«الانتقام الروسي» يتجاوز "إسرائيل" !

«الانتقام الروسي» يتجاوز
الثلاثاء ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٢١ بتوقيت غرينتش

في التقدير الأولي لإعلان روسيا تزويد دمشق منظومة «اس ٣٠٠»، وغيرها من المنظومات الدفاعية الحمائية، تأكيد لحدة الكباش الروسي ــ الإسرائيلي، ولوصول التفاوض السياسي غير المعلن بين الجانبين إلى حدّ التأزم، الأمر الذي استدعى من موسكو زيادة مستوى الضغط على تل أبيب. لكن هل الإعلان الروسي يهدف فعلاً إلى الضغط على إسرائيل، أم أنه أيضاً والى جانبه، يعمل على مواجهة تهديدات أوسع وأشمل من تهديدات تل أبيب وضرباتها؟

العالم - سوريا

انطلاقاً من مروحة المصالح الروسية الأوسع في سوريا، يمكن الإشارة إلى مقاصد تزيد عن استهداف إسرائيل وتقييد هامش مناورتها كردّ على إسقاط الطائرة الروسية، لتصل إلى حد استغلال الفرصة المتاحة، وإن بالنتيجة، للتضييق على الخيارات العسكرية العدائية لأعداء روسيا وخصومها، و/ أو الدولة السورية. الاحتمالان واردان، وليسا متعارضين، ويأتيان أيضاً في التساوق في ما بينهما.
مع ذلك، قد تعترض القرار الروسي فرضيات نظرية حول إمكاناته الفعلية، وهل هو صادر لينفذ أم مجرد ضغط لتحقيق أهداف. الإعلان عن قرار التزويد إجراء قد يكون مستقلاً عن الإجراء اللاحق له، وهو التسليم. يعني ذلك أن المنظومة قد تصل أو لا تصل نظرياً، مع إمكان ربطها بمروحة من المؤثرات والدوافع وأيضاً الموانع، وقد تكون إسرائيل جزءاً منها، وكذلك أميركا وخصوم روسيا الآخرين.
في النظرة الابتدائية للوقائع والمعطيات، يبدو أن روسيا تضع إسرائيل أمام خيارين: إما الانصياع إلى الإرادة والشروط إزاء تضييق مناورتها العسكرية في سوريا بالتراضي، أو عبر المنع المادي والصدّ من خلال «اس ٣٠٠» وغيرها من الإجراءات والوسائل الحمائية المعلن عنها أمس. أيهما تختار إسرائيل؟ الواضح أن الضغط الروسي لا يمهلها وقتاً للاختيار، بعد أن ربطت خطوة «اس ٣٠٠» بأسبوعين فقط.
مع ذلك، وفي الموازاة، المعطى الجديد قد يكون من ناحية موسكو يتجاوز إسرائيل إلى دائرة التهديد الأوسع للمصالح الروسية في سوريا، بما يشمل مزيداً من الأعداء والخصوم، لمنع تهديداتهم الدورية للمكاسب الميدانية في سوريا، وكذلك في مواجهة أي استحقاق ميداني يخطط له لإنهاء الحرب على الجماعات المسلحة، وكان آخرها التهديد باستخدام القوة العسكرية، ضمن ذرائع متاحة، لمنع الحرب على الجماعات المسلحة في محافظة إدلب. تهديد جاء واضحاً ومباشراً من الجانب الأميركي، وكذلك من الجانب الغربي عموماً.
بالطبع لا تخطيط روسياً مسبقاً للفرصة المتاحة جراء إسقاط «ايل ٢٠»، لكن لا يوجد ما يمنع، بل يوجد ما يدفع موسكو إلى استغلال الحادثة إلى الحد الأقصى، والعمل بنتيجتها على تحقيق ما كان متعذراً قبلها في تعزيز القدرات الدفاعية السورية، درءاً أو عرقلة للتهديدات. إن كان الأمر كذلك، فهذا يعني جدية القرار الروسي في تسليم المنظومة فعلياً لسوريا بلا ارتباط كبير جداً بموقف إسرائيل وقرار إذعانها للشروط الروسية التي يتبيّن تعذّر إسرائيل أن تستجيب لها.
إن اتجهت موسكو إلى الدائرة الأوسع وعمدت إلى استغلال حادثة الطائرة وتحويل التهديد إلى فرصة كاملة، فتكون التقديرات الابتدائية لإسقاط الطائرة الروسية تواضعت جداً في توقعاتها بأن حصرت تداعياتها بإسرائيل. إن صحت الفرضية، فسيتحول الكباش من إسرائيلي روسي إلى أميركي روسي أيضاً، مع تهديدات أميركية باللجوء إلى إجراءات متطرفة ضد المنظومة نفسها للحؤول دون تسليمها، وهو ما لمّح وسارع إليه أمس، مستشار الأمن القومي، جون بولتون، في التأكيد أن تسليم المنظومة إلى سوريا يعدّ «تصعيداً خطيراً».

* يحيى دبوق - الاخبار