وزير جزائري يكشف المستور.. صدام وراء تفجير طائرة بن يحيى

وزير جزائري يكشف المستور.. صدام وراء تفجير طائرة بن يحيى
الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٧:٢٣ بتوقيت غرينتش

بعد مرور عدة أعوام على الإطاحة بالنظام البعثي العراقي الذي كان يتزعمه صدام حسين، لايزال ملف جرائم الديكتاتور العراقي المقبور مفتوحا، حيث كشف وزير الدفاع الجزائري الاسبق اللواء خالد نزار، أن صدام كان متورطا في إسقاط طائرة وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد الصديق بن يحيى أثناء عبورها الاجواء بين العراق وتركيا في عام 1982.

العالم - تقارير

وبعد مرور عشرات السنين على حادثة تحطم طائرة ''غرومان'' التي كانت تقل وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد الصديق بن يحيى للقيام بوساطة دبلوماسية لإنهاء الحرب العراقية المفروضة على ايران، التي نشبت في سبتمبر 1980. ما تزال القضية محاطة بألغاز كثيرة وتحفظات عديدة. المعروف في حادثة طائرة الوفد الدبلوماسي الجزائري أنّها سقطت في يوم 3 مايو/ايار 1982 أثناء عبورها الاجواء بين العراق وتركيا، غير أنّ التفاصيل جرى الاختلاف في سردها، فكثير من الدبلوماسيين الجزائريين، وأيضا مسؤوليين ووزراء سابقين أكدوا في شهاداتهم أنّ الصاروخ الذي فجر الطائرة، هو صاروخ روسي اشتراه النظام العراقي السابق، غير أنّه لم يجر النبش في هذه القضية بشكل رسمي لا من الطرف الجزائري ولا العراقي.

صدام قتل 14 جزائريا بينهم وزير خارجية

وفي تطور لافت، اتهم وزير الدفاع الجزائري الأسبق اللواء خالد نزار، رئيس النظام العراقي السابق صدام حسين، بالوقوف وراء مقتل وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد الصديق بن يحيى، و13 جزائرياً آخرين، في حادثة تفجير الطائرة التي كانت تقل بن يحيى في الثالث من أيار 1982، فيما اشار الى ان الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد تستر على القضية.

وتضمن الجزء الثاني من مذكرات وزير الدفاع سابقاً (1990 - 1993)، الذي سيصدر الشهر المقبل، شهادة مثيرة تخص واحدة من أخطر الجرائم في تاريخ الجزائر السياسي الحديث، التي تتمثل في مقتل وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى، وثمانية من كوادر الوزارة وصحافي، والأعضاء الأربعة الذين كانوا يشكلون طاقم الطائرة الرئاسية غرومان غولفستريم، وذلك في تفجير استهدف الطائرة أثناء عبورها الأجواء بين العراق وتركيا، قبل أكثر من 36 عاماً.

وكان الوفد الجزائري، بقيادة بن يحيى في تلك الفترة، يقود وساطة بالشرق الأوسط لوقف الحرب المدمرة، التي دارت رحاها بين العراق وإيران.

ونشر الموقع الإلكتروني الجزائر الوطنية، الذي يملكه ويديره نجل نزار، مقاطع من مذكراته، وركز بشكل لافت على دور صدام في تصفية بن يحيى لأنه كان يرفض أن يؤدي عربي دور الحكم في نزاع بين عربي وغير عربي.

وجاء في شهادة نزار أن "لجنة التحقيق الفنية التي تنقلت إلى المنطقة، حيث حطام الطائرة، التي كان يرأسها وزير النقل صالح قوجيل، عثرت على بقايا صاروخ جو - جو استخدم في ضرب الطائرة، وهذا الصاروخ من ضمن طلبية سلاح روسي تسلمها العراق، وتملك الجزائر الرقم التسلسلي لهذا الصاروخ بالتحديد".

وأشار نزار إلى أن خبراء بالطيران الجزائري "تمكنوا من تحديد المواصفات الفنية للصاروخ"، الذي ينتمي للقوات الجوية العراقية، بحسب الضابط العسكري السابق، الذي كان وقت الحادثة قائداً للقوات البرية، ورقماً فاعلاً في نظام الحكم.



وقال نزار، في محاولة إسناد اتهاماته، إن "الوساطة الجزائرية، التي كان يقودها بن يحيى لوقف الحرب بين العراق وإيران (1980 - 1988)، كانت تتوفر على كل شروط النجاح في مهمتها، وقد قادتها الجزائر بيد من حديد، غير أن صدام لم يقبل أبداً أن يؤدي عربي دور الحكم بين عربي وغير عربي. فبالنسبة إليه، فعدو بلد عربي هو بالضرورة عدو لكل العرب، والجزائريون بالنسبة لصدام جاءوا ليتدخلوا في شأن لا يخصهم".

ويتناول جزء من هذه الشهادة أسباب رفض الجيش الجزائري إنقاذ صدام عندما تورط بغزو العراق في صيف 1990. وقال نزار بهذا الخصوص إن الجزائر "لم تكن تشعر يومها بأنها معنية بالمشاكل التي اختلقها صدام، رغم مشاعر التعاطف التي أبداها الشعب الجزائري حيال العراق في تلك الحرب".

يُشار إلى أنه لأول مرة يذكر فيها مسؤول جزائري كبير وقت حادثة تفجير الطائرة، أن دولة ورئيساً يتحملان مسؤولية مقتل بن يحيى (50 سنة).

فلنترك ذلك للمؤرخين

وكان في آخر معاجلة لحادثة مقتل وزير خارجية الجزائر الاسبق محمد الصديق بن يحي، لم يرغب وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة في حوار متلفز مع قناة "روسيا اليوم" الخوض في تفاصيل الحادثة واكتفى بالقول أنّ الحقيقة سيكشفها "المؤرخون". 

ورغم الحاح مذيع القناة على وزير الخارجية من اجل معرفة تفاصيل اكثر حول الحادثة، إلاّ أنّ لعمامرة تحاشى كليا الخوض في ذلك وقال "أنتم تعلمون أن قضايا مثل هذه لا تعالج من خلال التلفزيون، بل تترك للمؤرخين فأفضل مع الترحم على أرواح الوفد الدبلوماسي الجزائري، الضحايا الأبرياء، ومع الاعتراف بجميلهم ليس فقط على الدبلوماسية الجزائرية بل كذلك جميلهم في صنع السلم والأمن بين الأشقاء.. نترك ذلك للمؤرخين".

شهادات السفير الجزائري السابق

الظاهر في الأمر أنّ حادثة تحطم طائرة الصديق بن يحي كانت لغزا من ألغاز الدبلوماسية، قبل ان يتم الكشف عن بعض خلفياتها وأسبابها والاطراف التي تقف وراء مقتل الوزير المحنك والوفد المرافق له بشكل رسمي من قبل وزير الدفاع الجزائري الاسبق اللواء خالد نزار، علما أنّه سبق وأن سرد العديد من الدبلوماسيين الجزائريين والعرب تفاصيل حول الحادثة من خلال شهادات قدموها.. ولكنها بقيت شهادات شخصية لا ترقى لتكون رسمية يعتّد بها.

وكانت آخر هذه الشهادات، ما كشفه السفير الجزائري السابق في عدة عواصم عربية، محمد برغام، أن الجيش العراقي كان وراء إسقاط طائرة المرحوم الصديق بن يحيى، سنة 1982 على الحدود العراقية التركية غير أنّ العديد من الجهات، اختلفت في تفسير القصف "هل كان قصفا متعمدا من أجل اسقاط الطائرة أم وقع بالخطأ" باعتبار أنّ الأجواء التي كانت مخيمة على المنطقة هي أجواء حرب.

وفي مايو 2015 ، كشف عبد العزيز بوباكير، كاتب مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد عن حقائق جديدة حول مقتل الدبلوماسي الجزائري الفذ محمد الصديق بن يحيي أثناء قيامه بوساطة بين العراق وإيران.

صدام طالب الجزائر بالوقوف إلى جانب العراق

في سبتمبر من سنة 1980 شن النظام العراقي السابق حربا على إيران، أدخلت المنطقة كلّها في دوامة من اللااستقرار، منذرة بالامتداد إلى مناطق أخرى، وإلهاب الشرق الأوسط كلّه، ولم تكن الأيادي الأجنبية بعيدة عما حدث.

كان موقف الجزائر واضحا منذ البداية، بحسب الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد، حيث عبرت عن قناعة القائمين على السلطة، بأن العالم الإسلامي وخاصة إيران يمثل عمقا استراتيجيا للأمة العربية ومكسبا مهما في محاربة الصهيونية، ومن الخطإ ترك هذا المكسب ينهار، وأن الحل يتم حتما عن طريق المفاوضات.

وقد أبلغ الشاذلي الطرفين باستعداد الجزائر لوقف هذا النزيف، لكن ما جعله يصاب بالدهشة هو قول صدام إن “من واجب الجزائر أن تقف إلى جانب العراق باسم الأخوة العربية”. ولما ذكره بالاتفاق الذي وقعه مع شاه إيران في الجزائر سنة 1975 (اتفاق حدودي بين العراق وإيران) تحت رعاية الرئيس هواري بومدين وسوي بموجبه مشكل “شط العرب”، أجابه قائلا: “لقد مزقته”.

الشاذلي كان واثقا من قدرة بن يحيى على الحل

الرئيس الشاذلي بن جديد كلف وزير الخارجية وعضو المكتب السياسي محمد الصديق بن يحيى بالشروع في وساطة بين البلدين، وكان واثقا من قدرته على حل أعقد المشاكل في أسوإ الظروف، وقال له: “لقد نجحت في إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين العام الماضي،الإيرانيون يثقون فيك، وعليك أن تقنع صدام بالعودة إلى اتفاق الجزائر في 1975”. وكان قبل ذلك بشهر قد كلفه بتسليم رسالة إلى صدام أبدى فيها استعداد الجزائر للوساطة لوقف هذه الحرب التي لا تخدم كلا الطرفين، حيث أخبره بن يحيى بعد عودته أن صدام أبدى استعداده للتفاوض.

عشية الرابع من مايو 1982 أبلغ أن طائرة “غرومان” الرئاسية فقدت الاتصال مع برج المراقبة بعد تزودها بالوقود وإقلاعها من مطار “لارناكا” باتجاه طهران، ولكن لم تصل طهران، بعد ان تم استهداف طائرته أثناء عبورها الأجواء بين العراق وتركيا، قبل أكثر من 36 عاماً.

"ثعلب الصحراء"

محمد الصديق بن يحيى (1932 - 1982) سياسي ووزير خارجية جزائري، ولد في 30 يناير 1932 بجيجل الواقعة شرق الجزائر، زاول دراسته واستطاع الحصول على شهادة الليسانس في الحقوق بجامعة الجزائر.

شارك في تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين سنة 1955 مع كل من أحمد طالب الإبراهيمي ولامين خان. كان من المنظمين لإضراب الطلبة الجزائريين عن الدراسة والتحاقهم بصفوف جبهة التحرير الوطني يوم 19 مايو 1956. مثّل جبهة التحرير الوطني في مؤتمر الشباب المنعقد بباندونغ سنة 1956، عين عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية عضوا في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سنة 1960 عين مديرا للديوان برئاسة الحكومة المؤقتة في عام 1960.

شارك في المفاوضات الجزائرية- الفرنسية 1960 - 1962 ولعب دورا كبيرا في التأثير على مسارها. وقد أعجبت بحنكته الشخصيات الفرنسية المشاركة في المفاوضات حيث لقبته جريدة "باري ماتش" بثعلب الصحراء وذلك لما أظهره من قدرة على الجدل والإقناع. ووصفه رضا مالك بالسياسي المحنك بعد الاستقلال. وزيرا للخارجية عام 1979 وعضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني.

قد عرف عن الصديق بن يحيا ذكاؤه الحارق وتكتمه الشديد وحذقه في المفاوضات وقدرته على تسيير إدارة القضايا المعقدة. وكان مقربا من الشاذلي الذي يقدر في دوره الكبير في محادثات “مولان” سنة 1961، وفي الجلسات العاصفة التي مر بها المجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، ودوره في كل مناصب المسؤولية التي تبوأها بعد الاستقلال “الإعلام، التعليم العالي، المالية، الخارجية”.
 
شغل منصب وزير الخارجية سنة 1979، وفي ليلة 3 مايو 1982 فجر صاروخ روسي طائرته على بعد 50 كيلومترا من الحدود الفاصلة بين العراق وتركيا، حيث كان في مهمة دبلوماسية لإنهاء الحرب العراقية المفروضة على إيران.