احتجاجات البصرة.. اسبابها وتداعياتها

احتجاجات البصرة.. اسبابها وتداعياتها
السبت ٠٨ سبتمبر ٢٠١٨ - ١٢:١٩ بتوقيت غرينتش

أعلنت قيادة عمليات البصرة في جنوب العراق، حظر تجوال عام في المحافظة حتى إشعار آخر، فيما دخلت قوة عسكرية كبيرة تابعة للعمليات الخاصة إلى محافظة البصرة بهدف إحلال الأمن فيها، بعد أعمال شغب وتخريب شهدتها الجمعة على خلفية الاحتجاجات على تردي الخدمات العامة.

العالم – تقارير

انطلقت الشرارة الأولى للاحتجاجات، يوم الأحد 8 يوليو/ تموز 2018، في محافظة البصرة، عندما شارك مواطنون في وقفة احتجاجية للمطالبة بتوفير فرص العمل، أمام مقر إحدى الشركات النفطية العاملة في المنطقة، أسفرت عن مواجهة مع قوات الأمن، والتي أدت إلى مقتل أحد المحتجين وإصابة 4 آخرين. واتهم المتظاهرون السلطات المحلية بالفساد وتجاهل المطالب الشعبية وطالبوا الحكومة المركزية في بغداد بحزمة اصلاحات لتحسين الاوضاع في محافظتهم.

وأعلنت الحكومة العراقية، يوم السبت 14 يوليو، وضع قوات الأمن في حالة تأهب قصوى، بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات في الجنوب، فيما سعى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي إلى اتخاذ حزمة إصلاحات، عقب زيارته للبصرة، بحث خلالها تهدئة الاحتجاجات في البصرة وعدد من مدن الجنوب العراقي.

المشهد العراقي في ظل استمرار الاحتجاجات

في هذا السياق، شهدت مدينة البصرة الاسبوع الماضي وبالتزامن مع انعقاد اولى جلسات البرلمان العراقي الجديد في 3 سبتمبر / أيلول، احتجاجات غاضبة على أثر تسمم آلاف الأشخاص من جراء تلوث مياه الشرب، تحولت الى مواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوات الشرطة أسفرت عن مقتل 6 أشخاص و75 جريحا، ما دفع بالسلطات المحلية لفرض حظر التجوال في المدينة بعد ان اقتحم المحتجون جزءا من مقر المحافظة، واضرموا النيران فيه، وسط مطالبات بتحسين واقع الخدمات العامة وخصوصاً الماء والكهرباء.

وقال محللون سياسيون، إن هناك ارتباطا مباشرا بين الأحداث التي تشهدها هذه المحافظة، المتضررة بشكل كبير من الأزمة الاقتصادية ونقص الخدمات، وبين الحالة السياسية التي أدت إلى تأخر الاعلان عن الكتلة البرلمانية الاكبر تمهيدا لتسمية الحكومة القبلة.

فيما أشارت مصادر وتقارير إخبارية إلى أن دعوات مجهولة المصدر، على وسائل التواصل الاجتماعي، طالبت العراقيين بالتظاهر في مدن ومحافظات اخرى، لتوسيع نطاق الاحتجاجات.

ومن جهته إتهم رئيس مجلس أعيان البصرة محمد الزركاوي أحزاباً حاكمة بالضلوع في حرق المباني للضغط نحو تشكيل الحكومة المقبلة.

الاعتداء على مبنى القنصلية الايراينة في البصرة

وامس الجمعة، حين كان آلاف المحتجين يحتشدون في ساحة التظاهر في البصرة، توجهت مجموعة مجهولة الى مبنى القنصلية الايراينة لتقوم بأحراقه بعد محاصرتها واقتحامها، الامر الذي فسره المراقبون محاولة واضحة للنيل من العلاقات المتينة بين العراق وايران.

وأفاد المكتب الإعلامي للقنصلية الايرانية أنه "تم إجلاء جميع الموظفين والدبلوماسيين من المبنى قبل الاقتحام". وأضاف ان "واجب القنصلية كان تقديم الخدمات والتأشيرة وان ما حدث بعيد عن الاخلاق".

وسبق أن أضرم متظاهرون النيران في عدد من المباني الحكومية والمقار الحزبية ومكاتب قنوات عراقية في البصرة مساء الخميس خلال الاحتجاجات التي أدت مقتل اثنين من المتظاهرين فيما الغت القوات الأمنية حظر التجوال في البصرة.

وفي بيان أصدرته بعيد الاعتداء على القنصلية الايرانية، اعتبرت وزارة الخارجية العراقية، تعرض القنصلية للاعتداء بأنه يضر بمصالح العراق وعلاقاته مع دول العالم ولا يتصل بشعارات التظاهر، ودعت الحكومتين المركزية والمحلية إلى تعزيز حماية أمن البعثات الدبلوماسية في البصرة.

طهران تسلم سفير العراق رسالة احتجاج شديدة

وفي طهران استدعت وزارة الخارجية الايرانية مساء الجمعة السفير العراقي بطهران على خلفية الاعتداء على القنصلية الايرانية بالبصرة واضرام النار فيها، وابلغته احتجاج ايران الشديد لتقاعس القوات الامنية العراقية في الحفاظ على هذا المبني.

وقال المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي، انه اثر اضرام النار بمبني القنصلية الايرانية في البصرة من قبل بعض المدفوعين، فقد تم استدعاء السفير العراقي في طهران الى وزارة الخارجية مساء الجمعة وتم ابلاغه مذكرة احتجاج شديدة للحكومة العراقية لتقاعس القوات الامنية في الحفاظ على هذا المبني. وتم الطلب من السفير العراقي في اللقاء نقل احتجاج ايران الشديد الى حكومة بلاده والمبادرة سريعا للكشف عن هوية المتسببين واعتقالهم ومحاكمتهم.

العبادي يترأس اجتماعا أمنيا لبحث الوضع بالبصرة

وفي هذا الصدد، أصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أوامر بـ"تخويل القوات الأمنية بالتعامل بحزم مع أعمال الشغب التي رافقت التظاهرات وحماية المؤسسات العامة والخاصة (...) واتخاذ الإجراءات القانونية الشديدة"، بحسب بيان صادر عن قيادة العمليات المشتركة.

ودعا البيان أيضا المواطنين إلى "الابتعاد عن أي تجمع يستهدف التقرب من المؤسسات وعدم التجمع والتنقل بمجموعات من منطقة إلى أخرى والالتزام بالتوصيات الأمنية الاستثنائية".

وتتفاقم الأزمة الاجتماعية في البصرة مع اتساع نطاق الاحتجاجات ضد الفساد، في هذه المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط، فيما تشهد بغداد شللا سياسيا، فبعد أشهر عدة شهدت إعادة فرز لأصوات الانتخابات، لم يتمكن البرلمان الذي عقد الاثنين الماضي جلسته الافتتاحية من انتخاب رئيسه، وأرجأ الجلسة حتى 15 أيلول/سبتمبر.

ورغم ذلك، أعلن البرلمان الجمعة أنه سيعقد جلسة استثنائية اليوم السبت لمناقشة "المشاكل والحلول والتطورات الأخيرة" في البصرة.

وأشار بيان صادر عن مجلس النواب إلى أن الجلسة ستعقد بحضور رئيس الوزراء والوزراء المعنيين عند الساعة الواحدة من بعد ظهر السبت.

 وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أمهل مجلس النواب الخميس حتى الأحد المقبل لعقد جلسة استثنائية لحل الأزمة في البصرة.

 وخلّفت الاحتجاجات تسعة قتلى في صفوف المتظاهرين منذ الثلاثاء، بحسب مدير المفوضية العليا لحقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي.

وجاءت دعوة البرلمان بعد ساعات فقط من سقوط ثلاث قذائف هاون فجرا داخل المنطقة الخضراء المحصنة، التي تضمّ سفارات غربية عدة أكبرها سفارة الولايات المتحدة ومبانيَ حكومية منها البرلمان.

المرجعية الدينية تندد بالأداء الحكومي السيئ 

وخلال خطبة الجمعة في كربلاء، ندد ممثل المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، الشيخ عبد المهدي الكربلائي مرة أخرى بـ"الأداء السيئ لكبار المسؤولين وذوي المناصب الحساسة للحكومات المتعاقبة"، داعيا إلى "الضغط باتجاه أن تكون الحكومة الجديدة مختلفة عن سابقاتها".

ويزور ممثل آخر لآية الله السيستاني، الشيخ أحمد الصافي، البصرة منذ أيام عدة، وقد زار محطات ضخ المياه وعائلات ضحايا التظاهرات.

ولفت الشيخ الكربلائي إلى أن الصافي لاحظ خلال جولته "مدى التقصير الحكومي" في معالجة أزمة المياه إذ أنه "كان بالإمكان ببعض الجهد ومبالغ غير ظاهرة بالقياس لإمكانات الحكومة تخفيف الأزمة الى حد كبير"، معتبرا أن "عدم كفاءة بعض المسؤولين وعدم اهتمام البعض الآخر (...) أدّيا إلى تفاقم المشكلة".

تحالف الفتح يطالب العبادي بتقديم استقالته فورا

بدوره، طالب تحالف "الفتح" في العراق، الجمعة، رئيس الوزراء حيدر العبادي بتقديم استقالته "فورا" على خلفية الاحداث التي شهدتها البصرة، مهددا بالتوجه الى قبة البرلمان لإقالته وفق الاطر القانونية والدستورية، فيما اشار الى أن مجاميع مندسة تحركت بأجندات خارجية أمريكية وسعودية هي التي اعتدت على مؤسسات الدولة ومقار الاحزاب في المحافظة.

ويستنكر المتظاهرون إهمال الدولة وغياب الخدمات العامة الأساسية في هذه المنطقة الغنية بالنفط لكن بنيتها التحتية عاجزة تماما. وقد فقدت هذه الحركة التي عمّت جميع أنحاء جنوب البلاد وبغداد زخمها حين أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي إطلاق خطة طوارئ بمليارات الدولارات. لكن المتظاهرين يشعرون بقلق من عدم وفاء حكومة منتهية ولايتها بالوعود التي قطعتها، ما يدفع الى تواصل الاحتجاجات واتساع نطاقها خصوصا مع تواصل الأزمة التي تعيشها البصرة.