معارك طرابلس... ومستقبل غامض للعملية السياسية في ليبيا

معارك طرابلس... ومستقبل غامض للعملية السياسية في ليبيا
الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٣:٣١ بتوقيت غرينتش

سقطت صواريخ ليل الثلاثاء-الأربعاء في محيط المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية طرابلس، ما يؤشر الى استمرار دوامة العنف بعد أسبوع من القتال الدامي بين فصائل مسلحة وهجوم نفذه تنظيم "داعش" الوهابي، ما يزيد من صعوبة حياة سكان العاصمة.

العالمتقارير

قال مصدر ملاحي إن القصف استدعى تحويل مسار طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الليبية كانت تقوم برحلة بين الاسكندرية وطرابلس إلى مطار مصراتة، المدينة الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس. وذلك بعد المواجهات الدامية التي خلفت 63 قتيلاً على الأقل في أواخر آب/أغسطس ومطلع أيلول/سبتمبر في جنوب العاصمة الليبية طرابلس.

ومطار معيتيقة الدولي هو الوحيد العامل في شرق طرابلس وقد أغلق من 31 آب/أغسطس ولغاية 7 أيلول/ سبتمبر بسبب معارك خلّفت 63 قتيلا على الاقل قرب العاصمة الليبية.

ومعيتيقة قاعدة عسكرية سابقة استخدمت للطيران المدني كبديل عن مطار طرابلس الدولي في جنوب العاصمة الذي لحقت به اضرار كبيرة في 2014 بسبب معارك.

هدنة هشة بطرابلس... وتعليق الرحلات من مطار معيتيقة

ولا تزال الهدنة بين الفصائل المسلحة التي أبرمت في 4 أيلول/ سبتمبر برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، هشة. وقالت بعثة الأمم المتحدة الأربعاء في بيان إن الاتفاق ينص على "إجراءات جذرية" لإعادة الأمن إلى طرابلس، يفترض أن تدخل حيز التنفيذ الأربعاء. إلا أنها لم تذكر أي تفاصيل إضافية.

واتفاق وقف إطلاق النار محترم بشكل عام، لكن سقوط ثلاثة صواريخ على الأقل في محيط مطار معيتيقة من دون إحداث إصابات، أدى إلى تعليق الرحلات مجددا. 

وشهدت المدينة التي يقطنها أكثر من مليون شخص بين 27 آب/ أغسطس ولأيام، قتالا عنيفا بين فصائل متناحرة لاسيما في أحيائها الجنوبية حيث قتل ما لا يقل عن 63 شخصا وجرح 159 آخرون، وفق مصادر رسمية.

وتضررت شبكة الكهرباء ما أدى إلى انقطاع التيار لساعات أطول - تصل إلى 24 ساعة أحيانا - وانقطاع المياه - لا يزال قائما منذ أسبوع - واضطرابات في وسائل الاتصال لدى السكان الذي يعانون من حر الصيف أساسا.

وفي ما يعكس حالة الفوضى في جميع أنحاء البلاد، ذكرت مؤسسة الكهرباء أن مجموعات مسلحة تمنعها من ترشيد الكهرباء في غرب ليبيا، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة في العاصمة والجنوب.

ليبيا تعيش حالة فوضى بوجود فصائل متناحرة وداعش

ونفذ تنظيم "داعش"، الاثنين هجوما على مقر مؤسسة النفط الوطنية في وسط المدينة أسفر عن مقتل شخصين وإصابة عدد من الأشخاص بجروح بين موظفيها. واستهدف هذا الهجوم قطاعا يؤمن لليبيا أكثر من 95 بالمئة من مواردها.

واستغل داعش الفوضى في ليبيا ورسخ وجوده في سرت إلى الشرق من طرابلس في عام 2015. وبعد إخراجه منها في عام 2016، لا يزال التنظيم ناشطاً في ليبيا.

وبعد سبع سنوات من سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، ما زالت ليبيا تعيش في الفوضى. ويشيع وجود عدد لا حصر له من الجماعات الارهابية والفصائل المسلحة التي تغير ولاءها وفقاً لمصالحها، مناخاً من انعدام الأمن.

الغرب ليس مهتما وحكومتان متنافستان تتنازعان السلطة

ولا تزال ليبيا أرضاً خارجة عن القانون، بوجود فصائل مسلحة متناحرة تخوض معارك في شوارع طرابلس، وباحتياج أكثر من مليون شخص إلى المساعدة. لكن الغرب الذي ينهج سياسة تقوم على "التدخل الليبرالي" ليس مهتما بالكارثة التي صنعها.

والحقيقة أنه من الصعب حقاً مواكبة من يقاتل من. لدى ليبيا حكومتان متنافسان تتنازعان السلطة (الأولى حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا ومقرها طرابلس ويديرها فايز السراج، والثانية حكومة موازية في شرق البلاد يدعمها "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر)، لكنهما لا تسيطران حتى على أغلبية البلاد. ولا يوجد هناك "حكم القانون"، فقط حكم البندقية.

انحدار ليبيا من بلد صاحب أعلى مؤشر للتنمية البشرية في أفريقيا كلها قبل عشر سنوات فقط، إلى دولة فاشلة ومجزأة وخطيرة للغاية، أمر لا يمكن تصديقه. في العام الماضي، ذكرت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة أن أسواق الرقيق عادت الى البلاد. كما كان للانهيار الاقتصادي والاجتماعي أثرا مدمرا على حياة الليبيين العاديين.

عدد كبير من المواطنين قد غادروا ليبيا أو بصدد المغادرة

لنأخذ الرعاية الصحية كمثال.. في عام  2017، خلصت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة، إلى أن 17 من أصل 97 مستشفى باتت قيد الإغلاق، وأن أربعة مستشفيات فقط تعمل بما يتراوح بين 75-80٪ من طاقتها، وأن  أكثر من 20٪ من مرافق الرعاية الصحية الأولية مغلقة فيما الباقي غير جاهزة بشكل جيد لتقديم خدمات.

في مايو 2016، أعربت منظمة الصحة العالمية أيضاً عن "قلق كبير" إزاء وفاة 12 رضيعا في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مركز سبها الطبي، جنوب ليبيا، وأن "الوفيات حدثت نتيجة عدوى بكتيرية وعدم وجود طاقم صحي متخصص لتوفير الرعاية الطبية".

النظام التعليمي هو أيضا في حالة انهيار أو شبه انهيار.  في عام 2016، أفيد أن بداية السنة الدراسية قد تأجلت بسبب "نقص الكتب وانعدام الأمن والعديد من العوامل الأخرى".

ولوحظ أن السنة الدراسية الليبية لم تعد منتظمة منذ سقوط القذافي. هذا العام، قالت اليونيسف إن 489 مدرسة تأثرت بالنزاع وأن حوالي 26 ألف طالب اضطروا لتغيير المدارس بسبب الإغلاق.

كما تقول اليونيسف إن 378 ألف طفل في ليبيا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن 268 ألف آخرين في حاجة إلى مياه آمنة، ومرافق صحية ونظافة، و300 ألف في حاجة إلى التعليم بشكل طارىء. وإجمالا، فإن 1.1 مليون شخص في ليبيا بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

ونظراً للحالة الوخيمة، لا عجب أن يكون عدد كبير من الليبيين قد غادروا أو بصدد المغادرة. في عام 2014، أفادت التقارير أن ما بين 600 ألف و1 مليون قد هربوا إلى تونس.

وإذا أضفنا أولئك الذين ذهبوا إلى مصر وأماكن أخرى، فمن المرجح أن يتجاوز الرقم 2 مليون، وهو أمر مذهل عندما تعتبر أن عدد سكان ليبيا عام 2011 كان حوالي 6 ملايين.

خطة الامم المتحدة للحل في ليبيا باتت دون جدوى 

قبل زهاء سنة من الآن طرح المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة خطة أممية للحل في ليبيا، خلال جلسة للأمم المتحدة بشأن الملف الليبي، والتي اعتمدت على ثلاث مراحل تبدأ بتعديل الاتفاق السياسي الذي لم ينجح في تحقيق أهدافه التي وقع من أجلها في منطقة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015.

وتعتمد المرحلة الأولى على المادة 12 من الاتفاق السياسي، فيما تتطلب المرحلة الثانية عمل مجلس النواب وهيئة صياغة مشروع الدستور بصورة متوازية، وإيلاء مجلس النواب الأولوية لإصدار تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية، وستكون الفرصة متاحة أمام هيئة صياغة الدستور لمراجعة وتنقيح عملها، وفتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم، وأولئك الذين همشوا أنفسهم، وتلك الأطراف التي تحجم عن الانضمام إلى العملية السياسية.

وتختتم الخطة بمرحلتها الثالثة والتي تتم خلال سنة تصل فيها العملية السياسية إلى مراحلها الأخيرة، وتشمل إجراء استفتاء للاعتماد الدستوري، ويلي ذلك وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، ويكون نهاية المرحلة الانتقالية، لتصل إلى الوضع النهائي والدائم.

تباين في المواقف الغربية بشأن العملية السياسية 

في الوقت الذي بينت الاشتباكات الأخيرة في العاصمة طرابلس اصطفافات محلية وراء المجموعات المتصارعة على اختلاف مشاربها، أظهرت أيضا تباينا وتبادل اتهامات في الأطراف الدولية متضاربة المصالح في ليبيا على الرغم من اشتراك أربع من أهم الدول في إصدار بيان موحد حول الأحداث، تمثلت في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، إلا أن الأخيرتين تباينت أدوارهم على أرض الواقع تماشيا مع وجهتي نظرهما في العملية السياسية، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جديد تصميمه على الدفع قدمًا بالاتفاق الذي أبرم بين مختلف الأطراف الليبية في مايو الماضي في باريس، والذي ينصّ ضمن نصوصه الرئيسية على إجراء انتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام الجاري.

ويتفق العديد من المحللين والمراقبين بأن العملية السياسية في ليبيا بما في ذلك الخطة الأممية غير واضحة الملامح، ولم تضع النقاط التنفيذية والإجرائية في تهيأة الظروف الموضوعية للنجاح، ويبقى نجاحها رهين رضى المجموعات المسلحة عن نتائجها التي ستفضي إليها إذا ما تمت، هذا دون إهمال إنضباطها ومساهمتها في استتباب الأمن لإجراء العملية الانتخابية في ظروف تسمح للمقترعين بالأدلاء بأصواتهم بحرية بعيدا عن أي ضغوطات أو توجيه.

ومن خلال هذه المعطيات التي قد لا تكون واضحة الملامح، من الصعوبة الاعتماد عليها للتنبؤ بمستقبل العملية السياسية يبقى مستقبل البلاد بأسرها رهن توجهات المجموعات المسلحة، والتجاذبات السياسية المحلية، وتضارب المصالح للدول الكبرى والإقليمية والصغرى أيضا.

من جانب آخر، تهديدٌ صريحٌ بصمَ عليه اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الذي توعَّدَ الجزائر بالدخول معها في حربٍ بسبب "استغلالها الأوضاع الأمنية في ليبيا" وتجاوز جنود جزائريين الحدود الليبية؛ وهي تصريحات تأتي في وقت اختارتْ فيه الجزائر السيْرَ مع تيار ريح دولية تميلُ إلى إقرار الحل السياسي دون تدخلٍ خارجيٍّ في المنطقة.

وكان حفتر قد اتهم، خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا، الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، مشيراً إلى أنه يراقب كل تحرك في التراب الليبي. وزعم أنه أوفد مبعوثاً عنه إلى السلطات الجزائرية لإبلاغها احتجاجه على ذلك، قائلاً إن السلطات الجزائرية اعتبرت ذلك فعلاً معزولاً ولن يتكرر.

ونقلت وسائل إعلام جزائرية بأنَّ تصريحات حفتر "تشكل تحديا لجهود الوساطة التي تقوم بها الجزائر بين فرقاء الأزمة الليبية التي طال أمدها، حيث سعت الجزائر منذ اندلاع الأزمة في ليبيا إلى بذل جهود لحلها.