أين المعارضات السورية مما يجري؟

أين المعارضات السورية مما يجري؟
الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٣٤ بتوقيت غرينتش

منذ بداية الحرب على سورية دولة وشعباً، كانت الرواية المتداولة للأحداث في الصحافة الغربية والخليجية، غير الواقع وتقوم على أن هناك معارضة سياسية سورية تواجه نظاماً ديكتاتورياً قمعياً متوحشاً حسب الكلمات التي روجوها، والمصطلحات التي أطلقوها.

العالم - مقالات وتحليلات 

كُنا نتابع في كل يوم على شاشات التلفزة المسبقة الدفع، شخصيات بلغ عددها المئات لإيهامنا وإيهام الرأي العام العالمي أن حجم المعارضة في سورية يكاد يكون أغلبية مطلقة، وأن الرئيس الأسد متمسك بكرسي الرئاسة فقط لأنه يريد أن يبقى ضد إرادة شعبه.

بلغ الأمر بأطراف وداعمي تلك الحرب، أن أتوا بأشخاص لا يعرف عنهم أحد شيئاً، وحتى زوجاتهم لا تؤيدهم، وشكلوا لنا مجالس وجبهات وائتلافات، لا يستطيع الإنسان حفظ أسمائها وتصنيفاتها واتجاهاتها والأهم مصادر تمويلها وارتزاقها.

مع مرور الوقت وجدت الجهات الداعمة لها أن هؤلاء ليسوا إلا إمعات لا قيمة، ولا وزن لها، حتى اضطر الأمر بالأب الروحي لهم روبيرت فورد أن يستخدم معهم كلمات نابية، ومن ثم سقطت من أيديهم ورقة «المعارضة السياسية»، وبدأت المجالس والائتلافات التي شكلوها تتساقط وتهوي كورق شجر الخريف، من دون أن يتأسف أحد عليها، وهم الذين كانوا يتنقلون من شاشة إلى أخرى يطالبون ويدعون للديمقراطية والحرية، وهم أتباع للمال وأجهزة المخابرات الصغيرة منها والكبيرة.

شكلت الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران 2014 أول صفعة قوية للرواية الغربية المتداولة، وآنذاك صمت الجميع بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري الذي كان في بيروت يوم تدفق السوريون إلى مبنى السفارة السورية في لبنان، واصطفوا كيلومترات للإدلاء بأصواتهم في تلك الانتخابات ولم يكن أكثر المتفائلين في تلك الفترة يتوقع أن يرى هذا المشهد المذهل والمفاجئ والصاعق لأن جون كيري تلعثم آنذاك عندما طلب منه أن يعلق على ذلك الحدث!

كل ذلك نعرفه جميعاً وتابعناه، ولكن السؤال الآن: أين هؤلاء المعارضون السياسيون مما يجري في سورية، وعليها؟ وهل سمع أي منا كلمة منهم، أو تعليقاً على التهديدات الأميركية الغربية أو مقترحاً لكيفية التخلص من نفايات الإرهاب والقاعدة والفكر التكفيري؟ وكيف يمكن لهم بـ«صدورهم العارية» أن يساعدونا في مواجهة هذا الإرهاب الذي ضرب سورية بدعم غربي خليجي إسرائيلي، وبتمويل مفتوح من خزائن النفط والغاز؟

هل سمعنا تعليقاً واحداً منهم على ما كتبته إحدى الصحف الأميركية قبل أيام عن دعم "إسرائيل" للمجموعات المسلحة في الجنوب السوري، أو تعليقاً آخر عن ترحيل مجرمي «الخوذ البيضاء» بأمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعبر "إسرائيل" إلى الشمال السوري، وإلى دول ليستقروا بها؟

هل خرسوا أمام موضوع مسرحيات الكيميائي التي أصبحت فضيحة العصر، ولم ينطقوا بكلمة ولا بحرف، معارضة صماء خرساء تنتظر نتائج الكبش الكبير لتعرف كيف سيتم الاستفادة منها كواجهة غربية في مستقبل سورية.

الواضح تماماً أننا أمام معارضات استخدمت في المرحلة الأولى من الحرب كتغطية لإخفاء الدور القذر للاعبين الحقيقيين، الولايات المتحدة وأتباعها، وقد قبلوا هذا الدور الأكثر قذارة من اللاعبين الحقيقيين لأنه يفترض بهم أنهم على الأقل أكلوا وشربوا في هذا الوطن، ولكنهم توهموا كما أسيادهم أن سورية ستسقط سريعاً من دون أن يدركوا أو يقرؤوا التاريخ والمعادلات الإقليمية والدولية وحساسية هذا البلد في هذه المعادلات ليظهروا كأحجار شطرنج تحرك على الرقعة، وترمى خارجها بمجرد عدم قدرتها على الدفاع عن الملك أي المشروع هنا.

ما حصل ويحصل يؤكد بوضوح شديد أن الذين قبلوا أن يكونوا في محور الحرب على بلدهم هم عملاء صغار وليسوا معارضة سياسية بالمعنى الدقيق للكلمة، فالمعارضة التي تحتاج لمئات المليارات من الدولارات، وكل الإعلام العالمي والعربي، وكل مراكز الدراسات والبحوث، وآلاف مقاتلي الإجرام الدولي المتأسلم من أكثر من 80 جنسية في العالم، وإلى كل هذا الدعم الهائل هي ليست معارضة، وإنما كتلة عملاء صغار هم الآن في مزابل التاريخ.

في كل مقالاتي السابقة في «الوطن» كنت أميز دائماً بين المعارضة السياسية الوطنية المنتمية لقضايا شعبها وأمتها وبين العملاء الصغار، وكنت أشيد دائماً بهؤلاء المعارضين الوطنيين، ودورهم المهم، على الرغم من قلة عددهم، لأنه للأسف تحولت المعارضة إلى «مهنة من لا مهنة له» وإلى عمل للمتسولين الصغار والكبار، ما أدى إلى ارتباط هذا المصطلح بالعمالة للأجنبي.

هناك نقطة أخرى مهمة حين الحديث عن المعارضات السياسية وهو أن التيارات السياسية الكثيرة في سورية كانت معارضتها إما مطلبية، وإما قابلة للحوار، باستثناء تيار واحد وهو «جماعة الإخوان المسلمين» الذين يطلقون موجة إرهاب كل 10-15 عاماً، فلقد عملوا على ذلك في الستينيات ثم في السبعينيات والثمانينيات، وآخر موجة فاشية هي الموجة التي بدأت عام 2011، وخطورة «الإخوان» أنهم ليسوا حزباً وطنياً بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما جزء من منظمة عالمية ذات ارتباط مشبوه، إضافة للطرح المذهبي الطائفي المرفوض سورياً، ولذلك فإن انتشار «الإخوان» تاريخياً في الجغرافيا السورية كان حيث الجهل والتخلف، والمجتمعات المغلقة، كما أنهم حقيقة هم القوة الحقيقية التي كانت تتحرك على الأرض وتقتل في كل مكان تحت أسماء مختلفة، وهي الأم الحقيقية لكل حركات التطرف والتكفير التي فرختها من لدنها.

ومن هنا فإن كل الواجهات اليسارية والليبرالية التي انضمت لما يسمى «معارضات سورية» كانت مجرد ديكور تحت إبط «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يمتلكون المال، وهم أسس المشروع الأميركي في المنطقة عامة وفي سورية خاصة.

«الإخوان المسلمون» يقودون جمهورهم الضحل والمتخلف والحاقد للمرة الثالثة إلى هزيمة مدوية لأنهم لم يقرؤوا تاريخ سورية، ولم يفهموا مجتمعها وتنوعه، ولم يدركوا أن السوريين لا يمكن أن يقبلوا هذا الفكر المتخلف الذي يتاجر بالدين والله في بازار السياسة، ويمتهن القتل والإجرام والعمالة طريقاً للوصول إلى الكرسي.

لذلك لا نستغرب صمت «المعارضات السورية» لأن كل الأنماط التي شكلت خارج سورية يسيطر عليها «الإخوان»، وهؤلاء مستعدون للتحالف مع الشيطان كما قالوا هم، من أجل إسقاط النظام السياسي الوطني في سورية، وهذا حقيقة هو ما يجري استخدامه ضدنا طوال سبع سنوات.

لن تسمعوا صوتاً للمعارضات السورية سوى صوت احتفالها بأي عدوان يشن على بلدها وشعبها، وهؤلاء مهما تواضعنا في التوصيف تجاههم، أنا آسف أن أسميهم «فاشيي» هذا الزمان، وعملاء صغاراً.

 بسام أبو عبد الله / الوطن