سوريا.. حدود الدم..

سوريا.. حدود الدم..
الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٢:٥٩ بتوقيت غرينتش

من ينظر إلى الخريطة السورية منذ أربعة أعوام إلى الآن يرى أن كل شيء قد تغير على الأرض، ولكن لم يتغير شيء في الواقع.

العالم  - مقالات وتحلیلات

من المتغيرات أن "داعش" قد انتهت كقوة مؤثرة على الأرض، والدولة السورية باتت تسيطر على نحو 70 بالمئة من مساحة البلاد، وأهم المحافظات تحت سيطرتها، وقامت بتامين العاصمة دمشق وإعادة أهم المنافذ الحدودية إلى سلطتها الشرعية سواء في الجنوب أو في الشرق والغرب.

ولكن كل هذا لا يعني انتهاء الدم في سوريا، خصوصا مع وجود المناطق الشمالية والشرقية والغربية في حالة حرب مع دمشق وهو ما يجعل البلاد كلها في حالة توتر.

في عام 2014 بدت نوعا ما تتحقق نبوءة الكولونيل الأميركي رالف بيترز، ألا وهي "حدود الدم". هذه الدراسة دعت لإعادة تقسيم الدول العربية والشرق أوسطية مرة أخرى، ولكن يجب أن تكون الدول الجديدة مبنية على أساس عرقي وطائفي، وأن تبقى بحالة نزاع دائم، وفي ذلك العام وصلت "داعش" إلى أقصى توسع لها من الموصل شرقا حتى حمص ولبنان غربا، وصولا إلى حلب والحدود التركية شمالا، والحدود الأردنية غربا، وفي الوقت نفسه كانت تحاول "داعش" أن تسوق نفسها على أنها دولة ولها تجارات خارجية مثل بيع النفط لتركيا والآثار السورية والعراقية لمن يدفع أكثر.

التحالف الدولي ضد "داعش" عندما بدأ لم يكن هدفه الأساسي إنهاء الجماعة، بل تجذيبها وجعلها أكثر قابلية للاندماج مع المنظومة العالمية، ولو حدث ذلك لقبلت الدول العالمية التعامل معها على غرار طالبان في أواخر التسعينيات، وما يؤكد ذلك أن التحالف كان يدعم "داعش" بالأسلحة والعتاد الحربي خصوصا في مواجهتهم في عين العرب ضد الوحدات الكردية، وفي المقابل كان تحالف واشنطن يدعم الأكراد أيضا في نفس المعركة، في محاولة لإبقاء حالة النزاع والحرب بين الجميع دون انتصار طرف على آخر.

ولكن حدث أمر مفصلي بذلك الوقت ألا وهو أن الدولة السورية قد طلبت بذلك الوقت من روسيا مساعدتها في القضاء على الإرهاب في البلاد، وإنشاء الحشد الشعبي في العراق، ووقتها أحست واشنطن أن هناك نية حقيقية من الآخرين لإنهاء "داعش" وهو ما جعل التحالف الاميركي يحاول إبقاء مناطق الصراع على ما هي عليه.

بعد الانتهاء من "داعش"، حاولت واشنطن الإبقاء على حدود الدم، أولا لم تسمح بالقضاء على بقايا الجماعة، ثانيا أنشأت حدود دم بين الدولة السورية والأكراد في الشرق والشمال السوري، وما يؤكد ذلك الاشتباكات الأخيرة بين الجيش السوري وقوات الأسايش في القامشلي.. واشنطن تحاول أيضا الإبقاء على حدود الدم في إدلب في الشمال الغربي ومنع أي محاولة لإنهاء الصراع في سوريا.

الولايات المتحدة حاولت الإبقاء على حدود الدم في سوريا ومنع انتصار أي طرف على الآخر والإبقاء على المنطقة في حالة صراع مستمر، حتى تنتهي من خطتها الكبرى ألا وهي "اسرائيل"، فما أنجزته واشنطن خلال سنوات "الربيع العربي" عجزت عن تحقيقه منذ 8 عقود.

فقد اعترفت بالقدس عاصمة للاحتلال، ودفعت تل ابيب لإقرار قانون القومية اليهودية لها، ومن ثم كتبت السطور الأخيرة من شهادة وفاة حق العودة، ومن ثم جعلت من جميع حركات المقاومة جماعات إرهابية، وطوعت حركة حماس، ومن ثم ألهت الدول العربية كل واحدة بشأنها، سواء في إعادة إعمار ما دمره الإرهاب أو في محاربته، والأهم من ذلك كله صنعت حدود الدم بين الطوائف الإسلامية والقوميات العرقية في منطقتنا، وهذه الحدود إن كانت قد ذهبت على الأرض إلا أنها ستبقى نارا تحت الرماد، وهو ما يتطلب جهدا حكوميا وشعبيا لإنهائها.

حدود الدم ربما تكون قد شارفت على الانتهاء، لكن السؤال المهم هل ستعود مرة أخرى؟ والسؤال الاخر والذي يكون اكثر اهمية ما هي الخطة الأميركية الجديدة لمنطقتنا؟

* إبراهيم شير