من الناتو العربي الى استسلام الاكراد في سوريا 

من الناتو العربي الى استسلام الاكراد في سوريا 
الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٨ - ٠٥:٠٠ بتوقيت غرينتش

في حين كشفت مصادر اميركية موثوقة في تصريح لوكالة "رويترز" عن نية اميركا تشكيل تحالف جديد تحت عنوان "ناتو عربي" لمواجهة ايران، تشير المعلومات المتمخضة عن اجتماع مجلس سوريا الديمقراطية المعروف بـ"قسد" في دمشق عن نجاح هذا الاجتماع . سؤال يطرح نفسه، الا يدل التزامن بين هذين الحدثين عن ان ترامب يسعى الى التقليل من تواجد اميركا في جبهات متعددة للتركيز على مواجهة ايران؟

العالم - قضية اليوم     

ففي حين كان ممثلو قسد يتواجدون منذ يوم الخميس في العاصمة دمشق للتفاوض مع ممثلي الحكومة السورية، وفيما تشير مخرجات المفاوضات الى نجاحها، اعلنت بعض المصادر الاميركية يوم الجمعة عن نية ترامب تشكيل تحالف جديد تحت عنوان "ناتو عربي" .

"الناتو العربي" وبحسب هذه المصادر سيتكون من الدول المشاطئة على الخليج الفارسي اي السعودية ، الامارات، قطر ، البحرين ، عمان والكويت الى جانب مصر والاردن. وبحسب مزاعم المتحدث باسم مجلس الامن القومي الاميركي فان الائتلاف الجديدة الموسوم بـ"مسا" ستكون مهمته التصدي للتوسع الايراني. بمنأى عن انه في مثل هذه الظروف هل سيكون بامكان "مسا" ان يترجم احلام اميركا وبعض الشيوخ العرب على ارض الواقع، ويرى النور ام انه سيكون مجرد تهديد اخر كالتهديدات الاخيرة التي اطلقها ترامب ضد ايران؟، هنالك عدة نقاط جديرة بالملاحظة. 

النقطة الاولى الجديرة بالملاحظة فيما يخص تشكيل "الناتو العربي" هي ان ترامب ومن خلال هذا المشروع يحاول ربط تصعيد وتيرة التهديدات ضد ايران بالحظر لكي يرغم الجمهورية الاسلامية على العودة الى طاولة المفاوضات وبالتالي ارغامها على التسوية. هذا في حين ان ترامب لم يجن شيئا لحد الان من تهديداته الاخيرة سوى تهديدات متماثلة لما اطلقها. الطريف انه كلما يقترب ترامب من الموعد الذي حدده لعودة الحظر على ايران خلال الايام العشرة المقبلة، فانه لا يشاهد اي مؤشرات على ضعف ارادة الجمهورية الاسلامية الصلبة. ترامب وقبل ايام تحدث وكله ثقة عن قرب الايام التي سيرغم الايرانيون فيها على طلب التفاوض معه، هذا في حين انه وحتى السادس من نوفمبر وموعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس ليس امامه وقت طويل، وان لم يستطع الجمهوريون خلال هذه الانتخابات الحصول على المقاعد المرجوة فان هناك توجهات قوية بشأن مساءلته لعدم اهليته.

النقطة الثانية في هذا الخصوص هي اصرار ترامب على تبديل ايران باعتبارها العدو المشترك للعرب بدلا من "اسرائيل". في الواقع انه وبخلاف السعودية والامارات والبحرين، غالبية الدول المشار اليها ضمن قائمة "مسا" لازالت نظرتهم تجاه ايران تتسم بحسن النية وفي المقابل تتسم بالسلبية تجاه "اسرائيل" . اما النظرة السلبية تجاه الكيان الاسرائيلي فهي الشعور الطاغي على شعوب هذه الدول، ولذلك نرى ان "صفقة ترامب" لازالت تواجه مشاكل عديدة.

في مثل هذه الظروف يتصور ترامب ان تشكيل "الناتو العربي" سيؤدي من جهة الى تعبئة اقليمية ضد ايران وفي نفس الوقت يضمن امن الكيان الاسرائيلي ويخرج القضية الفلسطينية من كونها القضية الاولى للعالم الاسلامي من جهة اخرى. وبناء على ماتقدم فانه يمكننا وصف ائتلاف "مسا" من منظار ترامب بانه ائتلاف امركي -عربي -اسرائيلي، الائتلاف الذي من واجبه تسوية الخلافات الجادة بين قطر- باعتبارها البلد الذي يستضيف اكبر قاعدة عسكرية اميركية في المطقة- مع السعودية، ويضمن راحة بال "اسرائيل" وعربان المنطقة تجاه بعضهما بعضا بشكل جذري، وبالتالي يزيد من وتيرة الضغوط على ايران لارغامها على التفاوض مع اميركا. الاعلان عن موعد اجتماع "مسا" في ال،12 و 13 من كتوبر اي قبل شهر من اقامة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس ياتي لهذا السبب، والا فان مشروع تشكيل "الناتو العربي" في الواقع يعود الى قبل عام حيث طرحته السعودية ولكن لم ينفذ.

النقطة الثالثة في هذا المجال هي تزامن هذا المخطط مع اقامة الجولة الاولى من المفاوضات الناجحة بين اكراد سوريا وحكومة الرئيس بشار الاسد . في الحقيقة انه وبعد الانتصارات الباهرة التي حققتها القوات السورية في الجنوب على صعيد مكافحة الارهاب ، فان غالبية الخبراء والمحللين يرون ان الوجهة التالية للقوات السورية ستكون شمال هذا البلد اي الرقة والمناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية المدعومة اميركيا او ادلب المحتلة من قبل تركيا. وفي هذا البين ان الاكراد الذين فقدوا ثقتهم كليا خلال الاشهر الاخيرة حيال الدعم الاميركي، قرروا التفاوض مع الحكومة الشرعية في سوريا والعودة الى حضن الوطن بدلا من القتال. ولذلك فانهم ومن خياري القتال والتفاوض اعتمدوا الخيار الثاني. اما اميركا التي كانت قد وعدت الاكراد بانه في حال الوصول الى البحر فانها ستدعم تشكيل كيان كردي مستقل اخلت بوعدها كما فعلت مع اكراد العراق لكي لا يبقى امام اكراد سوريا سوى خيار العودة. هذا في حين ان المصير المحتوم للاكراد في حال خوض القتال مع النظام السوري لم يكن سوى مصير الارهابيين في حلب والغوطة والجنوب السوري . وعلى هذا الاساس فانه لم يبق امام ترامب بناء على الحسابات الاميركية سوى القبول بتفاوض الاكراد مع حكومة الاسد وبالطبع يبدو انه من خلال اتخاذ هذه الخطوات يسعى الى التقليل من جبهات الاشتباك في منطقة الشرق الاوسط وتركيز قدراته على مواحهة الجمهورية الاسلامية الايرانية.

ختاما ينبغي القول ان تطورات المنطقة تشير الى ان مشروع "صفقة ترامب" يواجه تحديات جادة. فأمن الكيان الاسرائيلي بات مزعزعا اكثر مما سبق لاسيما بعد الانتصارات التي حققتها الحكومة السورية في الجنوب وعلى خط التماس مع الاراضي المحتلة ، واتفاق الاكراد مع النظام السوري يكشف عن اليد الطولى لمحور المقاومة في المنطقة، وبالتالي فان اصرار ايران على مواقفها الى جانب قرب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس وايدي ترامب الخاوية تحولت الى كوابيس قاتلة لسمسار الادارة الاميركية . كوابيس ليس بامكان تحالفات مثل "مسا" تبديدها ان قبلنا جدلا بانه سيرى النور . وقد يكون الشعر التالي لسان حال الايرانيين ومحور المقاومة:

إن قومي تجمعوا وبقتلي تحدثوا

لا اُبالي بجمعهم کل جمع مؤنث    

 ابورضا صالح