"حزب الله" لا يكترث بالمحكمة... ويصفّق للحريري؟!

السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٤٦ بتوقيت غرينتش

لم يغيّر "​حزب الله​" هذا الأسبوع، تزامناً مع مرافعات الادعاء في ​المحكمة الدولية الخاصة بلبنان​، عادة دأب عليها منذ بدء توجيه أصابع الاتهام إليه بالتورط في جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق ​رفيق الحريري​ قبل سنوات.

العالم - مقالات

ومع أنّ سياسة "عدم التعليق" سرت على تصريحات بعض السياسيين والإعلاميين التي رافقت المرافعات، ومنها كلام رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ من أمام قوس المحكمة، ثمّة في الدوائر المقرّبة من الحزب من يقول إنّ مواقف الأخير أكثر من إيجابية، ويُبنى عليها...

لا مفاجآت...

بعد سنوات من الركود والجمود، عادت الحياة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من خلال جلسات المرافعات الختامية التي انطلقت هذا الأسبوع، علماً أنّه وبخلاف ما يعتقد الكثيرون، فإنّ هذه الجلسات ليست النهاية، إذ يفترض أن تتلوها مرحلة من المذاكرات يُتوقّع أن تستمرّ أشهراً عدّة، قبل إصدار حكمٍ سيكون بدوره قابلاً للطعن والاستئناف، وفق النظام الأساسي للمحكمة.

وبعدما اعتبر كثيرون أنّ دور المحكمة انتهى خصوصاً أنّها فقدت البريق الذي رافقها عند إنشائها، أعادت جلسات المرافعات شيئاً من هذا البريق وهذه الهيبة، خصوصاً من خلال الضجة التي رافقتها، في الداخل والخارج، وذهاب البعض لحدّ الحديث عن "مفاجآت" كُشِف النقاب عنها، أبرزها حديث الادعاء للمرّة الأولى عن دورٍ للمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله"، فضلاً عن الكلام السياسي الذي طبع اليوم الأول من الجلسات، عندما أعيد إدخال ​النظام السوري​ في صلب "مؤامرة" اغتيال الحريري.

لكن بموازاة هذه الضجة التي اعتبرها البعض "مفتعلة"، كان لافتاً التزام "حزب الله" الصمت المُطبَق، ورفض نوابه وقيادييه التعليق على مضمون الجلسات، انسجاماً مع اعتباره السابق أنّ المحكمة غير موجودة، ولا أساس لها من الأصل، وإن كان البعض يرجّح أن يصدر تعليق عن الأمين العام للحزب خلال خطابيه المنتظرين في ذكرى عاشوراء، الأربعاء والخميس المقبلين. وما لا يقوله الحزب يقوله بعض العارفين بأدبيّاته أو المقرّبين منه، ممّن يعتبرون أنّه بخلاف الرائج، لم تحمل المرافعات أيّ مفاجآت، بل أيّ جديد يُذكَر، كونها أتت متناغمة مع المسار العام الذي انتهجته منذ إقرارها، وبشكلٍ أوضح منذ "انقلاب" الاتهام بين ليلة وضحاها من ضفة النظام السوري إلى "حزب الله".

ولأنّ الحزب سبق أن صنّف المحكمة بوصفها "أداة سياسية" في خدمة مشروع محدّد، هو المشروع الأميركي-الإسرائيلي، ثمّة في محيط الحزب من يربط محاولات إعادة إحيائها اليوم بالظروف السياسية والعسكرية التي تصبّ في صالح المحور الذي ينتمي إليه، خصوصاً في ضوء التطورات على الساحة السوريّة، والمتغيّرات التي تمهّد لها على صعيد المنطقة ككلّ، مع تصاعد الحديث عن بدء العدّ العكسي للمعركة الأخيرة في ​الحرب السورية​، أي معركة إدلب، ما يوجب ضرب "المحور" من مكانٍ آخر يمكن أن يكون المحكمة، علماً أنّ ثمّة في المقابل من يردّ على هذه "الفرضية" بالقول إنّ ما يحصل اليوم يندرج في إطار الإجراءات الطبيعية للمحكمة، وفق نظامها الأساسي، وبالتالي فهو لم يأتِ من لا شيء حتى تُنسَج مثل هذه الافتراضات.

رجل دولة؟

عموماً، وبمعزلٍ عن كلّ الافتراضات والتحليلات، والتكهّنات والتفسيرات، يبقى الأكيد أنّ المحكمة ماضية في اتهام أفراد في "حزب الله" بالتورط في جريمة اغتيال الحريري، بالاستناد إلى أدلة تصفها بـ"الدامغة"، وأنّ الحزب في المقابل ماضٍ بسياسة تجاهلها وعدم الاعتراف بها، واعتبارها أداة في المشروع المناهض له، ساخراً في الوقت نفسه من الأدلة "الدامغة" التي تتمحور جميعها حول الاتّصالات، التي يمكن التلاعب بها.

وانطلاقاً من ذلك، فإنّ الحزب المتجاهل للمحكمة وغير المكترث بما يصدر عنها كما يقول جهاراً، رفض التعليق على مداولاتها وكلّ ما أحاط بها من كلام، مكتفياً برسالة "عدم اللعب بالنار" التي كان أمينه العام ​السيد حسن نصر الله​ وجّهها للمراهنين عليها قبل فترة. لكن بموازاة ذلك، تشير معطيات كثيرة إلى "تقديره" لمواقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يبدو أنّ الحزب "يحيّده" عن مسألة الرهانات وما شاكلها، خصوصاً أنّ مصلحته الشخصية تقضي بالإسراع بتأليف الحكومة، بمعزلٍ عن ظروفه التي تفرضها علاقته بمرجعيته الإقليمية.

فعلى الرغم من أنّ الحريري جدّد من أمام المحكمة تكرار "ثقته" بها وبمسارها ومهنيتها وما إلى ذلك، وكرّر الكلام عن أنّ قتلة والده "سيدفعون الثمن" عاجلاً أم آجلاً، إلا أنّه أرفق هذا الكلام الوجداني إلى حدّ بعيد، بكلام آخر يحمل من الواقعية السياسية ما يحمل، خصوصاً حين تحدّث عن ضرورة وضع العواطف جانباً، مجدّداً حرصه على التضامن الوطني، وذلك حين سئل تحديداً عن إمكان اتهام "حزب الله" بالجريمة، وهو ما يقول كثيرون إنّه لاقى صدى إيجابياً في أوساط الحزب، خصوصاً أنّ من شأنه ضرب "المخطط" المرسوم، والساعي إلى "فتنة" في الداخل.

وإذا كان الحزب يعتبر أنّ مواقف الحريري نابعة من مصلحته أصلاً، هو الذي بات يدرك أنّ "العداوة" مع الحزب لا تخدمه، في ضوء التجربة، وأنّ اعتراف كلٍّ منهما بحجم الآخر أساسيّ على أكثر من صعيد، وذلك على الرغم من أنّ الخلاف بين الجانبين يبقى كبيراً، خصوصاً في شقه الاستراتيجي، فإنّ هناك من يقول إنّ "​التيار الوطني الحر​"، حليف الحزب، تولى إرسال الرسائل الإيجابية إلى الحريري، وصولاً لحدّ وصفه بـ"رجل الدولة"، وتشبيه كلامه أمام المحكمة بكلام رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ أمام البرلمان الأوروبي في ​ستراسبورغ​، متجاوزاً بذلك كلّ الاختلافات التي نشأت بين الجانبين على خلفية ملفّ تأليف الحكومة.

الحكومة قبل المحكمة

قد لا يكون ممكناً القول إنّ مفعول المحكمة انتهى عملياً، خصوصاً أنّ الانقسام اللبناني حولها مستمرّ، بين من لا يزال مؤمناً بأنّها ستوصل إلى الحقيقة الكاملة التي لا تحتمل اللبس، ومن يعتبرها في المقابل أداة سياسية غير بريئة لا في الشكل ولا في المضمون ولا في الأجندات.

لكنّ الأكيد اليوم، أنّ ما قدّمته المحكمة هذا الأسبوع لا يفترض أن يكون مادة خلافية جديدة، والأكيد أكثر أنّ ربط الحكومة بالمحكمة ليس وارداً، لأنّ حكم المحكمة لن يصدر قبل منتصف العام المقبل وفق ما تشير التقديرات، كما أنّ هذا الحكم سيكون قابلاً للاستئناف.

لا شكّ أنّه من المفيد الاستعداد من اليوم عبر دفن أيّ "لغم" للتفجير من خلال المحكمة، لكن من المفيد أكثر عدم التلهّي بالمحكمة أو بغيرها لتأخير الحكومة، التي تحتاجها البلاد بشكلٍ سريع، ودون أيّ تباطؤ أو مماطلة...

حسن عاصي / النشرة