سوريا بين التراخي السعودي الفرنسي والغطرسة الاميركية

سوريا بين التراخي السعودي الفرنسي والغطرسة الاميركية
الإثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٨ - ١٠:١٧ بتوقيت غرينتش

المواقف الاقليمية والدولية المتضادة مع الحلول السلمية للازمة في سوريا تتمحور حول نقطة جوهرية واحدة تتلخص في كيفية حماية الكيان الاسرائيلي امنيا وإبعاد كل ما من شأنه ان يشكل ضغطا على الاحتلال، ما يوضح سبب اصرار أميركا على تغيير الرئيس السوري بشار الاسد وحكومته وتشكيل حكومة ضالعة لمخطط أُعِدَّ قبل بدء الازمة المفتعلة في سوريا، وشمل لاحقا تدمير العراق واليمن.

العالم - مقالات وتحليلات

لا يمكننا الفصل بين التداعيات التي واجهتها سوريا عن تداعيات العراق واليمن وعموم المنطقة.. وما طرأ عليها من منغصات حاولت تعكير صفو هذه البلدان لتدميرها ثم تجزئتها خدمة للمصالح الصهيوأميركية واذنابهم من الدول العربية الضالعة في هذه المخططات العمياء التي سوف لن يكتب لها اي نجاح وكما نرى سريان الاحداث تباعا حيث استطاع العراق تحرير اراضيه "بسواعد ابنائه وبوقوف ايران الى جانبه التي امدته بالاسلحة والخبرات الاستشارية العسكرية"، من لوث جماعة "داعش" الوهابية التي سربتها القوى الرجعية الاقليمية والدولية الى العراق لقطع شريان المقاومة الممتد من ايران الى العراق وسوريا ولبنان وغزة، فيما لازال تحالف العدوان السعودي الصهيواميركي يراوح مكانه منذ اكثر من ثلاث سنوات ولم يغير شيئا على الساحة الفعلية غيرر الفتك بالمدنيين اليمنيين خصوصا الاطفال والنساء ما يعبر عن فشل ساحق في مسعى استرجاع الشرعية (ثروات ونفط اليمن) الى الجيب الاميركي البشع.

أميركا تعتبر عزم سوريا تحرير ادلب تصعيدا للصراع!

من هنا، فان اي تقدم للجيش السوري على اراضيه تعتبره الولايات المتحدة الاميركية "التي بدأت تفقد خيوط اللعبة القذرة التي تديرها في حربها ضد سوريا يوما بعد اخر حتى انحصرت في زاوية ميتة (شرق الفرات)"، تعتبره تصعيدا للصراع، وذلك ما صرح به وزير خارجية أميركا مايك بومبيو الجمعة الماضية في تغريدة على "تويتر" قائلا: "الولايات المتحدة تعتبر هذا (هجوم الجيش السوري لتحرير اراضيه في إدلب) تصعيدا لصراع خطير بالفعل"، 

حقيقة الخطر الذي تحذر منه اميركا وأذنابها في المنطقة (الدول العربية المتخندقة مع الكيان الاسرائيلي واميركا) بل وحتى الامم المتحدة التي هي اداة بيد اميركا، هو تكرار التلويح بمزاعم استخدام سوريا للسلاح الكيمياوي، كمحاولة اميركية لعرقلة الانتصار على الارهاب في هذا البلد.

هي ليست مزاعم يطلقوها هنا وهناك حول حقوق الانسان "والولايات المتحدة الاميركية ابعد ما تكون عن هذه المفاهيم الانسانية وحروبها تشهد على عجرفتها ووحشيتها ابتداء من حروبها في داخل اميركا نفسها ضد الهنود الحمر وتصفية الملايين من اصحاب الارض الحقيقيين الى ضرب اليابان بقنبلتين نوويتين الى حرب فيتنام الى احتلال افغانستان الى حصار العراق وقتل اهله كما يحاصر اليوم اليمن السعيد بأهله، الى غزو العراق عام 2003"، انما هي محاولات لاطالة امد الحرب في سوريا بعد فشل كل مساعي الاستكبار والرجعية العربية في تدمير هذا البلد والعراق واليمن. ما يعني انتصارا محققا لكل من سوريا والعراق واليمن وايران ومحور المقاومة وروسيا وذلك ما لا تطيقه اميركا واذنابها ولا يريدون الاعتراف به.

القول ما قالته روسيا وسوريا، وعلى اميركا وتركيا والمسلحين فهمه

على النقيض من اعلان الولايات المتحدة الذي جاء على لسان بومبيو، اكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن الحكومة السورية لديها كامل الحق في ملاحقة المتشددين وطردهم من إدلب وإن ثمة محادثات مستمرة بشأن إقامة ممرات إنسانية هناك، وذلك ما اكده وزير خارجية سوريا وليد المعلم بعد محادثات مع لافروف في موسكو بقوله "أننا لا نمتلك أسلحة كيميائية ولا يمكن أن نستخدمها"، مشيرا الى ان البوصلة السورية تتجه نحو "الخطوة الأخيرة لإنهاء الأزمة في بلادنا وتحرير كامل أراضينا من الإرهاب".

هذه التصريحات جاءت في وقت يستعد فيه الارهابيون في ادلب لتنفيذ مسيرحية الكيماوي بدعم بريطاني واميركي لإلقاء اللوم على الدولة السورية ليكون ذريعة لعدوان جديد على سوريا. الذي لم يفهمه هؤلاء ومشغليهم ان تحرير ادلب اولوية الرئيس الأسد سواء بالمصالحات أو بالعمل العسكري، وهو ما اكد عليه وزير الخارجية وليد المعلم مشيرا الى ان سوريا لا تتطلع لمواجهة مع تركيا، لكن على الأخيرة أن تفهم أن إدلب محافظة سورية.

تخبط في تغيير المواقف

باستثناء موقف الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي، يبدو ان الموقف السعودي بدأ بالتراخي وكذا الموقف الفرنسي.

الولايات المتحدة و"اسرائيل"

كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أطلقت أنباء عن جولة سيقوم بها المبعوث الأميركي الجديد الخاص بسوريا جيمس جيفري يزور خلالها الكيان الاسرائيلي (لتقديم فرض الطاعة له)، يرافقه المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا جويل ريبورن، الذي يناقش "الحفاظ على أمن إسرائيل مع مواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة"، حسب الخارجية الاميركية التي اضافت إن جيفري وريبورن سيتوجهان إلى الأردن وتركيا حيث سيؤكدان موقف الولايات المتحدة المعارض للهجوم العسكري في إدلب، وبالفعل فقد اجرى جيفري محادثات مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس الاحد، تناولت الاوضاع في سوريا وايران.

السعودية

في المقابل لفت وزير الخارجية وليد المعلم إلى أن دمشق لمست تغييرا في الموقف السعودي ظهر في اللقاء بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره عادل الجبير، وهذا أمر مرحب به، مشيرا الى ان العلاقة السورية الإيرانية ليست موضوع مساومة مع أي طرف لأنها علاقة استراتيجية. ونفى المعلم في الوقت نفسه أنباء بشأن عقد اجتماعات سرية مع أي وفود أميركية، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية الحالية مكرسة لخدمة مصالح الكيان الإسرائيلي ولا تلتزم باتفاقات.

فرنسا.. الرئيس الأسد ربح الحرب

هذا واعترف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان خلال مقابلة مع "راديو فرنسا"، بأن الرئيس السوري بشار الأسد قد فاز بالحرب التي شنها على الارهاب، غير انه اكد على ضرورة ايجاد مخرج من خلال حل سياسي يدعمه وسطاء دوليون، قائلا: "علينا الإعتراف بأن الأسد قد فاز بالحرب لكنه لم يفز بالسلام، حسب تعبيره واصفا الوضع في إدلب بـ"المزعج".

واشار لو دريان إلى أن الاستقرار لن يعم دون حشد الإمكانات اللازمة له وإلى انه كان من الضرورى ان تسهم وزارة الخارجية ممثلة فى مركز الأزمات في تتفيذ العديد من المشروعات فى مجال نزع الألغام وتوصيل المياه و الكهرباء فى شمال شرق سوريا حيث تم تخصيص مبالغ مالية لدعم هذه المشروعات نظرا أن الانتصار على الإرهاب يتطلب تقديم المساعدة للمدنيين.

مع كتابة هذا المقال طرأ حدثان..

الاول وصول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى دمشق لإجراء محادثات مع المسؤولين السوريين، وذلك بعد زيارتها (دمشق) من قبل وزير الدفاع الإيراني الأسبوع الماضي الذي وقع مع نظيره السوري اتفاقا مشتركا للتعاون الدفاعي، ما يشير الى النفس الطويل والاستعداد التام لمواصلة كلا المسارين السياسي والميداني العسكري. 

الثاني تصريح وزير الخارجية الروسي بان "من المستحيل تحمل الوضع القائم في إدلب بسوريا إلى مالا نهاية".. ما يشير الى تلكؤ الحل السياسي لكثرة المطبات التي زرعتها الولايات المتحدة وأذنابها لتأخير الحل واطالة امد النزاع في سوريا.

هذه التطورات، اضافة الى تأكيد الرئيس السوري بشار الأسد "وكما جاء على لسان المعلم"، على أولوية تحرير إدلب سواء بالمصالحات أو بالعمل العسكري، تؤكد ان الورقة الرابحة هي بيد جبهة سوريا وحلفائها دون منازع، في وقت احترقت فيه كل اوراق اميركا وزعانفها، وان اتخاذ القرار الاخير سيتوقف على النقلات الاخيرة للطرف المقابل (الاميركي والكيان الاسرائيلي) الذي لم يعد لديه الكثير من المناورات لينجزها على ارض الواقع، وتيقن ان حل الميدان والقتال ليس في صالحه وخسائره ستتلاحق يوما بعد اخر ما لم يرضخ ويستسلم للامر الواقع مع تطور الاحداث المتسارعة في الشرق الاوسط.

قمة ما تخشاه هذه الجماعة المنهارة، الاقرار بالهزيمة وخسارتها كل ما تم بناؤه ارهابيا في المنطقة، وهو امر واقع لا مناص منه عليها الاعتراف به.

السيد ابو ايمان