المشهد السوري الجديد وموازين القوى المتغيرة.. دائماً

المشهد السوري الجديد وموازين القوى المتغيرة.. دائماً
الإثنين ١٠ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

ثمة وضع بالغ الدقة والتعقيد في “البيئة الاستراتيجية الإقليمية”، ولكن دون حرب عسكرية تقدمت عليھا الحرب الاقتصادية، وحيث العقوبات الأميركية على إيران تشتد وتسير في مسار تصاعدي، تصاحبھا مشاريع صفقات وتسويات وتفاھمات أكثرھا ما زال “غير مكتمل وغير نھائي وينقصه الوضوح”، كتلك التي بدأت بين واشنطن وموسكو أو بين روسيا وكل من الكيان الإسرائيلي وتركيا.

العالم - مقالات وتحليلات

فلم تمر أيام على تصريحات مستشار “الأمن القومي” الأميركي جون بولتون، الذي دعا إيران إلى سحب كل قواتھا من سوريا، حتى وصل مؤخراً وفد عسكري إيراني رفيع المستوى برئاسة وزير الدفاع أمير حاتمي الى دمشق ووقع مع نظيره السوري على اتفاقية للتعاون العسكري والدفاعي.

يأتي ھذا التطور في سياق حملة إيرانية مضادة للحملة الأميركية المركزة على إيران والھادفة إلى إخراجھا من سوريا، حيث تمضي إدارة ترامب قدماً خفية في مساعٍ لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج (الفارسي) ومصر والأردن، بھدف التصدي للنفوذ الإيراني، على أمل أن يتم مناقشة هذا التحالف الذي أُطلق عليه موقتاً اسم “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” خلال قمة تقرر مبدئياً أن تُعقد في واشنطن في 12 و 13 تشرين الأول.

يقول المحلل الروسي قسطنطين ستروغونوف إن المفاوضات بين موسكو وواشنطن و”تل أبيب” حالت دون اقتراب طھران من الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة. وتسعى واشنطن في ھذه المرحلة من الحرب السورية إلى منع إنشاء “حزام” يمتد، من طھران إلى حدود فلسطين المحتلة مع لبنان وسوريا وصولاً إلى المتوسط.

فالقلق الإسرائيلي من الاتفاق الإيراني – السوري مردّه الى سببين رئيسيين:

– الأول: يتعلق بمسألة الوجود الإيراني العسكري في سوريا الذي يريد الكيان الاسرائيلي إنھاءه، في حين يأتي ھذا الاتفاق لتشريعه وتثبيته مع إعادة صياغة الإطار الذين يحكم الوجود الإيراني والدعم الذي يقدمه للدولة السورية.

– الثاني: يتعلق بإعادة بناء القدرات الدفاعية للجيش السوري الذي كان “الكيان إسرائيلي” قد راھن على خروجه من الحرب مدمراً ومنھك القوى، وإذا به يتعافى ويصبح جيشا مقاتلا ويستيعد قدراته العسكرية وسيطرته على 80% من الأرض السورية، ويتحضر لخوض آخر معاركه في إدلب.

– الثالث: يتصل بالمفاعيل السياسية للاتفاق الإيراني – السوري الذي يشكل رداً على التھديدات الإسرائيلية، وتحدياً للسياسة الأميركية الھادفة الى إخضاع إيران وحملھا على تغيير سياستھا الإقليمية، كما أنه يشكل خطوة مضادة ومعاكسة للمسار الإسرائيلي الأميركي باتجاه إخراج إيران من سوريا.

معلومات أمنية رفيعة صادرة من “تل أبيب” تشير الى أن “لدى الكيان الاسرائيلي ما يكفي من معلومات تثير القلق من الوضع في سوريا اليوم، وأيضاً في المستقبل. فالخطر يأتي أولاً من الوجود الإيراني القوي، وثانياً من تبعات سياسة أوروبا في “عناق” نظام بشار الأسد. ولن يستغرب أحد إذا أدخلت الصين، التي تبحث عن تأثير، يدھا إلى جيبھا لھذا الغرض. فيحظى عندھا الجيش بقيادة الأسد على حصة الأسد في الأموال المستثمرة”.

لذا، جاءت التھديدات الإسرائيلية المتزايدة للرئيس الأسد كي تقول عملياً إن الكيان الاسرائيلي لن يقف على الحياد، وبدأت بحملة لحض الأوروبيين على عدم الاستثمار في سوريا، إلا إذا ضمنت خروج إيران ومراقبة ھذه الاستثمارات بحيث تصل إلى ھدفھا المدني.

في السياق نفسه، أتى التقارب الفرنسي – الروسي، فهناك أكثر من إشارة تقارب بين باريس وموسكو بشأن الملف السوري تعكس رغبة واضحة على أعلى المستويات لجعل الطرفين يعملان معاً. فباريس لا ترى اليوم وسيلة للحضور والتأثير في ھذا الملف إلا عبر موسكو التي تمسك بيديھا الكثير من الأوراق بعد التغييرات الميدانية الجذرية، وتمكين النظام من إعادة السيطرة على المناطق التي كانت بأيدي المعارضة، وآخرھا محافظتا درعا والقنيطرة.

في المقابل، هناك تزايد بالمخاوف التركية التي أخذت تتصاعد بعدما ظھرت مؤشرات على تنسيق روسي – أميركي في سوريا عقب قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية ھلسنكي.

ويرى بعض المحللين أن أنقرة، ستضطر إلى التوجه إلى بدائل لواشنطن. وبالتالي، سيكون التحرك باتجاه التنسيق مع طھران وأطراف أخرى مثل فرنسا وألمانيا، إضافة إلى الحفاظ على قوة الدفع الحالية في العلاقات مع موسكو. لكن حتى ھذه العلاقات، التي تحسّنت مع موسكو بشكل كبير في العامين الأخيرين، باتت ھي الأخرى تحت تأثير مستجدات سلبية منھا اللقاءات الروسية – الإسرائيلية والروسية – الإيرانية قبل قمة ھلسنكي، واحتمالات وجود صفقة تفرض على تركيا في الشمال الشرقي والغربي من سوريا، بما يتعارض مع حسابات أنقرة وتفاھماتھا مع واشنطن وموسكو بشأن الملف السوري.

وتثير التطورات الأخيرة في سوريا، سواء على الصعيد الميداني أو صعيد التحركات السياسية والدبلوماسية المنصبة على الملف السوري، قلق تركيا بشأن ما حققت في شمال سوريا، وإمكانية إجبارھا على مغادرة مناطق تمركزھا ھناك… أو فرض تسويات تجعلھا تقبل بأقل من طموحاتھا في المنطقة.

في الخلاصة، إن الأزمة السورية في مراحلها الأخيرة، وهناك فصول أخرى لم تغلق بعد، ومنھا شكل وحجم الحضور الإيراني في سوريا ومستقبل العلاقات بين دمشق والأكراد السوريين. فھناك تفاھمات روسية – أميركية طرأت خلال قمة ھلسنكي الأخيرة بشأن الخطوط العريضة لملف تسوية الأزمة السورية، وذلك في ظل خريطة طريق جديدة لتشكيل توازنات إقليمية جديدة، مع وجود دور فاعل لإيران في المعادلة السورية، وملامح تفاهم روسي – ايراني تركي في المنطقة.

سركيس ابو زيد - العهد