ظاهرة إقبال الألمان على اعتناق الإسلام تثير حيرة الباحثين

السبت ١٥ يناير ٢٠١١ - ٠٢:٣٨ بتوقيت غرينتش

تناقلت وسائل الإعلام الألمانية مؤخراً، نبأ رحيل الكاتب الألماني المسلم "آية الله هوبش". ومن المعروف أن "هوبش" الذي ولد عام 1946، واعتنق الإسلام عام 1969، كتب العديد من المقالات الصحفية عن الإسلام عموماً.

تناقلت وسائل الإعلام الألمانية مؤخراً، نبأ رحيل الكاتب الألماني المسلم "آية الله هوبش". ومن المعروف أن "هوبش" الذي ولد عام 1946، واعتنق الإسلام عام 1969، كتب العديد من المقالات الصحفية عن الإسلام عموماً.

ونقلا عن "الحقيقة الدولية" الجمعة التي اشارت في تقريرها ان رحيل هذا الكاتب يفتح ملف ظاهرة اعتناق الألمان للإسلام ، التي تتزايد بشكل يطرح أكثر من سؤال، حول أسبابها وكيفية تشكلها، وطبيعة أنشطة وتحركات المنظمات الألمانية التي تحتضن المسلمين من أصول ألمانية.

ظاهرة اعتناق مثيرة للتساؤل 

حكاية الألمان الذين قرروا اعتناق الإسلام منذ عام 2001 تعدّ مثيرة، فأعدادهم المسجلة تتضارب حولها الآراء، ما دفع العديد من المهتمين والباحثين إلى دراسة هذه الظاهرة الملفتة للنظر داخل المجتمع الألماني، بالمقابل ، ترسم فيه العديد من المؤسسات الإعلامية في ألمانيا، صور نمطية وأحكام مسبقة عن الإسلام والمسلمين، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

ووفق إحصائيات أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية ، الموجود بمدينة سوست الألمانية ، يوجد قرابة 25 ألف مسلم من أصول ألمانية ، أي ما يقدر بضعف عدد المعتنقين قبل عشر سنوات. كما تقول المعطيات ، أن أغلب المعتنقين الألمان هم من النساء اللواتي يقررن طواعية الدخول في الإسلام سواء عن قناعة ذاتية أو نتيجة ارتباط بزوج مسلم ، وأغلبهن منتظمات داخل جمعيات المساجد، ويمارسن العديد من الأنشطة الدينية باللغة الألمانية.

ولا يستغرب المهتم والمختص أمام هذه الظاهرة ، ما دامت المسلمات الألمانيات يتمتعن بمستوى تعليمي رفيع ، وحاصلات على العديد من الشواهد الجامعية. وتقول الباحثة الألمانية "ماريا إليزابيث باومان"، والتي أصدرت كتابا بعنوان: "طرق النساء المؤدية إلى الإسلام"، "أن قرابة 250 إلى 300 ألمانية تعتنق الإسلام كل عام".

منظمات دينية

وتشير العديد من المصادر الألمانية ، إلى أن المسلمين الألمان يعملون بشكل كبير في المنظمات الإسلامية بألمانيا. وحسب المصادر نفسها، فإن معتنقي الإسلام من الألمان ملتزمون وناشطون ، نظرا لأنهم يتحدثون جيدا اللغة الألمانية ، وعارفون بالتقاليد والطرق البيروقراطية ، وهذا ما ساعدهم على احتلال المراكز والمناصب العليا في بعض المنظمات الإسلامية المعروفة. ومن بين المنظمات النشيطة في هذا الباب، نقدم مثالا بالجمعية الإسلامية الناطقة بالألمانية ببرلين، والمعروفة باسم DMK ، وهي تقدم دروسا، ودورات تدريبية في مسجد بلال ، حول مواضيع الساعة، والتي يحضرها الكثير من الشباب الألماني، كما تخصص يوم السبت لأنشطة النساء. لكن هناك العديد من المنظمات والطرق الصوفية، والتوجهات الدينية المختلفة التي تميز كل منظمة ألمانية أوعربية إسلامية في ألمانيا.

دوافع اعتناق الألمان للإسلام

لماذا يقرر الألمان أن يصبحوا مسلمين؟ في البداية ، تؤكد المختصة في السوسيولوجيا الثقافية "مونيكا فولغاب زار، أن أسباب اعتناق الألمان للإسلام كثيرة ومتنوعة وحصرها في الزواج من مسلم بشكل أساسي ، أمر تدحضه الأرقام المسجلة في أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية ، التي تشير إلى أن أقلية من المسلمين تدخل الإسلام بسبب الزواج.

وتوجد عوامل عديدة يفصح عنها كتاب "مونيكا فولغاب زار": "اعتناق الإسلام في ألمانيا والولايات المتحدة". فعلى حد قول الباحثة، "تتجسد الدوافع في رغبة الألمان في تغيير نمط حياتهم من خلال بناء نظام أخلاقي جديد، هذا إضافة إلى الهجرة الرمزية التي يمارسها العديد منهم، بحثا عن انتماء مغاير يجدونه في الإسلام، بعيدا عن الوطن والعرق الألماني".

غالبية نسائية

وركزت الباحثة "ماريا إليزابيث" في دراستها على الأسباب الدينية والشخصية والاجتماعية ، التي تدفع الألمانيات إلى الدخول إلى الدين الإسلامي، ومن أهمها الرغبة في تبني هوية دينية جديدة. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، "تقوم الألمانيات بأسفار، ورحلات متعددة ،فيكون ذلك دافعاً للمساءلة، ونشير إلى كون جزء كبير من الألمانيات يسحره الاطمئنان الروحي و النفسي الذي يبديه العديد من المسلمين المقيمين بألمانيا، مما يكون حافزا يدفعهن إلى بذل الجهد لمحاربة الفراغ الروحي والنفسي الذي يعانين منه".

ولمواجهة الصورة السيئة عن النساء المسلمات في ألمانيا ، قامت الكاتبة الألمانية من أصل مغربي ، "زينب المسرار"، بإصدار كتاب "البنات المسلمات ، من نحن وكيف نعيش" حيث حاولت نقل صورة عن واقع الفتيات المسلمات في ألمانيا ، وإعطائهن صوتا مسموعا في أوساط الرأي العام ، وبما أن النظرة الدقيقة إلى مدى تطور جيل الفتيات المسلمات ، واندماجهن في المجتمع الألماني تظل غائبة ، قررت الكاتبة ، كما صرحت للصحافة الألمانية ، تأليف كتاب عن أوضاع الفتيات المسلمات ، والتجارب التي مررن بها في ألمانيا، وإبراز كيف "حققن نجاحات كبيرة في شتى ميادين المجتمع الألماني".

رموز إسلامية في ألمانيا

ويجمع كل المراقبين للشأن الإسلامي بألمانيا تقريبا ، على كون "مراد هوفمان" يعد من بين الوجوه البارزة ضمن نسيج المسلمين من أصل ألماني، والذين اعتنقوا الإسلام مبكرا، بل له تأثير كبير وواسع داخل المجتمع الألماني، نظرا لمكانته كدبلوماسي وباحث في العلوم الدينية.

ولد الدكتور "مراد فيلفريد هوفمان" بمدينة شافنبورغ عام 1913، ولديه العديد من الكتب التي تتناول مستقبل الإسلام في إطار الحضارة الغربية وأوروبا. "هوفمان" كاثوليكي المولد ، لكنه اعتنق الإسلام عام 1980. عمل كخبير في مجال الدفاع النووي في وزارة الخارجية الألمانية ، و كان إسلامه موضع نقاش بسبب منصبه الرفيع في الحكومة الألمانية، كما اشتغل كمدير لقسم المعلومات في حلف الناتو في بروكسل من عام 1983 حتى 1987 ثم سفيرا لألمانيا في الجزائر من عام 1987 حتى 1990، ثم سفيرا في المغرب من عام 1990 حتى 1994، وهو متزوج من سيدة تركية.

ولهوفمان العديد من التصورات الدينية التي بلورها في كتبه العديدة التي تجمع بين الفلسفة والشريعة والتحليل الديني ، فكانت باكورة أعماله متنوعة ، ومن بينها: دور الفلسفة الإسلامية ، يوميات مسلم ألماني ، الطريق إلى مكة ، الإسلام في الألفية الثالثة ثم كتاب الإسلام كبديل.

ويذكر الدكتور هوفمان أن من أسباب تحوله إلى الإسلام هو ما شاهده في حرب الاستقلال الجزائرية، وولعه بالفن الإسلامي.

وضعية هوفمان كمسلم ألماني لا تقل خطورة عن وضعية المسلمين المقيمين على الأراضي الألمانية ، وبسبب آرائه ومواقفه تم وضعه ضمن لائحة المنتقدين للدستور الألماني. فحسب تقرير، سبق وأصدره المكتب الفدرالي لحماية الدستور بولاية "بافاريا"، تعد مواقف هوفمان منافية للدستور الألماني. هوفمان لم يوجّه له النقد فقط من طرف سلطات بلاده بل شنت عليه حملة انتقادات شديدة من طرف منظمات نسائية ألمانية كتلك التي قامت بها مديرة مجلة "ايما".

المؤكد أن المسلمين الألمان لم يولدوا داخل محيط و تقاليد إسلامية ، كما لم تتح لهم الفرصة بأن يفكروا مليا في أمور دينهم، إلا أن اعتناقهم للإسلام لسبب من الأسباب يجعلهم على حد تعبير الصحافية الألمانية "أوزولا تروبر" "يقدمون مساهمة هامة في عملية تجديد الإسلام. إنهم قادرون على خلق ديناميكية داخل المجتمع الألماني من خلال ما يقومون به من دور داخل المنظمات الإسلامية والجامعات بالرغم من وجود حوالي 250 مسلماً ألمانيا كأعضاء في هذه المنظمات، وهي نسبة قليلة تنعكس على تمثيلهم في هذه المنظمات الإسلامية، التي غالباً ما تهيمن عليها الجالية التركية في ألمانيا. لكن هذا لا يمنع من كون كثير من المسلمين الألمان أعضاء نشطين ويتمتعون بالتقدير الكبير".

مسلمة مثيرة للجدل

لا يمكن الحديث عن موضوع المسلمات من أصل ألماني إلا ونستحضر "حليمة كراوزن" التي يقترن اسمها بالباحثة والمتخصصة في ما يصطلح عليه البعض في الوسط الإسلامي بـ "علم أصول الدين النسوي". فهذه الباحثة التي ولدت بمدينة آخن عام 1949، بين أحضان أم بروتستانتية وأب كاثوليكي. تعلمت اللغة العربية وقامت بأسفار عديدة إلى الشرق وأوروبا ودرست القانون الإسلامي والفلسفة بهامبورغ حيث عملت على تكوين جالية ألمانية بعد دخولها الإسلام عام 1963. هذا إلى جانب كونها قامت بترجمة القرآن، رفقة فريق من الباحثين وألّفت الكثير من الكتب في الحديث والقانون.

حليمة كرازون
وقد عرفت حليمة كراوزن بمواقفها المثيرة على إثر قيام أمينة ودود بإمامة المصلين في صلاة الجمعة بمدينة نيويورك. فهي تعتبر أن منهجية الجدل الذي أثير حول الموضوع غير واضحة ، فكل من المؤيدين والمعارضين لصلاة الجمعة التي أقيمت في نيويورك خرجوا باستنتاجات سريعة للغاية تعتمد على مأثورات أحادية، إذ أن القرآن الكريم لم يعالج هذه المسألة مباشرة ، أوتعتمد على مبادئ افتراضية دون البحث الدقيق للخلفيات أو مراعاة علاقة المسألة بتلك المبادئ.

وترى "حليمة كراوزن" أن مصطلح (الإمام) لا يصف رتبة وظيفية محددة ولكنه يستعمل لمعانٍ كثيرة. وترى أن تغير مفهوم الإمامة يجعل مفاهيم جميع الأمور قابلة للتفسير والتغيير. ولذلك تدعو الباحثة إلى" تطبيق الاجتهاد في كثير من المجالات، كما تعتبر أن هناك كثير من النظم القانونية التي تبعد كل البعد عن روح القرآن، بينما تبدو في ظاهرها قائمة على أجزاء من النص القرآني".

تكاد الصورة التي يقدمها الألمان المسلمون عن الإسلام ، تختلف عن تلك الصورة التي يعكسها المسلمون الذين ولدوا في بيئة إسلامية، لاعتبارات عدة تتعلق بالمستوى التعليمي والاجتماعي ، والشروط السياسية والعلمية، وكذلك العقلية الألمانية التي تدفع أكثر إلى التساؤل وزحزحة المقدسات. فنظرة الألمان إلى الإسلام جريئة ، وتستند على خلفيات ثقافية وفكرية مغايرة، لما هو متوارث في العالم الإسلامي.

السؤال الذي يطرحه المختصون والمهتمون بهذه الظاهرة: هل سيقدم الألمان من خلال تأويلاتهم واجتهاداتهم الإسلامية صورة مغايرة للإسلام، من شأنها المساهمة في تحقيق القطيعة مع الماضي والصور النمطية السائدة أم أن الظاهرة هي عابرة في ظل ظروف العصر الحالي.