق وغرب الاستوائية.

وافاد المراسل: رصدنا- خلال الجولة- تخوفًا واضحًا لدى الجنوبيين من الانفصال ؛ لأنه سيؤدِّي إلى وجود دولة- على حد تعبيرهم "ما في شي"، أي دولة ليس بها أي شيء للحياة ، هذا ما أكدته سيدة في منتصف الثلاثينيات اسمها "ورقة"، موضحة أنها درست القانون في الشمال، وعندما عادت إلى الجنوب وجدت مأساةً حقيقيةً ؛ حيث الفقر والجهل، وعدم وجود أي موارد تُذكَر يمكن أن تقيم دولةً حتى ولو بشكل بدائي.

وأضافت ورقة- التي تعمل في إحدى شركات السياحة- أن الجنوب يعتمد في مأكله ومشربه على الشمال وأوغندا، وبالتالي لا يمكن أن تقوم دولة ليس بها إلا مصنع واحد، ولكنه للأسف ينتج الخمور، مشيرةً إلى أن الحركة الشعبية تتلاعب بالمواطن الجنوبي وتبشره بدولة ، ولكن هذا المواطن سوف يُفاجأ بكارثة حقيقية ، وهي أن ما كان يتمتع به من الشمال لن يكون له وجود ، سواء من الطحين أو الزيت أو السكر وخلافه من موارد الحياة الأساسية التي تقوم عليها الحياة في الجنوب.

وفيما يتعلق بأن أوغندا تستطيع أن تعوض هذا النقص الذي كان يأتي من الشمال في حال الانفصال ، ضحكت ورقة وقالت: يا أستاذ، هؤلاء نصابون ويبتزون الجنوب ، وضربت مثلاً بسعر زجاجة المياه التي تصل من الخرطوم وتُباع للمواطن بـ3 جنيهات، رغم أنها في الشمال بـ2 جنيه ، وفي حالة الانفصال سوف تأتي من أوغندا بـ5 جنيهات ، موضحةً أن هؤلاء لا يريدون إلا ابتزاز أهل الجنوب الفقراء أصلاً.

وأشارت "ورقة" إلى أنها مسيحية ولكنها ترفض الانفصال ؛ لأن الحركة الشعبية لم تقدِّم إليهم أي خدمات تؤهلها أن تستمر في حكمهم ، بالمقارنة بما قدم "ناس الشمال" أي حكومة الشمال قبل تنفيذ الاتفاقية.

وهو ما أكده أيضًا "فون واو"، وهو يعمل في شرطة جوبا ، والذي تحدث معنا بتحفظٍ شديدٍ، وقال: إن هناك أوامر ألا يتحدثوا في السياسية، ولكن بعد العديد من التساؤلات اكتفى بالقول: إن الحكومة تحكم الجنوب مستخدمة قوة الجيش الشعبي ، الذي يقوم بإرهاب الناس للتصويت لصالح الانفصال ، وأضاف قائلاً: "من يصوِّت للانفصال بعد أن حصل على جروش سوف تذهب الجروش وتبقى المعاناة"؛ أي مَن حصل على أموال مقابل التصويت لصالح الانفصال سوف تنتهي هذه الأموال وتبقى أزمات الانفصال.
استفتاء جنوب السودان

الجنوبيون الأجانب

ويؤكد "سيسو توم"، الذي يعمل فلاحًا في قرية نملي شرق الاستوائية ، أن الانفصال معناه الموت؛ لأن الجنوب فقير وليس فيه تنمية ، وعندما سألته عن العمل الذي يقوم به ، قال إنه يزرع أمام منزله لكي يأكل ، موضحًا أن الأجانب هم الذين يريدون الانفصال، و"توم" لا يقصد بالأجانب الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني أو حتى الأوغنديين والكينيين والإثيوبيين ، وإنما يقصد قيادات الحركة الشعبية نفسها، موضحًا أن كثيرًا منهم غريب عن الجنوب ولم يعانِ من ويلات الحرب والفقر والجوع، فهم تعلَّموا في خارج السودان وأولادهم وأسرهم في الخارج، وأضاف- متهكمًا-: "الرئيس سيلفا كير لا يدري شوارع جوبا.. فكيف يكون رئيسًا واحدًا؟".

وعن المعاناة التي يعانيها "توم" وغيره من أبناء الجنوب، قال: إننا نشرب المياه من النيل مباشرة وليس عندنا مصانع للطحين "الدقيق" أو الزيت، وكله يجيء من الشمال ، كما أنه لا توجد خدمات صحية أو مستشفيات كافية ، وأكد أن المأساة الحقيقية ليست في جوبا لأنها العاصمة، ولكن في الولايات والقرى التي تنتشر في الغابات.


كلنا فقراء

ويصف "سادي"، وهو يعمل في أحد الفنادق المشهورة بجوبا الوجه الآخر للصورة ، مشيرًا إلى أن الفنادق والشركات الموجودة في الجنوب لا تثق في العمالة الجنوبية ، وتعتمد على العمالة الإثيوبية والكينية والأوغندية ، والحكومة من جانبها لم تقم بإلزام هذه الشركات بأن توظف أبناء الجنوب، وهو ما أدَّى إلى فجوة هائلة في الأوضاع هناك، وحتى الذين يعملون في هذه المؤسسات والشركات لا يتقاضون مبالغ كبيرةً، ولا يعملون في وظائف جيدة، وغالبًا ما يكونون في مجال الخدمة والنظافة.

جنوب السودان
"سادي" الذي رفض الإفصاح عن ديانته- وقال لي: "ما مهم الدين.. فكلنا فقراء"- حمَّل الحركة الشعبية مسئولية تدهور أوضاع المواطن الجنوبي، موضحًا أن الانفصال سوف يزيد من تدهورها ؛ لأن "ناس الشمال ما دايرين أن تستمر المعونات في حالة الفصل".

ويضيف إسماعيل إدريس، أحد أصحاب محال البقالة في جوبا ، أنهم يعتمدون على استيراد كل شيء من الخرطوم، ويكتفون هنا في جوبا بخبز الطحين الذي يجيء من الشمال عبر النيل، أما اللحوم فليس فيها مشكلة ؛ لأن الأغنام والأبقار تنتشر في الجنوب، معبِّرًا عن تخوفه من أن تزيد معدلات الجوع في حال الانفصال ؛ لأنه في هذه الحالة سوف تنتشر السرقة والقتل من أجل البحث عن الطعام، متوقّعًا ألا تستطيع الحركة الشعبية ولا جيشها السيطرة على الأوضاع في حال الانفصال ؛ لأنهم في هذه الحالة سوف يواجهون أبناءهم وإخوانهم وأسرهم.

وأشار إدريس إلى أن الحكومة الجنوبية لم تقدِّم أي دعمٍ خلال السنوات الست التي حكمت فيها، ولم تنفذ أي مشروعات تنموية هناك، وكل همها أن يكون هناك انفصال حتى تزيد قيادات الحركة والحكومة من أرصدتهم وأموالهم في الخارج؛ لأن الأموال سوف تكون تحت سيطرتهم ولن يحاسبهم عليها أحد، واستدلَّ إدريس بقول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر منذ أيام بأن أهل الجنوب سوف يفيقون من حلم الانفصال على كابوس الفقر والجهل في دولة ليس بها أي شكل من أشكال الحياة.
أحمد سبيع - جوبا