التونسيون ضد "اصلاحات اجتماعية".. والسبب؟

التونسيون ضد
السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٣:١٧ بتوقيت غرينتش

تظاهر أكثر من ألف شخص الجمعة في صفاقس، في شرق تونس، احتجاجا على الإصلاحات المجتمعية التي اقترحتها مؤخراً لجنة رئاسية.

العالم – تقارير

هذه اللجنة المعنية بالحريات الفردية والمساواة التي قررها الرئيس الباجي قايد السبسي، اقترحت في 8 حزيران/يونيو اصلاحات تشمل المساواة في الميراث وعدم تجريم المثلية الجنسية، وهذه الاصلاحات تعد منافية للعرف و الشرع في بلد اسلامي كتونس.

تجمع المتظاهرون في وسط مدينة صفاقس بدعوة من الجمعيات الدينية وممثلي المجتمع المدني، وساروا إلى مقر المحافظ تحت مراقبةالشرطة.

ورفع المشاركون لافتات كتب عليها "مقترحات اللجنة تهدف إلى فتنة وتدمير المجتمع" و"لا للمثلية الجنسية".

وقال الامام محمد مدنيني "نريد سحب هذه المقترحات لأنها تقوض مبادئ الإسلام وتمثل خطراً على الأسرة والدولة".

وهتف المشاركون رجالا ونساء "تونس دولة إسلامية" ولا "للانحراف الاخلاقي" و"لا لتدمير المجتمع".

وقد اقترحت هذه اللجنة إلغاء "تجريم المثلية الجنسية" والمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإلغاء عقوبة الإعدام والعديد من التدابير الأخرى.

وتدعى اللجنة أن نهجها "لا يتعارض مع جوهر الإسلام".

وزعم اقبال الغربي، الخبير في شؤون الاسلام وعضو اللجنة، لوكالة فرانس برس "لا احد يحتكر تفسير القرآن ، فقد اخترنا قراءة تقدمية".

بداية عمل لجنة الحريات الفردية يفتح باب أزمة جديدة

فالرئيس الباجي قائد السبسي كلف في 13 أغسطس 2017، لجنة الحريات الفردية والمساواة، بصياغة مقترحات لتعديل التشريعات الحالية.

ليفتح التقرير الذي أعدته اللجنة وقدمته مطلع الشهر الماضي، باب الجدل على مصراعية في تونس، بين علماء الدين والأئمة من جهة والنخب الليبرالية والأحزاب اليسارية من جهة أخرى.

التقرير المتكون من 233 صفحة يتضمن توصيات ومشاريع قوانين وصفت بكونها مثيرة للجدل؛ على غرار المساواة في الإرث وإلغاء المهر والعدة والمساواة بين جميع الأطفال، بمن فيهم المولودون خارج إطار الزواج، وإلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء "تجريم المثلية الجنسية".

واعتبر مفتي الديار التونسي السابق حمدة سعيد، في حديثه صحفي له ان تقرير لجنة الحريات الفردية من مقترحات وتصورات، يعد "مسخا وطمسا واعتداء على حق الله ومقدساته، وعلى أحكام ونصوص قطعية في القرآن لا تقبل لا التأويل ولا الاجتهاد؛ على غرار مسألة المواريث والعدة والمهر واللواط"، مستنكرا في الآن ذاته عدم دعوة متخصصين من رجال الدين وعلوم الشريعة في نقاش اللجنة، ووضع تصورات تتماشى وعقيدة المجتمع التونسي.

ردود الفعل تجاه مشاريع القوانين

وتلبيتا لدعوة جمعية الخطابة والعلوم الشرعية بصفاقس (مستقلة) انطلق آلاف التونسيين، امس الجمعة، من أمام جامع اللخمي أحد أكبر مساجد صفاقس في مسيرة احتجاجية بمحافظة صفاقس (جنوب شرق)، و توقفوا عند مقر المحافظة ورفعوا الأعلام التونسية، مرددين هتافات منها: “الشعب "مسلم و لا يستسلم"، و"لا شرقية لا غربية تونس دولة إسلامية" ليعبروا عن رفضهم لمشاريع هذه القوانين.

وقال رئيس جمعية الخطابة والعلوم الشرعية محمد قيدارة، لوكالة الأناضول، انه "أردنا بهذه المسيرة التي جاءت تحت شعار أسرتنا حصننا وملاذنا، التعبير عن رفضنا القطعي لما جاء به تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة".
واعتبر أن تقرير الحريات نوع من الإرهاب الفكري، لأنهم مارسوا الوصاية على الشعب التونسي المسلم، في تهديد واضح لمرجعيته وهويته.

بدوره، قال الشيخ عاطف الفتوي، وهو إمام خطيب، إن "هذا التقرير مسقط، وقد غيب فيه علماء الزيتونة وجميع العلماء، ولم تتم استشارتهم".
مضيفا ان "رسالتنا لرئاسة الجمهورية، هو السحب الكلي لهذا التقرير، لأنه لا يمت لنا بصلة ولا يمثل الشعب التونسي، بل بالعكس سيحدث تفرقة كبرى في صف الشعب الواحد"

من جانبها، قالت خلود الطريقي، إحدى المشاركات في المسيرة، "نريد أن أقول لبشرى بالحاج حميدة (رئيسة لجنة الحريات) لا بد من إشراك المرأة عند سن أي قوانين تخصها، كما يجب أن يكون النص الديني هو المرجع الأساسي لذلك".

البيانات الصادرة عن الرابطات القرآنية والجمعيات الدينية والعلماء الزيتونيين، انتقدت هي  الاخرى بشكل غير مسبوق ما جاء في تقرير ، متهمة أعضاءها  بالتعدي على المقدسات الدينية والقرآن وتقويض ركائز المجتمع.

فالتنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية العادلة أعلنت في بيان، عن رفضها القاطع لما جاء في تقرير اللجنة ، داعية إلى سحبه وإلغائه، وشددت التنسيقية على مناقضة مضمونه لصريح القرآن والسنة ومخالفته لأحكام الأسرة القطعية في الإسلام، متهمة إياه بالتعدي على المقدسات الدينية للشعب التونسي وتهديد السلم الاجتماعي، من خلال نشر الإباحية وإشاعة الفاحشة وتغذية الإرهاب.

ولا يزال الشارع التونسي ينتظر يوم الـ 13 من آب/ أغسطس القادم ليحسم رئيس الجمهورية الجدل الدائر بشأن مشاريع القوانين المقترحة من لجنة الحريات الفردية بالتزامن مع عيد المرأة، وما ان كان يقرر عرضها للتصويت أمام البرلمان ام لا.

وقد يرى البعض ان الظروف المعيشية القاسية التي يعيشها الشعب التونسي هى الاولى بالاصلاح و ليس اقرار قوانين تمثل اعتداء سافرا على المقدسات الدينية و ومن شأنها ان تهدد السلم الاجتماعي عبر نشر "الفاحشة والإباحية" بحسب ما يرى علماء الدين التونسيون.

بشرى بلحاج ترد على الاحتجاجات الرافضة لتقرير المساواة والحريات الفردية

قالت بشرى بلحاج حميدة، رئيسة لجنة "المساواة والحريات الفردية" في تونس، إن الجدال الدائر في المجتمع والدعوات للتظاهر ضد تقرير اللجنة المقدم للرئيس تأتي من باب حرية التعبير، إلا أنها يجب أن تلتزم بعدم الخروج عن هذا الإطار.

وأضافت،أن التعبير عن الرأي أو رفض التقرير أو بعض بنوده حرية مكفولة للجميع، إلا أن هذه الحرية لا يجب أن تتخذ شكلا غير أخلاقي ممزوج بالدعوات للعنف والتخوين والسب وهو ما لا يمكن القبول به.

وأكدت أن ميثاق المساواة والحريات الفردية المطروح من قبل بعض المنظمات المدنية لا يتعارض مع تقرير اللجنة، بل يعد داعما للتقرير، خاصة أنه مطروح من منظمات حقوقية ومدنية ويتضمن الكثير من النقاط. كما أن البرلمان التونسي سيكون له الفصل في التقرير في النهاية، وسيكون مرجعه الدستور، خاصة أن التقرير يعد تعبيرا عن الدستور، الذي سيكون له التأثير الأول قبل أي محاولات للضغوط غير ديمقراطية.

وفي ذات الإطار أطلقت أكثر من تسعين جمعية وشخصية في تونس الأسبوع الماضي "ميثاق الحريات الفردية والمساواة"، واعتبره البعض مكملا لتقرير "لجنة الحريات الفردية والمساواة" التي أسست في أغسطس/ آب 2017، و الذي تم نشره في 12 يونيو/ حزيران 2018.

وشهدت تونس الجمعة 3 أغسطس بعض التنديدات وخروج العشرات المطالبين بسحب تقرير المساواة والحريات الفردية المرتقب تقديمه للبرلمان لمناقشته.

كما قبلت في وقت سابق تونس، مولاءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لكنها لم تقبل توصيات إلغاء محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، كما لم تقبل بإلغاء تجريم العلاقات الجنسية بين أفراد من جنس واحد (المثلية).