ثلاث قضايا اختلف فيها الملك سلمان مع ولي العهد

ثلاث قضايا اختلف فيها الملك سلمان مع ولي العهد
الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٨ - ١٠:٥٧ بتوقيت غرينتش

على مدار العام الأخير، برز تأرجح كبير في المحاور الأساسية لرؤية 2030، التي تقدّم بها ولي العهد السعودي نفسه للخارج والداخل بوصفه حاكمًا للمملكة لا يشبه من سبقوه؛ بيد أن هذه المحاور قد منيت بتراجع كبير، بفعل تدخلات من الملك سلمان بن عبد العزيز، في إشارة على عدم قبوله لبعض سياسات نجله، مما يستدعي تدخله في بعض الأحيان.

العالم - مقالات وتحليلات

التقرير التالي يرسم أبرز القضايا الخلافية المحتملة بين الأب والابن على مدار العامين الأخيرين؛ في ضوء قراءة دقيقة ومتابعة لتحركاتهما في أكثر من ملف، وتوابع هذا الخلاف وتعثر بعض المحاور الأساسية التي تعتمد عليها سياسة ولي العهد السعودي في الداخل والخارج.

الملك سلمان لا يزال واعيًا ويتدخل في الأوقات الحاسمة

على خلاف الصورة التي روجتها بعض وسائل الإعلام عن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز (82 عامًا)، بكونه مريضًا وعاجزًا عن متابعة الشؤون اليومية؛ تبرز بين الحين والآخر صورة أخرى، بحضوره في القضايا الكبرى، حتى وإن ترك أغلب صلاحياته وسلطاته في يد ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إذ يحافظ الملك على الظهور عند بزوغ قضايا كبرى، بعدما تعافى من ذبحة صدرية تعرض لها، جعلت قدرته على تحريك يده اليسرى محدودة لبعض الوقت.

ترتبط تدخلات الملك، الذي بويع في 23 يناير (كانون الثاني) عام 2015، دومًا بتنحية ابنه، الذي مهد له طريق العرش من بعده، عن بعض سياساته الخارجية، التي تكاد تُفقد المملكة وزنها السياسي وتشكك في شرعية حُكم آل سعود التاريخي داخل البلاد. فعند بعض القضايا الحاسمة؛ يظهر الملك في الصورة، في محاولة تبدو للمتابعين أنها من أجل وقف اندفاع الأمير الشاب، وسط تذمر قطاع كبير من الأسرة الحاكمة تجاه سياسته التي خرج فيها عن المسار الثابت الذي رسمه أعمامه، وأسس سابقًا لنظام حكم مستقر لآل سعود.

يعزز هذا الطرح، ما ذكره بروس ريدل، مدير الأبحاث الاستخباراتية في معهد «بروكينجز»، في مقالة بعنوان: «لماذا ما يزال الأمير محمد بن سلمان بحاجة لوالده الملك سلمان؟»، إذ يقول: «الأمير البالغ من العمر 32 عامًا ما يزال يعتمد على والده في مجال الشرعية والمصداقية؛ ليحل محل والده في العرش السعودي، وقد عمل الأمير محمد على خلق حالة من الاستقطاب التي لم يشهدها آل سعود منذ أكثر من نصف قرن»، وأشار المقال كذلك إلى وعي الملك وحضوره في القضايا الكبرى، وأنه ليس عاجزًا على خلاف ما قد يروج البعض».

صفقة القرن.. حين تدخل الملك في المشهد الأخير

تعد صفقة القرن، على رأس القضايا الخلافية بين الملك وابنه؛ وذلك بعد مضي الأخير في سياسات خالفت تقاليد الدبلوماسية السعودية التاريخية، وخرقت شرعية آل سعود التي اكتسبوها وروجوا لها من خلال تبنيهم للقضية الفلسطينية، والترويج للمقاطعة -على الأقل العلنية- ل"إسرائيل".

ويتعلق الخلاف بدعم ولي العهد لصفقة القرن واستخدام نفوذ بلاده في ذلك؛ إذ دخلت المفاوضات محطتها الأخيرة، بعدما أتم صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر محادثته مع رؤساء الدول العربية، وانتهت بقبول واسع وتحمس من ولي العهد السعودي، مدفوعًا برغبة ولي عهد أبوظبي في تمرير الصفقة آملًا في المزيد من الدعم الأمريكي للتحالف الثنائي بينهما.

وكان ابن سلمان قد قدم تنازلات كبيرة لتسوية القضية الفلسطينية وفقًا لمحددات هذه الصفقة التي طرحتها أمريكا، وتضمنت بنودها المسرّبة تنازلات فلسطينية كبيرة لصالح إسرائيل، من بينها: اعترافًا نهائيًا بالقدس عاصمة ل"إسرائيل"، وإرجاء عودة اللاجئين الفلسطينيين، وضمّ مستوطنات في الضفة الغربية ل"إسرائيل"، ونزع سلاح الفلسطينيين.

ولم يقف دور الأمير الشاب عند مسألة الموافقة على صفقة القرن، بل تخطاها إلى استخدام نفوذ بلاده السياسي والمالي في الضغط على ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، من أجل تغيير مواقفهم التي ترفض تنفيذ الصفقة.

وتأكدت رغبة ولي العهد السعودي في إتمام الصفقة من واقع تصريحاته في مقابلة مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأمريكية، في الثاني من أبريل (نيسان) 2018، خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، والتي ذكر فيها: «إن للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم»، بصورة تخالف مبادرات السعودية السابقة لـ«السلام»، وتُمثل كذلك اختراقًا غير مسبوق في السياسة الخارجية للسعودية، التي كانت ترى في "إسرائيل" عدوًا تاريخيًا بجانب إيران.

وعزز من ذلك أيضًا لقاءات ولي العهد مع قادة يهود خلال زيارته لأمريكا، ولقائه السري مع نتنياهو في الأردن، وأن التسريبات التي خرجت من هذه الإجتماعات كافة؛ تتحدث عن تحمس ولي العهد لصفقة القرن، والتطبيع مع "إسرائيل" بشكل علني، الأمر الذي بدأت ملامحه تنكشف بعد إعلان "إسرائيل" رسميًا؛ أن المملكة فتحت أجواءها لتسيير رحلات من وإلى تل أبيب وسط صمت سعودي رسمي.

الملك ومحمود عباس

الموقف السعودي الرسمي ظل داعمًا لتمرير صفقة القرن عبر تسخير نفوذها السياسي والمالي حتى نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي؛ بعدما نشرت وكالة رويترز تقريرًا ذكرت فيه أن: «الملك سلمان ذكر لرئيس السلطة الفلسطينية، خلال لقاء جمعهما مؤخرًا: لن نتخلى عنكم»، واعدًا بعدم القبول بأي بند من الخطة لا يأخذ موقف الفلسطينيين بالاعتبار.

وأشارت الوكالة أيضًا إلى أن موقف الملك يتناقض مع ضغط ولي العهد في ديسمبر (كانون أول) الماضي على محمود عباس من أجل تأييد الخطة الأمريكية، ونقلت عن دبلوماسيين قولهم: «في السعودية الملك هو من يتخذ القرارات بشأن هذه القضية الآن وليس ولي العهد».

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يخرج عن المملكة تصريح رسمي، سواء بالنفي أو التأكيد لما نقلته وكالة رويترز، وهو ما يمكن تفسيره بعدم رغبة السعودية فى إبراز خلاف في الرؤى داخل القصر؛ إلا أن مؤشرات عديدة تشير إلى ضغط الملك سلمان من أجل إيقاف الصفقة، على عكس رغبة ولي العهد.

من بينها تقرير نشرته قناة العربية المملوكة للحكومة السعودية، في الأول من أغسطس (آب)، بعنوان: «موقف سعودي يحبط صفقة القرن»؛ أشارت من خلاله إلى التدخل السعودي الذي جمد تمرير الصفقة، وينقل حديثًا مخالفًا لتصريحات ولي العهد السابقة، ويعتبر التطبيع جرمًا.

المضمون نفسه والذي يدور حول رفض الملك سلمان تنفيذ الصفقة ما لم تتضمن التأكيد على أن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، والالتزام بعودة اللاجئين الفلسطينيين، ورفض التخلي عن مبادرة السلام العربية التي أُبرمت عام 2002، أشارت له صحف سعودية وأجنبية، وأكدت معه وسائل إعلام مملوكة للدولة، أن موقف الملك تجاه القضية الفلسطينية ثابت وداعم لحقوق الفلسطينيين.

ويمكن القول بأن موقف الملك ليس جديدًا؛ فلطالما خرجت تسريبات اجتماعاته مع مسؤولين أمريكيين إبان فترة حكمه للرياض، تحدث فيها عن مقترحاته لتسوية القضية الفلسطينية وأن مفتاح جلب الاستقرار للشرق الأوسط هو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتحميله "إسرائيل" فشل الوصول لأي تسوية، موجهًا كلامه للأمريكان :«إن إسرائيل عبء على الولايات المتحدة».

خصخصة أرامكو.. إرث آل سعود الذي كاد ولي العهد أن يبدده

في مقابلة مع مجلة الإيكونوميست، والتي نشرت في السادس من يناير (كانون الثاني) 2016، قدم ولي العهد السعودي خططه الاقتصادية التي روج لها باعتبارها عامل إنقاذ للمملكة من الانهيار الاقتصادي، وتحويل اقتصاد البلاد إلى اقتصاد متكامل ليس قائمًا فقط على الإيرادات النفطية.

لم تكن هذه الخطط الواعدة التي تحدث عنها ولي العهد فيما يتعلق بتعظيم موارد البلاد غير النفطية، وروج لها على أنها حقوق حصرية بشأنه، أول من يتحدث عنها من آل سعود؛ لكن كان الشيء الذي خرقه الأمير الشاب، هو تجرؤه في الإعلان عن طرح أسهم شركة أرامكو، الشركة «الأكثر تقديرًا» في العالم، للاكتتاب العام، وبات الحديث عن أسرارها محرمًا على الجميع.

يبدو أن صغر سن ولي العهد، حديث الشأن بالسياسة، وخبرته المحدودة لم تتح له قراءة تاريخ أرامكو مع آل سعود جيدًا؛ فهذه الشركة التي سعى أجداده وأعمامه لحماية بياناتها بسياج من الأسوار المغلقة، تعد الذراع الأقوى والأكثر تأثيرًا للمملكة لاكتساب نفوذ سياسي سواء في علاقتها مع واشنطن أو باعتبارها قوة اقتصادية مؤثرة في الشرق الأوسط.

كذلك يبدو أن ذاكرة الشاب تناست وقائع عزل ابن عمومته محمد بن فهد من منصبه كأمير للمنطقة الشرقية بواسطة عمه وملك السعودية الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وذلك بسبب تدخله المباشر في سياسات أرامكو.

لذا لم يكن خرق ولي العهد السعودي، الحديث عن شركة أرامكو الذي أصبح محظورًا حتى على أبناء آل سعود يمر مرور الكرام دون استنفار قطاع واسع من أبناء عمومته؛ مما استدعى تدخلًا حاسمًا من الملك لوقف ابنه من المضي نحو تنفيذ هذا القرار الذي سيكشف الميزانية العمومية للشركة لأول مرة، والذي يعد في مقام السر الحربي؛ كونه يعادل ميزانية المملكة.

كل هذه الوقائع كانت دافعًا لتحرك الملك من أجل إيقاف ابنه وإلغاء الطرح المحلي والعالمي لشركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو، إلى جانب تسريح المستشارين الماليين للإدراج، اللذين صدر بحقهما قرار تعيين من جانب ولي العهد السعودي، وهو التفسير الذي صرح به مسؤولون سعوديون عن أسباب عدم طرح أرامكو في البورصة لوكالة رويترز.

ويمكن القول بأن هذا التدخل، قد جمد خطط ولي العهد السعودي الهادفة لإعادة هيكلة اقتصاد المملكة والحد من اعتماده على إيرادات النفط؛ لتُكسر صورة الرجل الخارق ذي الصلاحيات المفتوحة والسلطات المطلقة دون قيود.

المملكة وتركيا.. الملك يعيد وصل أنقرة الذي انقطع

مع بداية ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز، وبعد وفاة أخيه عبدالله، سعى لإعادة توطيد العلاقات مع تركيا باعتبارها حليفًا قويًا ومستقرًا للمملكة، وذلك عبر تنسيق المواقف تجاه قضايا الشرق الأوسط، وخصوصًا فيما يتعلق بالأزمة السورية.

لكن هذا التحالف لم يستمر طويلًا بعد صعود ولي العهد إلى رأس السلطة، واستحواذه على الكثير من سلطات البلاد سواء خارجيًا أو داخليًا؛ ليسير مدفوعًا برغبة إماراتية في التباعد عن أنقرة، وهو ما تأكد من واقع تصريحات ذكرها ولي العهد السعودي خلال زيارته لمصر وما صرح به من أن: «تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها على المنطقة».

بعد هذه التصريحات بدأت حرب إعلامية بواسطة صحف سعودية حكومية، خصوصًا بعد زيارة أردوغان إلى السودان واستئجار تركيا جزيرة سواكن، إذ ذكرت صحيفة «عكاظ»: «أن الأطماع التركية في القارة الأفريقية ليس لها حدود، والتي انعكست في جولة الرئيس التركي داخل القارة، إذ كشفت عن الوجه الحقيقي لأردوغان في التمدد والتوسع ».

لكن هذه الحرب الإعلامية لم تمض كثيرًا؛ وأخذت تغطية وسائل الإعلام السعودية التي تعكس الخطاب الرسمي لولي العهد السعودي، طابعًا يتسم بالتهدئة منذ بداية العام الجاري، والحديث بشكل يغلب عليه الاحتفاء بالعلاقات التركية السعودية، والرغبة في إعادة إحياء هذا التواصل بين الجانبين.

واحدة من هذه الوقائع حين اهتمت المملكة رسميًا عبر ممثلها في تركيا بنفي ما ذكر في أحد مقاطع الفيديو المتداولة حول تعرض مواطن سعودي للإهانة عبر سحب العقال من على رأسه في تركيا؛ قبل أن يرد السفير بشكل رسمي، ويؤكد أن الواقعة ليست في تركيا، قائلًا في بيان يخالف مضمون ما ذكره ولى العهد حول تركيا، أن: «تركيا الشقيقة دولة صديقة ذات وزن وعلاقاتها مع السعودية مبنية على الاحترام المتبادل، والأمور تمضي قدمًا حسب ما يخطط لها من الجانبين تحت مظلة التعاون في شتى المجالات ومراعاة المصلحة العامة».

أعقبت هذه الواقعة تهدئة إعلامية بين الجانبين على مدار الشهور الماضية، تكللت باتصال هاتفي من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليهنئه بفوزه في الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد جمود في العلاقات دام لأكثر من عام بعد انحياز تركيا لقطر في نزاعها الخليجي.

وتلا هذا الاتصال بشهر إرسال الملك سلمان وولي العهد بيانين منفصلين إلى أردوغان يهنئانه فيه بذكرى عيد النصر، وهو أحد أهم الأعياد الوطنية في تركيا. هذا التواصل الذي غاب العام الماضي على خلفية التوترات غير المسبوقة بين الجانبين؛ وفي ذلك التحول إشارة إلى تغير كبير في سياسة المملكة نحو تركيا مدفوعة برغبة من الملك سلمان شخصيًا، وهو الاحتمال الذي يُرجحه ظهور الأب من جديد في المخاطبات الرسمية مع تركيا، ويرفع عدد القضايا الخلافية بين الملك وولي عهده.

* شفقنا