بعد تكدس الاتفاقات حولها..

إدلب بين تطبيق الاتفاقيات والمراوغة بورقة الارهابيين

إدلب بين تطبيق الاتفاقيات والمراوغة بورقة الارهابيين
السبت ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٨:٣٥ بتوقيت غرينتش

بعد تطهير معظم المحافظات السورية من دنس الجماعات الإرهابية، بات على الحكومة السورية العمل على بسط سيادتها على كل الارض السورية، اي العمل على تضييق الخناق على الجماعات المسلحة التي تم استقطابها من مختلف محافظات البلاد، وتكريس جهود المصالحة سلميا أو إذا إقتضى الأمر عسكريا (خاصة مع الجماعات الاهاربية الأجنبية الدخيلة على سوريا منذ اكثر من سبع سنوات).

العالم- سوريا

في الوقت الذي كانت فيه القوات المسلحة السورية والقوات الحليفة لها تستعد لشن معركة الحسم ضد الإرهابيين في إدلب، تعالت صرخات داعمي الجماعات المسلحة الاقليميين ومن يربطهم بالقوى الاستكبارية. في مثل تلك الظروف شهد العالم تلاقحا فكريا تمثل في عقد القمة الثلاثية في طهران بين الدول الثلاث التي تتباين أفكارها ومصالحها السياسية في سوريا، لكنها تجتمع حول قاسم مشترك أكبر يجعلها توحد جهودها لطرد الإرهابيين من سوريا اولا، وإبقاء تركيا داخل نطاق إتفاق اقليمي، قبل أن يسترجعها الغرب لصفوفه التي ابعدتها من محيطها الاقليمي. وقبل ان يجف حبر بيان اجتماع طهران أطلت تركيا ثانية على المنطقة لتسجل قمة مع روسيا في سوتشي إعتبرها المراقبون استمرارا لمساعي قمة طهران، وتعمل على فصل الجماعات المسلحة عن المدنيين في ادلب من خلال ايجاد منطقة عازلة حتى الخامس عشر من تشرين الاول/اكتوبر القادم، تفاديا لوقوع أكبر عدد محتمل من الإصابات في صفوف المدنيين.

طهران ورغم غيابها عن القمة الثاني، رحبت بقمة سوتشي خاصة بعد ان عرفت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الذي تولى صياغة المخاوف التركية والأهداف الروسية والإيرانية والسورية على الأرض، مع الاخذ بنظر الإعتبار اتفاقه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان بشأن إدلب، خلال قمة سوتشي الأخيرة.  لكن ما يلفت النظر هو ان الولايات المتحدة لم تقف عند حد معلوم وراحت تواصل تدخلاتها السافرة في الشأن السوري، حيث أكدت ممثلة امريكا في مجلس الأمن نيكي هايلي في آخر تصريح لها، ان القوات الأمريكية باقية في سوريا ما بقيت "القوات الإيرانية" هناك -على حد زعمها-. فيما راح  ممثل الولايات المتحدة الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري يؤكد "أن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا حتى تسحب إيران كل قواتها ووكلائها من هناك". هذه التصريحات الى جانب استمرار الهجمات الجوية المتكررة للكيان الإسرائيلي على سوريا، دفعت المراقبين للإفصاح عن ظهور واقع جديد على الأرض السورية وطرح بعض التساؤلات ومنها لماذا الإدلاء بهذه التصريحات في الوقت الراهن أي بعد تجميد العمليات العسكرية المرتقبة ضد الارهابيين في ادلب؟ وهل ستنجح امريكا في البقاء على الارض السورية حتى لو سحبت ايران مستشاريها العسكريين؟

وللإجابة على هذين السؤالين يجب العودة الى واقع الساحة السورية، والاسباب التي اوصلت الأمور الى حالة تجميد العمليات العسكرية ضد ادلب.

ان واقع الساحة السورية يؤكد ان الدولة السورية عازمة على تطهير ارضها من الجماعات المسلحة من خلال المصالحات الوطنية أو من لم يستجب للنداءات السلمية، فإنها ستضطر للتعامل معه باللغة العسكرية، وإن استعدادات الجيش السوري وخاصة استلامه صفقة صواريخ "إس-300" من الحليف الروسي، وتأكيد وزير الخارجية السوري وليد المعلم، تطلع بلاده للحصول على صواريخ "اس-400" يؤكد عزم سوريا حكومة وشعبا، على بسط السيادة الوطنية على كل الأرض السورية ولم يعارضها ايا من حلفائها الروسي أو التركي أو الإيراني في ذلك. ما يعني ان سوريا وحتى في الوقت الذي وافقت فيه على تجميد العمليات العسكرية لطرد الإرهابيين الداخلين عليها من الخارج، فإنها لن تألو جهدا في مواصلة العمل السلمي لإعادة الحياة الطبيعية للمواطنين. والشاهد على ذلك انها وبعد محادثات مستمرة حصلت على موافقة الأردن لفتح معبر نصيب الحدودي مع سوريا اليوم السبت، إيذانا لبدء حركة مرور الشاحنات والترانزيت عبر الحدود السورية الأردنية، والتمهيد لعودة المهجرين السوريين الذين لجأوا الى الاردن إبان الحرب على سوريا.

أضف الى ذلك ان حلفاء سوريا وخاصة تركيا تخشى تسلل الإرهابيين الى أراضيها، إذا ما وجدوا فرصة لإلتقاط الانفاس، الأمر الذي قد يبعث القلق بين الدول الاوروبية والغربية بأسرها، وهذا ما لا يروغ للغرب ولا لاوروبا، بل يحاولون ابقاء الارهابيين في سوريا او نقلهم الى آسيا الوسطى والقوقاز أو افغانستان. إذا يرى المراقبون أن إطالة أمد تجميد العمليات العسكرية ضد الإرهابيين لم يكن الى ما لا نهاية، وبالتأكيد ان الدول الحليفة لن تتحمل استمراره لأكثر من الوقت المقرر له، اي فصل الإرهابيين عن المدنيين من خلال ايجاد طرق لترحيلهم عن المدينة والمناطق الآهلة بالسكان.

وفيما يخص إستمرار تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن استمرار بقاء القوات الأمريكية في سوريا وربطها ببقاء المستشارين الايرانيين، يرى المراقبون ان الأمر يختلف جملة وتفصيلا، ولا يمكن المقارنة بين هذين الحضورين. فبالدرجة الأولى الكل يعلم أن ايران لم يكن لها اي قوات عسكرية في سوريا، بل لديها بضعة عشرات من المستشارين، دخلوا سوريا بطلب رسمي من الحكومة الشرعية لسوريا، واقد اكدت الاوساط الأقليمية والدولية، لولا الإستشارات الايرانية لما تمكنت سوريا من الصمود أمام هجمات الجماعات الارهابية التي تم تجنيدها من أكثر من 85 بلدا الى سوريا لقلب نظامها وتمزيقها الى دويلات عرقية متناحرة، يتم على اثرها تغيير الخارطة الديموغرافية للمنطقة بأسرها.

ثانيا الكل يعلم ان القوات الامريكية جاءت وتدخلت في الحرب التي ألمت بالبلاد، بعد ان كانت هي من ابرز مؤججيها، ودخلت الارض السورية دون اذن حكومتها الشرعية، واليوم وبعد ان استعادت الحكومة معظم الاراضي التي احتلتها الجماعات الارهابية الاجنبية من الدولة والشعب السوري قبل حوالي سبعة اعوام بات بمقدور الحكومة الشرعية لسوريا اللجوء للأوساط الإقليمية والدولية، للعمل على اخراج القوات المحتلة، التي لايرغب فيها الشعب السوري ولا الحكومة السورية.

أضف الى ذلك ان الإجتماعات التي تشهدها المنطقة تكشف عن ظهور تكتلات اقليمية للدفاع عن أمن واستقرار المنطقة وبالتأكيد ان هذه التكتلات لم ولن تقف مكتوفة الايدي امام إحتلال بلد مستقل، وستكون الى جانب مطالباته في الاوساط الدولية. ولم يكن الإجتماع الامني لأكبر خمس دول في الشرق الذي استضافته طهران يوم الأربعاء الماضي بعيدا عن مثل هذه التطورات والأيام القادمة كفيلة بكشف الكثير من حقائق الامور.

*عبدالهادي الضيغمي