17/1/2011 زياد ابوشاويش Zead51@hotmail.com

الإثنين ١٧ يناير ٢٠١١ - ٠٧:٢٨ بتوقيت غرينتش

محمد الغنوشي: سر البقاء في السلطة! رئيس الوزراء التونسي منذ عام 1999محمد الغنوشي يتولى مهمة إعادة صياغة الدولة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت برئيسه زين العابدين بن علي وأرغمته على الفرار من تونس. لم يكن الرجل في حاجة لتكليف من رئيس البرلمان ليتولى منصب رئيس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية المأمولة ذلك أنه تولى قيادة البلاد فور رحيل بن علي ونصب نفسه رئيساً على أساس المادة 56 من الدستور التونسي الحالي، ثم ما لبث أن تراجع بسبب احتجاجات شعبية وحزبية من المعارضة ترى أن الحالة في تونس تستدعي تنفيذ المادة 57 بشكل مؤقت لحين إعادة النظر في كل الدستور المفصل على مقاس الحزب الحاكم إن لم

محمد الغنوشي: سر البقاء في السلطة!

رئيس الوزراء التونسي منذ عام 1999محمد الغنوشي يتولى مهمة إعادة صياغة الدولة بعد الثورة الشعبية التي أطاحت برئيسه زين العابدين بن علي وأرغمته على الفرار من تونس.

لم يكن الرجل في حاجة لتكليف من رئيس البرلمان ليتولى منصب رئيس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية المأمولة ذلك أنه تولى قيادة البلاد فور رحيل بن علي ونصب نفسه رئيساً على أساس المادة 56 من الدستور التونسي الحالي، ثم ما لبث أن تراجع بسبب احتجاجات شعبية وحزبية من المعارضة ترى أن الحالة في تونس تستدعي تنفيذ المادة 57 بشكل مؤقت لحين إعادة النظر في كل الدستور المفصل على مقاس الحزب الحاكم إن لم نقل الفرد الحاكم.

تم العمل بالمادة المذكورة وتولى رئيس البرلمان السيد فؤاد المبزع رئاسة الدولة حتى إجراء الانتخابات الرئاسية خلال ستين يوماً من شغور منصب الرئيس كما تنص المادة 57، وخشية الفراغ في سدة الحكم والحكومة قام المبزع بتكليف محمد الغنوشي برئاسة الحكومة القادمة والتي كان الغنوشي نفسه قد اقترح أن تكون حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحداً، فما سر هذا التكليف وما هي الأوراق التي يملكها السيد الغنوشي ليلعب هذا الدور الحساس والكبير بدل الإطاحة به واعتقاله بسبب شراكته الطويلة مع بن علي في إدارة شؤون البلاد والعباد؟

قبل الإجابة المباشرة على هذا السؤال المنطقي لابد أن نطل على ملخص حياة الرجل وعلاقته بالعمل السياسي والحكم منذ الاستقلال عام 1956.

الرجل من مواليد مدينة سوسة 1941 أي أنه بلغ السبعين من العمر قضى معظمها في العمل السياسي والاقتصادي، حاصل على شهادة جامعية في العلوم السياسية والاقتصادية من جامعة تونس. شغل منصب مدير الإدارة العامة للتخطيط في البلد عام 1975. بعد استيلاء بن علي على الحكم من سلفه الحبيب بورقيبة في انقلاب أبيض العام 1987 تم تعيينه وزيراً للتخطيط ومن ثم شغل عدة مناصب وزارية من بينها الاقتصاد والمالية إلى أن عين وزيراً أول (رئيساً للوزراء بالتسمية في بلدان أخرى) عام 1999 حتى اليوم.

ينسب للرجل قدرته في الجانب الاقتصادي ويعود له الفضل في إنجازات وصفت بالطليعية على هذا الصعيد ما لبثت أن تراجعت وأفرغت من مضمونها على يد الرئيس وعائلته والدائرة الضيقة المحيطة به، وهذا لا يعفي الغنوشي من مسؤولية فشل خطته الاقتصادية ولا من الفساد الذي استشرى في دهاليز الحكومة والحاكمين بالإضافة لمسؤوليته عن إطالة عمر النظام الديكتاتوري بقبوله منصب نائب رئيس الحزب واستمرار دفاعه عن النظام حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يركب الموجة ويبادر بالحديث عن مظاهر الفساد وضرورة المراجعة والإصلاح. إذن هذا رجل يتحلى بمرونة كبيرة بالإضافة لقدراته على الصعيد الاقتصادي وعلى كسب ود الناس بالمعنى الشخصي.

والآن ورغم أن الرجل يتحمل المسؤولية المباشرة بعد الرئيس المخلوع عن كل ما جرى ويجري في تونس بما في ذلك إطلاق النار على المتظاهرين وقتل وإصابة عدد كبير منهم، ما الذي يبقيه للآن خارج السجن، بل وفي موقع المسؤولية الأولى في الدولة، والأهم المؤتمن على حفظ إنجازات الثورة من التبديد عبر تكليفه بتسمية أعضاء حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية وتعاطي الأحزاب معه على هذه الخلفية؟

المنطق العلمي والعقل يقول أنه لا يمكن للسيد الغنوشي أن يبقى على هذه الشاكلة والأهمية دون أن يمتلك مقومات وعلاقات متميزة، هذه المقومات المرتبطة بقدرات وإمكانيات الرجل وهيبته الشخصية بين أقرانه ولا تتعلق بالشق الاقتصادي أو الفني فقط.

الأمر الآخر أنه لابد أن يكون الرجل صاحب علاقات متميزة مع قيادة الجيش ورئاسة الأركان على وجه الخصوص وبغير هذا لا يستطيع البقاء في سدة الحكم ليوم واحد أو الظهور على شاشة التلفاز التونسي الرسمي ليتحدث بذات الصفة أي الوزير الأول.

الأمر الثالث أنه لم يتوفر للتونسيين حتى الآن شخصية وطنية عليها إجماع أو شبه إجماع من أجل تسليمها مقاليد المرحلة الانتقالية، وهذا سبب مهم لانخفاض صوت المطالبين برحيله أسوة برئيسه الهارب. والسبب الرابع وراء بقاء الرجل يتمثل في عدم ارتباط اسمه بأي جريمة سياسية معروفة ولا يوجد له خصوم شخصيين يطالبوه بحقوقهم على هذا الصعيد.

أما السبب الخامس والأخير فيعود لعدم وجود قيادة موحدة للانتفاضة التونسية أو نفوذ حقيقي لها في مؤسسة الجيش والأمن العام وبالتالي فإن الأداة التي من المفترض أن تلغي وجوده غير متوفرة حتى الآن، كما أن الرجل يتابع ما بدأه من إقرار بوجود أخطاء وفساد في الحكم لابد من إنهائه عبر البدء بالتغيير على صعيد المؤسسات الأمنية المستهدفة من الجماهير، وعلى هذا فقد تم اعتقال وزير الداخلية السابق وقائد الحرس الرئاسي وغيرهما من أتباع الرئيس المخلوع.

والسؤال بعد ذلك عن إمكانية بقائه لفترة طويلة في الحكم لابد سيرد في ذهن أي متابع لما يجري على الساحة التونسية.

إن الإجابة على هذا التساؤل تحتاج لمعلومات دقيقة عن تركيبة أحزاب المعارضة كما تضاريس الحزب الحاكم وحلفائه، والأهم معرفة ما يجري داخل مؤسسة الجيش والمخابرات.

برغم عدم إطلالنا بدرجة كافية على هذه المعلومات إلا أنه يمكن توقع مآلات الحالة الراهنة بما فيها بقاء الغنوشي من عدمه على رأس الحكومة التونسية مؤقتة كانت أو دائمة.

المرجح أن السيد الغنوشي سيغادر الساحة بإرادته أو مرغماً، ولن يستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وحين تكتمل دائرة النضج السياسي التي صنعتها الانتفاضة فإن أول قرار لها سيكون إبعاد الغنوشي عن دائرة صنع القرار في البلد. وحتى تلك اللحظة سيكون على الثورة تجنب تكرار ما وقع في العراق وأفغانستان، أو حتى في إيران من استبعاد قوى وطنية وفاعلة عن المشاركة في السلطة، كما أن واجبها الانطلاق من شعاراتها لترسيخ مبدأ حرية الرأي والتعبير، وإعطاء الفرص المتكافئة للجميع على قاعدة احترام القانون والعدالة، وتعميم قيم العفو والتسامح في الوطن والمجتمع التونسي.