تزامنا مع أزمة "سد النهضة".. مصر تقوم بخطوة قد تثير غضب إثيوبيا

تزامنا مع أزمة
السبت ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠١:١٦ بتوقيت غرينتش

العلاقات المصریة الافريقية علاقات وثيقة من النواحي الحضارية والتاريخية والجغرافية، فموقع مصر شمال شرق أفريقيا جعلها بوابة القارة إلى آسيا وأوروبا، ومنذ فجر التاريخ كانت مصر الفرعونية تبحث عن فك لغز نهر النيل ومعرفة منابعه بكافة السبل الممكنة والمتاحة.

العالم- مصر

وفي هذه الايام وتحديدا، الخميس الماضي اعلنت مصر بدء إنشاء خمسة سدود جديدة في مناطق متفرقة بدولة أوغندا لحمايتها من خطر الفيضانات، ضمن مجموعة من المشروعات الثنائية بين البلدين.

ويأتي الإعلان المصري بعد تأكيد وزارة المياه والري المصرية، عدم التوصل لأي نتائج محددة في اجتماع أديس أبابا الذي عقد الثلاثاء الماضي، بين وزراء المياه والري بدول مصر والسودان وإثيوبيا لمناقشة نتائج الدراسة المتعلقة بسد النهضة.

ويعد هذا الاعلان طبيعيا على مستوى العلاقات بين مصر وأوغندا حيث ان الروابط بين البلدين تتسم بالتماسك والانتماء، وهو ما تجسده الشراكة والتفاهم في مختلف المجالات والقضايا بين الدولتين، من أبرزها قضايا الأزمات الإقليمية ومياه حوض النيل.

وتم تدشين مشروع بناء السدود بسعة لن تزيد عن 10 آلاف متر مكعب للخمسة سدود، كما يطلق عليهم "خزانات الأدوية"، بمنحة مصرية قيمتها 9 ملايين دولار.


ويأتي المشروع ضمن إطار التعاون بين مصر وأوغندا، نظرا للمخاطر التي تعرضت لها مقاطعة كسيسي على مدار 20 عاما من جراء موجات الفيضانات الكثيفة المتتابعة، والتي يعد من أعنفها موجات فيضانات 2014، وفقا لوسائل إعلام مصرية.

وأكد وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، على حرص القاهرة على استمرار التعاون الفني بين وزارتي الري في البلدين، معلنا بدء الإعداد للمرحلة الثانية من هذا المشروع الهام، وكذلك بدء تنفيذ أعمال مشروع إنشاء 5 سدود خاصة بحصاد مياه الأمطار بمناطق متفرقة بأوغندا تضاف الى ما تم تنفيذه بالفعل من مشروعات الآبار لضمان توفير مياه شرب نظيفة للمواطنين بأوغندا.

وقال عبد العاطي: "أن مصر حريصة على استمرار التعاون الفني مع أوغندا، التي تعد واحدة من دول المنبع في حوض النيل، مشيرا إلى أن مشروع إنشاء السدود الخمسة الجديدة يضاف إلى ما تم تنفيذه بالفعل من مشروعات حفر الآبار الارتوازية التي نفذتها مصر.


بالطبع جاءت الخطوة المصرية بترحيب اوغندي حيث أشاد وزير المياه والبيئة، سام شيبتوريس، بروح التعاون التي تربط بين مصر وبلاده وبخاصة في مجالات الري ودرء مخاطر الفيضانات.

لكن يرى الخبراء ان اعلان بناء 5 سدود لايجب المرور من جانبها مرور الكرام حيث انها تتزامن مع تصاعد أزمة سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا ومن هنا اثيرت تساؤلات حول الأسباب التي دفعت مصر لتنفيذ هذه المشروعات، وما إذا كان لها علاقة بأزمة سد النهضة؟

الحقيقة ان المفاوضات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا بشأن سد النهضة منذ عدة سنوات مازالت في دائرة الركود ولم تخرج بنتائج ملموسة، وهذا ما اثار تخوف مصر من التأثير المحتمل للسد على حصتها التاريخية من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويا.

في المقابل إثيوبيا تعتقد ان الاتفاقات التاريخية لتوزيع حصص مياه النيل هي اتفاقيات ظالمة مؤكدة أن سد النهضة التي تعتزم بناؤه ليس له أضرار على حصة مصر وأن الطاقة الكهربائية التي سيولدها السد ستعزز النهضة التنموية في البلاد.

على كل حال اثار التعاون المصري الاوغندي المراقبين الذين يعتقدون أن هذه الخطوة تعكس تحول مصر إلى انتهاج سياسة جديدة تجاه السدود التي تقوم دول المنبع بإنشائها على نهر النيل ومنابعه، حيث أصبحت تشارك في بناء وإدارة هذه السدود لتضمن أنها لن تؤثر على حصتها من المياه، بدلا من معارضة إنشاء السدود بشكل مبدئي.
 
ومن بين هؤلاء المراقبين  الدكتور أيمن عبد العظيم، خبير الشؤون الإفريقية والمياه، الذي اعتبر  ان مصر تريد أن ترسل ثلاث رسائل مهمة للأطراف المتعلقة بملف مياه نهر النيل كافة. 

وأوضح عبد العظيم أن الرسالة الأولى هي أن مصر ليست ضد إنشاء السدود على النيل بشكل مطلق، طالما لا تؤثر تلك السدود على حصتها من المياه، مشيرا إلى أن مصر حريصة على التعاون ومساعدة الدول الإفريقية وفي مقدمتها دول حوض النيل في المجالات التنموية، وخاصة الري والزراعة وسبق أن أنشأت من قبل سد "أوين" في أوغندا قبل عدة سنوات، كما قامت بحفر 150 بئرا ارتوازيا في كينيا خلال الشهور الأخيرة توفر مياه شرب نظيفة للمواطنين.
 
وأضاف أن الرسالة الثانية هي أن مصر مستمرة في منهجها واستراتيجيتها التي تتبعها منذ خمسينات القرن الماضي، بنقل الخبرات الفنية والدعم اللازم لتنمية دول حوض النيل، وأنها ستواصل هذا الدعم رغم الخلافات التي تطرأ بين حين وآخر مع بعض الدول، موضحا أنه على الرغم من أن مصر ممتنعة عن التوقيع على اتفاقية حوض النيل، إلا أن هذا لم يمنعها من التعاون مع أوغندا في المجالات التنموية المختلفة.
 
أما الرسالة الثالثة وهي الأهم، بحسب أيمن عبد العظيم، فهي أن مصر تقدم نموذجا عمليا وواضحا لأثيوبيا في كيفية تجاوز الخلافات المحتدم حول سد النهضة، وتؤكد القاهرة، بالدليل العملي، أنها ليست ضد سد النهضة لكنها في الوقت ذاته لن تسمح بتهديد أمنها المائي، مشيرا إلى أن مصر عرضت بالفعل على أثيوبيا المساهمة في بناء وإدارة سد النهضة، لكن إثيوبيا رفضت هذا العرض.

وشدد على أن المشكلة الحقيقية في ملف حوض النيل ليست في ندرة المياه بل في كيفية الاستفادة منها، موضحا أن ما تستخدمه دول الحوض مجتمعة لا يزيد عن 10% من حجم مياه النهر، بينما يتم إهدار الكمية الباقية دون استفادة حقيقية منها.

يبدو ان الخطوة المصرية في اوغندا من شأنها أن تترك اصداء قوية في اثيوبيا التي تجري منذ سنوات مفاوضات شاقة مع مصر والسودان بشأن استكمال سد "النهضة" على نهر النيل في اراضيها، لكن ماهو شكل ردة هذا الفعل.. هذا ما ستكشف عنه الايام القادمة.