تونس نحو التغيير..الشعب التونسي يسدد الثمن

السبت ١٥ يناير ٢٠١١ - ٠١:٤٩ بتوقيت غرينتش

أول ضحايا الانتفاضة الشعبية في تونس هي مقولة "العرب أمة ميتة" أو لا تعرف قيمة الحرية والكرامة. بعد ذلك يمكننا القول أن ما يجري في تونس يعتبر نموذجاً فريداً للتعبير عن تطلعات الناس نحو الحرية والعدالة والمساواة في الوطن العربي للأسباب التالية:

أول ضحايا الانتفاضة الشعبية في تونس هي مقولة "العرب أمة ميتة" أو لا تعرف قيمة الحرية والكرامة. بعد ذلك يمكننا القول أن ما يجري في تونس يعتبر نموذجاً فريداً للتعبير عن تطلعات الناس نحو الحرية والعدالة والمساواة في الوطن العربي للأسباب التالية:

 

أولا: الشكل الذي اتخذته التحركات منذ البداية بما في ذلك المشاركة الواسعة لفئة الشباب والتي كان أوضح تعبيراتها إحراق الشاب التونسي الجامعي نفسه احتجاجاً على انسداد فرص العمل بوجهه، وإحراق البائع المتجول نفسه احتجاجاً على إهانته من جانب الشرطة ومنعه من ممارسة عمله في الشارع وهو من فئة الشباب، ومع هذه المشاركة الواسعة من الشباب لاحظنا مشاركة واسعة من كل فئات المجتمع التونسي العمرية والمهنية ومن النساء أيضاً.

 

ثانياً: التحول السريع للانتفاضة من منطقة سيدي بوزيد خارج العاصمة التونسية إلى كافة مناطق الدولة بما فيها العاصمة، وهذا الانتشار السريع لم يكن مخططاً ولعب الدور الأبرز في حدوثه نجاح المحتجين في إيصال صوتهم للخارج عبر وسائل الاتصال الحديثة التي استخدمها الشباب بكفاءة عالية وبتركيز شديد ما أدى إلى فشل الحكومة التونسية في التغطية على الاحتجاجات وتعبيراتها المتنوعة كما كان يحدث عادة.

 

ثالثاً: عدم وجود إطار قيادي للانتفاضة يعطيها صفة حزبية أو فكرية أو مناطقية الأمر الذي جعلها تبدو أقرب ما يكون لثورة شعبية تعبر عن إرادة الشعب التونسي بأكمله، ورصد الشعارات التي رفعها المتظاهرون تدلل على شمولية الأهداف التي توخاها التونسيون من وراء تقديم هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى حتى الآن، وكان أبرزها مطالبة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بالرحيل.

 

رابعاً: الجرأة والتصميم التي تحلى بها المتظاهرون في مواجهة القمع والتنكيل بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي عليهم ومهاجمة وزارة الداخلية في العاصمة بعد عدة خطابات للرئيس التونسي يشير إلى عمق الأزمة والغضب الذي يعتمل في نفوس التونسيين جراء الحالة المزرية التي باتت تلف المجتمع التونسي وانعدام آفاق الحلول الاقتصادية والاجتماعية الناجعة.

 

خامساً: الشكل السلمي للتعبير من جانب المتظاهرين رغم حادثتي الانتحار العلني بإحراق النفس التي بدأت بها الانتفاضة، ورغم العنف والقتل الذي واجهت به السلطات التونسية المحتجين وأدى لسقوط مئات القتلى والجرحى، هذا الشكل وإن تخللته بعض التصرفات العنيفة هنا أو هناك جعل الرأي العام العربي والدولي يتعاطف مع المنتفضين ويدعو لتحقيق مطالبهم.

 

سادساً: المدة الطويلة التي استغرقتها الانتفاضة، وهي غير مسبوقة في الوطن العربي، وفي تونس على وجه الخصوص التي لم تشهد هذه الحالة منذ عشرات السنين.

 

إن الدهشة التي أصابت المراقبين والمحللين من جراء اتساع الانتفاضة واتخاذها شكل الثورة الشعبية الشاملة واضطرار الرئيس التونسي لمخاطبة الشعب أربع مرات أثناءها، وكذلك اضطراره لحل حكومته والقبول بانتخابات برلمانية خلال ستة أشهر، هذه الدهشة لها ما يبررها من زاوية الدعاية الكبيرة والترويج الذي حظيت به خطط الحكومة التونسية للانفتاح الاقتصادي والتنمية وغير هذا من البرامج المتعلقة بتنمية المجتمع المدني وحرية المرأة، إلى آخر ما هناك من تحول إيجابي نحو العصرنة والتحديث الذي كان موضع إعجاب وترحيب من الدول الغربية ووسائل إعلامه المسيطرة في كل أنحاء العالم.

 

يبدو أن هذا الأمر لم يكن صحيحاً مئة بالمئة، وحتى لو كان صحيحاً فإن التطورات السلبية، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية في تونس قد ألحقت أضراراً فادحة بخطط التنمية وأفرغتها من كل إنجازاتها السابقة، وفي مقدمة تلك التطورات انتشار حالة الفساد والمحسوبية واستغلال النفوذ، والبطالة التي وصلت نسبتها حسب الإحصاءات الرسمية إلى 14% (وهي الأعلى في المنطقة العربية)، كما انعدمت فرص التشغيل الحكومي وفي القطاع الخاص الذي ضيقت الحكومة عليه بطريقة أدت إلى انتشار البطالة عموماً وبين خريجي الجامعات على وجه الخصوص. أما في الجانب الاجتماعي فإن اتساع الهوة بين الطبقات التونسية واضمحلال الطبقة المتوسطة ألحق بالمجتمع التونسي خسائر كبيرة تجلت في تشوهات اجتماعية عبرت عن نفسها في ظواهر الانحلال والفساد والهجرة والتفكك الأسري وغيرها من الظواهر الاجتماعية السيئة.

 

أما الجانب السياسي والمتعلق بإدارة شؤون الدولة والحكم والناس فحدث ولا حرج، حيث الحزب الحاكم يبسط سلطته المركزية على كل شيء ويمنع أي حزب أو حركة من مجرد أن يكون رديفاً له في الحكم بل تابع أو ملحق أو ديكور ليس أكثر. أحزاب المعارضة كثيرة لكنها لا تمنح الفرصة في التعبير عن نفسها، أو تخوض منافسة جدية مع الحزب الحاكم، كما أن حرية التعبير مقيدة والقوانين التونسية فصلت لخدمة الحاكم الفرد وإن وجدت قوانين ديمقراطية فهي لا تطبق ولا يحترم مضمونها، ناهيك عن امتيازات الطبقة الحاكمة والمقربين من الرئيس وزوجته وغيرها من ظواهر فساد الحكم وديكتاتوريته.

الأهم من كل ما سبق في حالة الدهشة ومن ثم الإعجاب بما تحققه وحققته هذه الانتفاضة التونسية هي أنها تجري في ظل دولة تملك منظومة أمنية كبيرة ومتماسكة ولها باع طويل في السيطرة والتحكم والقدرة على ضبط الأوضاع، ولا تتورع عن استخدام كل الطرق القديمة والحديثة في قمع المعارضة بما في ذلك الاعتقال السري والقتل واختراق الأحزاب وغيرها من صنوف العمل الأمني المعروفة وغير المعروفة، وقد شاهدنا رجال أمن بلباس مدني يطلقون النار على المتظاهرين، وآخرين منهم يطلقون القنابل المسيلة للدموع.

 

والآن يبرز السؤال الجوهري في رصد الحدث التونسي والذي يقول:

هل هذه الانتفاضة هي حدث عابر أم نقطة تحول نوعي في تونس؟؟

 

الواضح أن المسألة الاقتصادية وإن كانت السبب المباشر في اندلاع الاحتجاجات، إلا أنها ليست السبب الرئيسي في التحول النوعي الذي طرأ عليها خلال أيام وأدى إلى انتشارها وتطورها نحو انتفاضة شعبية عارمة، والذي يؤكد هذا الاستنتاج أن الرئيس التونسي خرج على الشعب التونسي ليعلن أكثر من مرة عن إصلاحات اقتصادية بما في ذلك تخفيض أسعار السلع الاستهلاكية وتخفيض نسبة البطالة عبر توفير عشرات الآلاف من فرص العمل، وهما النقطتان الأبرز في الشأن الاقتصادي، ومع ذلك استمرت الانتفاضة وجرى تصعيد شعاراتها باتجاه سياسي إلى أن وصلت حد مطالبة الرئيس بالرحيل كما أسلفنا.

 

إذن هناك أسباب أكثر عمقاً وأهم للشعب التونسي تمد تحركات الناس بزخم كبير وتمنح التونسيين الشجاعة للاستمرار والمواجهة. على رأس هذه الأسباب غياب الحرية بمعانيها المختلفة وفي طليعتها حرية التعبير. كما أن الفساد السياسي وانعدام سبل التغيير الديمقراطي يمثلان سببين كبيرين للغاية من أسباب الانتفاضة الجارية بتونس، وارتباطاً بذلك سلوك النظام الوحشي في كبت تطلعات الناس،والاعتقالات العشوائية والتعذيب الذي تمارسه السلطة لمعارضيها الحقيقيين أو المفترضين في ظل غطاء إعلامي وعلاقات منفتحة مع الغرب جنبت النظام في السابق الكثير من الحرج، لكنها اليوم باتت مكشوفة ولا يمكن تغطيتها، والذي جرى على يد السلطة في مواجهة الانتفاضة الحالية قتلاً واعتقالاً هو فقط رأس جبل الجليد لممارسات الطبقة الحاكمة في تونس.

 

إذن هناك أسباب وتطورات في الشكل والمضمون تجعل الاستنتاج القائل بنشوء مرحلة نوعية في حياة تونس الوطن والشعب استنتاجاً منطقياً وصحيحاً.

إن إعلان حالة الطواريء في كافة الأراضي التونسية للرد على ما أسلفنا حول التحول الجاري ينذر برحيل الرئيس وما يمثل في تونس، وقد ذكرت الأخبار أثناء كتابتنا للمقال بأنه قد غادر تونس أو بالأحرى هرب وأن الجيش تولى زمام الأمور.

نتائج الانتفاضة باتت واضحة وهي نتائج مهمة وذات دلالات طيبة لتونس وللوطن العربي وربما تصبح قريباً نموذجاً يحتذى لبعض الدول التي تآكل فيها النظام وبات عبئاً على الشعب.

*اسلام تايمز