ثورة تونس.... سيناريو مستقبل حكام العرب

الإثنين ١٧ يناير ٢٠١١ - ٠٢:٠٠ بتوقيت غرينتش

شهر من الاحتجاجات يقوم بها الشعب التونسي بعد حرق الشاب محمد بوعزيزي نفسه بعد أن حاول استرداد عربة الخضار التي تمثل رأسماله الوحيد من الشرطة والمحليات فتم صفعه علي وجهه من إحدي الموظفات فقرر الانتحار . كانت ساعة المستقبل تدق وقد فتح حرق بوعزيزي نفسه الباب لثورة العاطلين مثله من أبناء الطبقة الوسطي التونسية والذين نالوا تعليما جامعيا ولكنهم لا يجدون عملا يتكافئ مع تعليمهم فقرروا النزول للعمل في الأعمال الرثة ليأكلوا لقمة عيشهم . وهنا يظهر ما نطلق عليه في العلوم الاجتماعية " الحرمان النسبي " حيث يشعر الناس أن ما تؤديه إليه نظمهم السياسية هو أقل مما يتوقعونه ويستحقونه وه

شهر من الاحتجاجات يقوم بها الشعب التونسي بعد حرق الشاب محمد بوعزيزي نفسه بعد أن حاول استرداد عربة الخضار التي تمثل رأسماله الوحيد من الشرطة والمحليات فتم صفعه علي وجهه من إحدي الموظفات فقرر الانتحار .


كانت ساعة المستقبل تدق وقد فتح حرق بوعزيزي نفسه الباب لثورة العاطلين مثله من أبناء الطبقة الوسطي التونسية والذين نالوا تعليما جامعيا ولكنهم لا يجدون عملا يتكافئ مع تعليمهم فقرروا النزول للعمل في الأعمال الرثة ليأكلوا لقمة عيشهم .


وهنا يظهر ما نطلق عليه في العلوم الاجتماعية " الحرمان النسبي " حيث يشعر الناس أن ما تؤديه إليه نظمهم السياسية هو أقل مما يتوقعونه ويستحقونه وهنا تنشئ فجوة التوقعات التي تقود إلي الغضب والتذمر عبر الوعي والشعور اليومي بأنماط من الظلم والإهانة ومن هنا يأتي ما نطلق عليه في علم الحركات الاجتماعية بالعامل المفجر بمعني أن النظم الفاسدة والراكدة المستبدة التي شاخت وعجزت عن الاستجابة لحاجات مواطنيها ينتشر بين مواطنيها شعور وعقيدة عام تقول إن هذه النظم لم تعد صالحة للاستمرار وتحمل هذه العقيدة قوي اجتماعية وسياسية في العادة تنتمي للطبقة الوسطي ، هذه القوي يصبح أمر التغيير والثورة بالنسبة لها مسألة لا بد منها لكنها تنتظر اللحظة المناسبة .

وهنا يأتي العامل المفجر الذي يتحول إلي نار ونور وإلهاما وطاقة ، وكان حدث محاولة بوعزيزي قتل نفسه هو الحادث المفجر الملهم لكل الشباب العاطلين عن العمل من المتعلمني ليخرجوا إلي الشارع ويحتجوا بمطالبين بحقهم في العمل وحق في الخبز وحقهم في المسكن والزواج والحياة وهي الحقوق التي نطلق عليها في العلوم الاجتماعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي شرط شعور الإنسان بالكرامة وشرط ممارسته لحقوقه السياسية .


تونس التي فرض عليها حاكمها ستارا حديديا شبيها بتلك الأسوار التي تصنعها النظم الفاشية لعزل شعوبها عن العالم بحيث لا يعرف أحد مايجري في الداخل وتبني تلك النظم صورا وردية عن النمو والتقدم والحداثة بينما هي خاوية من الداخل ، تونس المعزولة عن العالم تصبح هي القبلة التي ترسم وجه المستقبل للإنسان العربي وتعيد الثقة إليه وتطئنه أنه يمكن أن يثور ويغضب وأنه يمكن أن يواجه الموت من أجل كرامته وحريته ومن أجل نظم سياسية تمنحه حقوقه الاقتصادية والاجتماعية كما تمنحه حقوقه السياسة سواء بسواء .


عندنا نماذج لنظم انهارت في أوروبا الشرقية وتحولت من نظم ديكتاتورية إلي نظم ديموقراطية ، بيد إننا كنا بحاجة إلي لسان عربي مبين يعلن لنا بيانا وينير لنا طريقا ودربا ، وإذا بقدر الإنسان العربي في تونس أن يكون هو ذلك اللسان ، لأول مرة يستطيع الإنسان العربي أن يثور ويسقط نظاما سياسيا ويفرض مطالبه علي حكام أباطرة انعزلوا عن شعوبهم وفارقوا إنسانيتهم فظنوا أنفسهم آلهة .


كانت خطوات ديكتاتور تونس متثاقلة نحو شعبه ، فلم يكن يظن أن احتجاجات الشعب ستصبح ثورة يرددون فيها شعر أبو القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.


فخرج في خطاب يهدد ويتوعد ثم في خطاب ثان يقيل وزراء ويقرر الإفراج عن المعتقلين وفي الخطاب الثالث يعد بآمال الحرية وعدم البقاء في السلطة ولكن الثورة قد جاوزت حركته العجوز ومبادرته التي شاخت .


يتساءل كثيرون من الباحثين العرب والمراقبين والمحللين عن مستقبل نظمهم السياسية التي شاء حكامها أن يدعوها تبدو بلا مستقبل فهي تعيش يوما بيوم لا تدري ماذا يجري غدا ؟ وكان كبار المتخصصين إذا سئلوا فإنهم لا يملكون إجابة فالغموض وعدم اليقين يلفان الحجب ولا يعرف الناس من أمر غدهم القريب ولا بعيد شيئا ، وهنا فإن ثورة شعب تونس العربي تفتح لكل متسائل الطريق مفتوحا وواسعا للسيناريو الوحيد الذي أصبح ممكنا لمستقبل النظم العربية ، فالشارع هو ساحة المواجهة وحجاج المناضلين والحركات الاجتماعية يجب أن يكون في قلبه كما فعل ثوار تونس ومناضليها .


تونس هي التي ابتسرت المستقبل وفتحت طريقا إليه فسيناريو تونس الذي بدأ من خروج العاطلين عن العمل محتجين في سيدي بوزيد ثم إلي مدن أكبر مثل القيروان وسوسه ثم تتسع لتصل إلي بيت الديكتاتور في قلب العاصمة وبنزرت ويصبح القتل والقمع وقودا لانتشار طاقة الثورة وامتدادها، فدماء الشهداء أقوي من آلة القمع التي لا تلبث أن تخشع وتعجز عن البطش فدماء مئة قتيل جعلت المحتجين يطلبون الموت ليهبوا الحياة لأمتهم ، وهنا تلاشت قوة الديكتاتور فقرر الرحيل ، فرنسا رفضت استضافته وظلت طائرته تحوم في الجو لأكثر من ست ساعات مستعيدين مشهد شاه إيران ، مستقبل العالم العربي رسمته تونس ووضع نظمنا العربية الآن في الميزان .

*د.كمال حبيب